
Nathalie Nader Grosbois*
ترجمة يوسف العزوزي (بتصرف) .
يتناول هذا المقال العلاقة بين علم النفس و التقويم البيداغوجي Orthopédagogie و دورهما في عملية التدخل لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة ، و منهجية الأخصائي في التقويم البيداغوجي . كما يقدم المقال جملة من المصطلحات الوظيفية في إطار وضعيات الإعاقة التي تعكس التصور الجديد للتصنيف الدولي للأداء الوظيفي و الإعاقة و الصحة CFI .
أولا : مصطلحات:
1 : القصور، تعذر الأداء ، الحرمان الاجتماعي ، الإعاقة، وضعية إعاقة؛
تضمن التصنيف الدولي للإعاقة و الصحة العقليةCIH الذي نشره Philipe wood 1980 ثلاثة محاور أساسية لتحديد الإعاقة في الميدان الصحي هي: القصور la déficience ، و تعذر الأداء L’incapacité ، و الحرمان الاجتماعي le désavantage social ، و يسمح تفييء هذه المحاور بتمييز آثارعلى مستوى الحياة اليومية للفرد و سيرورة العجز ضمن نظم البيئة الاجتماعية.
+ القصور La déficience ؛
يعبر عن كل فقدان أو تعطل لبنية أو وظيفة سيكولوجية أو فيزيولوجية أو تشريحية، و يعكس ذلك أي اختلال أو عيب خلقي أو مكتسب ، مزمن أو مرحلي لبنية أو وظائف الجسم ، يصيب تطور و نمو وِظافة الشخص.
+ تعذر الأداء L’incapacité ؛
هو نتيجة للقصور و يعكس عجزا جزئيا أو كليا في القدرة على إنجاز نشاط أو مهمة مقارنة مع كيفية إنجازها في الظروف العادية . و يترتب عن ذلك الحد من الأنشطة و الحركات الضرورية للحياة اليومية.بما فيها التفاعل مع المحيط . و يمكن لتعذر الأداء أن يكون مزمنا أو مرحليا.
+ التقويض الاجتماعي LE désavantage social ؛
هو نتيجة للقصور أو تعذر الأداء الذي يحد أو يحرم الشخص من القيام بأدوار اجتماعية، يمكن لأشخاص آخرين في نفس عمره و جنسه القيام بها بشكل عادي ، في حين يجد الشخص المعني بالحرمان الاجتماعي نفسه في وضعية تعيق دوره و اندماجه و إنتاجيته و تنافسيته في المجتمع.
في هذا السياق أصدرت منظمة الصحة العالمية سنة 2001 ” التصنيف الدولي للأداء الوظيفي و الإعاقة و الصحة” CIF الذي سلط الضوء على التفاعل بين إمكانيات الفرد و مختلف العوامل البيئية، و أتاح تحليل وضعيات الإعاقة وفق أربع مكونات متفاعلة فيما بينها هي:
أ) الوظائف العضوية الفيزيولوجية و السيكولوجية أو البنيات التشريحية المعنية بالوظافة الجسدية و النظام البدني؛
ب) الأنشطة و المشاركة الفعلية من خلال الوظافة؛
ج) العوامل البيئية (البدنية، الاجتماعية..) و الإمكانيات المعتمدة أو الميسرة؛
د) العوامل الشخصية أو الفردية ؛
هكذا عرف “الدليل الدولي للأداء الوظيفي و الإعاقة و الصحة” الإعاقة كمصطلح رديف لأنواع القصور التي تصيب الوظائف التشريحية و الفيزيولوجية أو السيكولوجية التي تحد من الأنشطة الاعتيادية و تحرم الشخص من المشاركة في وضعيات الحياة اليومية ، أي أن الإعاقة تكمن في التفاعل بين الشخص المصاب و العوامل الشخصية و البيئية.
و يتميز هذا التصنيف بثلاثة مستجدات ؛
أولها أنه يتمايز عن الفصل القديم بين “إعاقة” و “لا إعاقة ” ، لأنه يضع لائحة بأنواع القصور أو الصعوبات التي تقود إلى التمييز La discrimination . و يُعبر بالمقابل عن تمييز محايد و كوني حسب الوظافة ، فتصبح الإعاقة من خلاله متغيرا قابلا للتحديد ، حيث يتحدد العجز الوظيفي لذى الأشخاص بناء على الحاجة إلى المساعدة و تأثير المحيط سواء كان ميسرا أو معيقا.
ثانيا : يُمَكن إدخال”CIF ” لمفهوم المشاركة في مختلف مجالات الحياة من تحديد و تعديل العوائق الاجتماعية و إدماج الميسرات لدعم هذه المشاركة.
ثالثا: أخد التصنيف الدولي للأداء الوظيفي و الإعاقة مروحة مهمة من العوامل البيئية بعين الاعتبار.
إذن يتم حاليا استعمال عبارة ” الشخص في وضعية إعاقة ” Hamonet 2010 للابتعاد عن الشخص و التركيز أكثر على وضعية الإعاقة ، و مسؤولية محيطه في تحييد الظروف و الشروط المعيقة،كما يتم استعمال تعبير آخر هو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة المستلهم من التعبير الإنجليزي ” with speacial needs ” .
و يركز منطق النموذج التفسيري “البيو- نفسي عصبي ” على الأداء الوظيفي للشخص من خلال مشاركته الاجتماعية في محيطه.حيث ترتبط وظيفة الإعاقة بتفاعل عوامل القصور و المساعدة ، على المستوى البيولوجي و السيكولوجي للشخص أو على المستوى المحيط السوسيو ثقافي . و يتحدث Fougeyrollas 2010 عن سيرورة إنتاج الإعاقة كنتيجة للتفاعل النسقي بين خصائص الشخص (البدنية و الوظيفية ) و بيئته (المادية و الاجتماعية) .
و تسلط سيرورة إنتاج الإعاقة الضوء على الأدوار المادية ذات القيمة الاجتماعية للأفراد حسب أعمارهم و جنسهم و إدراكهم لوضعية إعاقتهم و مستوى مشاركتهم الاجتماعية ، من أجل التخفيف من أثر وضعية الإعاقة و الالتفاف على العجز في الأداء و الحد من العوائق و استعمال الميسرات الشخصية و البيئية.
2: التدخل و الوقاية الأولية و الثانوية و الثالثية؛
تعرف منظمة اليونيسكو التدخل L’intervention باعتباره مجموعة من الطرائق و التقنيات المستعملة لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي القصور Unesco . كما يعتبر التدخل كل نشاط يستهدف :
+ الأشخاص ذوو القصور، لتمكينهم من اكتساب السلوكات الملائمة؛
+ الاشخاص الاعتباريون (في المحيط أو المهنيين) في بيئتهم؛
+ التفاعل بين هؤلاء الأشخاص و محيطهم ؛
+الأشخاص الذين يتخدون القرارت ذات الصلة؛
و يتخد تدخل الأخصائيين لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة عدة أشكال؛ كالوقاية و الرعاية و وضعيات التعلم و التربية و أنشطة أخرى لفائدة الأشخاص في أوساط حياتهم ،و مرافقهم من خلال مشاريع في مجالات تُنوعُ أدوار المتدخلين. لكننا سنتوقف في هذا المقال عند مفهوم الوقاية Prévention . حسب المنظمة العالمية للصحة OMS 1948 فإن الوقاية هي ” مجموع الإجراءات التي تتوخى التجنب أو التخفيف من مستوى أي خطورة على الصحة ، و تأثير العوامل ( الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية ) التي من شأنها أن تفاقم من المرض أو القصور ، و يمكن الحديث في هذا السياق عن :
الوقاية الأولية : و تجمع مجموع الإجراءات و الأدوات المستعملة لتلافي حادثة أو ظهور مرض أو اضطراب أو باطولوجيا، أو أعراض في مجتمع ، في محاولة للتخفيف من عوامل الخطورة التي يمكن أن يتعرض لها الشخص و تفاقم أسباب مرضه.
الوقاية الثانوية : و تشمل كل الإجراءات المتخدة عند بداية بالباطولوجيا للحد من عوامل الخطورة ، و تهدف الحد من تفاقم المرض.
الوقاية الثالثية: تهدف إلى تخفيف اثر القصور أو المرض أو الاضطراب أو عجز الأداء المزمن على الوظائف أو جودة حياة الشخص ، من خلال حثه على استخدام باقي القدرات للحد من المضاعفات المترتبة على الباطولوجيا من خلال اتخاد الإجراءات الطبية و الاجتماعية و النفسية المناسبة.
ثانيا : التقويم البيداغوجي L’Orthopédagogie ؛
يعتبر التقويم البيداغوجي مجالا للدراسة و المعارف و الأنشطة التي تستهدف تمكين الأشخاص ذوي الصعوبات أو اضطرابات التعلم من إيجاد بدائل لوضعياتهم الإشكالية من خلال استثمار إمكانياتهم legendre 1993 .
1: علاقة التقويم البيداغوجي بعلم النفس و البيداغوجيا؛
ينهل التقويم البيداغوجي من معارف الحقل السيكولوجي و الحقل البيداغوجي و حقل علم النفس الاجتماعي ، كما يرتبط المقوم البيداغوجي بعلم النفس من عدة زوايا. و ييعتمد على عارف النمو النمطي ، و خصوصيات الأداء الوظيفي و نمو الأطفال و المراهقين ذوي النمو غير النمطي .بالإضافة إلى إلمامه بمختلف التيارات النظرية لعلم نفس النمو و علم النفس المرضي للنمو، التي تؤسس للتدخل في مختلف مراحل الحياة ، سواء تعلق الأمر بالمعرفية أو السوسيومعرفية أو السلوكية أو البياجوية الحديثة أو البنائية الاجتماعية .
كما يستلهم المقوم البيداغوجي من من تطور علم النفس العصبي النمائي ، و ينظر إلى الشخص في شموليته و يهتم بمختلف أوج نمو بالأشخاص في وضعية الإعاقة . كما يهتم بالآشخاص في وضعية إعاقة ، كما يهتم بالمجال معرفي و الحسي الحركي و تقويم النطق ، و يقترح أنشطة تعلمية ترفيهية Ludiques في مختلف المجالات.
فيما يهتم علم النفس بانعكاس الأمراض المزمنة و القصور (اضطرابات التعلم) و الاضطرابات النفسية التس تصيب التلاميذ ، و يضع تصورا يقربنا من هذه الحالات ليمكننا من وضع المشروع أو البرنامج التكفلي OMS2013 . كما يهتم علم النفس الاجتماعي بأنثر التمثلات في إنتاج الوصم الاجتماعي و مسؤولية المجتمع عن الانعكاسات السلبية لذلك .
كما يرتبط التقويم البيداغوجي بعلم النفس البيداغوجي و علم النفس التربوي ـ و يقوم على المبادئ العامة لنظريات التعلم و يطبق المبادئ الخاصة لتدخل التربية العلاجية النفسية المعروفة بنجاعتها المثبتة .
و يمكن لتحليل الاختلال الوظيفي الاختلال الوظيفي للأشخاص في وضعية إعاقة أن يمتد للوضعيات التربوية ، و كذا عراقيل النمو و التعلمات ، و ذلك بغية تحسين جودة التدخل من خلال إعداد مشروع نفسي-تربوي Psychoéducatif مع إمكانية تعديل سيروريته .
بالأضافة إلى المشاريع الفردية يسهر المقوم البيداغوجي على إنجاز مشاريع للمجموعات و تكوين المهنيين (مدرسين مربين) المتدخلين لفائذة الأشخاص في وضعية إعاقة و أسرهم.
2: مجال تطبيق التقويم البيداغوجي :
يتميز اهتمام التطبيق البيداغوجي بتنوع وضعيات الإعاقة المرتبطة بالقصور الذهني و البدني و الحسي و اضطرابات السلوك و الوضعيات السوسيو ثقافية غير الملائمة . و يتوجه للأشخاص في مختلف مراحلهم النمائية ( من الطفولة إلى الشيخوخة) و مختلف المجالات النمائية و مختلف أشكال الأداء الوظيفي ( الحسي و الحركي و الإدراكي و المعرفي و العاطفي و الانفعالي و الاجتماعي و الأخلاقي).
3 : الطريقة المنهجية للتقويم البيداغوجي :
تقوم منهجية التقويم البيداغوجي على تحديد حاجيات الشخص و/أو محيطه. و تتأسس غايتها على فلسفة إنسانسة و قيمية، توجه تحديد الأهداف العامة البعيدة المدى و صياغة اهداف خاصة على المدى القريب و المتوسط.
و يتم تنزيل الأهداف الخاصة بعد اختيار الوسائل المناسبة و الموارد المتوفرة .و يعد تقييم نتائج التدخل مرحلة مهمة في هذه المنهجية على المستوى الفردي و الجمعي، لنفسح المجال أمام إمكانية أي تعديل مفترض.
4 : أدوار أخصائي التقويم البيداغوجي :
يكمن لأخصاي التقويم البيداغوجي أن يلعب دور المنسق و المستشار و المنشط لفريق المهنيين المتدخلين لفائدة شخص في وضعية إعاقة ، كما يمكنه أن يدير أنشطة التدخل التربوية ، و يعد المشروع التربوي للمجموعة، أو المشاريع السيكو-تربوية الفردية من التخطيط إلى إنجاز و تقييم التدخلات . كما يمكنه تنسيق العلاقة بين المؤسسة و المتدخلين الخارجيين من خلال خلق شبكة تواصل بين الأسرة و المؤسسة و الأخصائيين السيكوتربويين.
و قد شرعت الجامعات البلدجيكية في تكوين الطلبة في التقيوم البيداغوجي السريري و أصدرت الدولة إطارا تشريعيا لممارسة هذه المهنة من خلال القانون الصادر سنة 2016 ، و إلحاقها بمنظومة الصحة .
بالإضافة إلى ذلك اقترحت المدارس العليا للبيداغوجيا على المدرسين سنة إضافية للتخصص في التقويم البيداغوجيا لتعزيز مهاراتهم في تكييف وضعيات التعلم لفائذة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يساهمون في الإدماج و الدمج من خلال تحديد و تحليل حاجيات الأشخاص ذوو اضطرابات أو صعوبات التعلم و اقتراح مساعدات تربوية فردية في التعلم الأولي و الابتدائي و الثانوي. و يقترحون حلولا تنظيمية و بيداغوجية للمدرسين لاسيما في مجال القراءة و الكتابة و الرياضيات . كما يقدمون النصائح لأسر التلاميذ لإشراكهم في تنمية الكفايات المدرسية .
و يعتمد تكوين أخصائيي التقويم البيداغوجي في كندا على نيل ديبلوم الدراسات العليا المتخصصة في هذه الشعبة المفتوحة أمام الحاصلين على الباكالوريا و مدرسي التكييف المدرسي و الاجتماعي.
كما شرعت فرنسا في مبادرات تكوين أخصائيي التقويم البيداغوجي مركزة على استراتيجيات التعلم و الوسائل البيداغوجية المناسبة للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم بالإضافة إلى التكوين في مجال الاضطرابات الخاصة ، ومع ذلك ف‘ن أدوار أخصائي التقويم البيداغوجي غير مكتملة الوضوح.
المرجع *:
Nathalie Nader Grosbois 2020// PSYCHOLOGIE DU HANDICAP // p 16-25 //deboeck