بقلم : j. Cottraux
ترجمة: يوسف العزوزي:
يسعى الباحثون لإرساء علاقة بين الممارسة الإكلينيكية والنماذج التجريبية، و البحث في الحدود العلمية للعلاج المعرفي السلوكي الذي حقق نتائج معترف بها.
لكن مجهود محاولات مراقبة شريحة متجانسة مختارة من التحاليل التجميعية Meta-analyses لا يكفي للبرهنة على النجاعة السريرية و المحاولات في الميدان لاختبار نجاعة ممارسة طريقة ما.
هكذا قادنا تقدم العلوم العصبية المعرفية في العشرين سنة الأخيرة إلى ولوج خصوصية السيرورات و بناء منهجية الممارسة المبنية على البرهنة الموضوعية على التغيير في معالجة المعلومات و الأنظمة النورو-أيضية Neuro métabolique التي يقوم عليها الانفعال و السلوك و المعرفة.
كما فرض علينا هذا التقدم إعادة التفكير في اللاوعي و علاقاته مع الوعي و الانفعالات،حيث يتم الحديث عن ثلاثة أنواع من اللاوعي بخلفيات و وظائف مختلفة :
اللاوعي المعرفي:
الذي يناسب مجموع السيرورات الذهنية الآلية ، و يمكنه أن يتمظهر في شكل أفكار آلية قريبة من الوعي وخطابات داخلية و صور ذهنية تعكس تدفقا انفعاليا و خطاطات معرفية عميقة.
يقوم العلاج المعرفي السلوكي بكل أنواعه بالوصف السريري من خلال تقييم سلم قياس لنوع من المعرفة و تحليل السيرورة التي تقودها إلى الواجهة.
تتكون هذه الخطاطات تدريجيا على امتداد النمو لتشكل المظهر الظاهر للشخصية.
في واقع الأمر ينطلق العلاج المعرفي من هذا التدفق العاطفي لدعم تبصر العملاء بخططهم المعرفية و معتقداتهم الخاطئة التي تقودهم إلى اجترار سيناريوهات الحياة و إلى الفشل. كما يقود غياب التبصر إلى عدم تقييم المعرفة و الخضوع إلى الخطاطات و تركيز الانتباه الانتقائي عليها.
2: لاوعي البيئية الاجتماعية
يتعلق بتأثير الخارج الذي يشرط سلوكنا و مواقفنا السيكولوجية بدون علمنا و يمثل التمثل الخارجي ” outsight” تسليطا للوعي Malioney et Thorsen 1994 على ما يوجد بالمحيط و يتحكم في سلوكنا و انفعالاتنا، فيؤثر بعد ذلك على قدرة اختيارنا، أي قدرتنا على الضبط الذاتي auto-régulation . و في غياب الوعي بالمحيط سنتحذث عن الخضوع لاحتماليات التعزيز و استلاب المحيط.
كما مفهوم المغالات في الوعي بالمحيط يفسر الخضوع الدائم للانسقة الاجتماعية الخبيثة، هكذا تتمظهر نظرية المؤامرة التي تجد بكل سهولة مبرراتها اللازمة في حالات الأزمة.
و قد انتهت نماذج من تدخل التعلم الاجتماعي Bandura 1977 المتمركز حول تنمية الضبط الذاتي إلى التيار الحالي لعلم النفس الإيجابي.
و يتطرق علم النفس الإيجابي Cottraux 2007 إلى ثلاثة” تيمات” أساسية :
1 التجارب الذاتية الإيجابية و بالخصوص السعادة.
2السمات الإيجابية للشخصية و بالخصوص التفاؤل و ممارسة قيم الإيثار و التعاطف.
3المؤسسات الإيجابية و تلك التي تدير التربية و مؤسسات العمل و الحياة الاجتماعية بشكل عام و ما يترتب عنها من زعامات إيجابية و تطوير العلاقات في ميدان الشغل.
3 اللاوعي البيولوجي أو العصبي:
ذلك الذي يتعلق بالنشاط العصبي الآلي ووظافة الجهاز الهرموني العصبي Neuro endocrinien، الذي تقوم عليه السيرورات المعرفية الواعية و اللاواعية ، و كدا الانفعالات ، و يتم سبر اغوارها من خلال الطرق النوروكميائية، و تحليل الأنظمة الصغيرة للعصبونات و سيرورات التعلم. في هذا السياق تندرج أعمال Eric Kandel 2006 الذي حاز على جائزة نوبل في الطب و الفيزيولوجيا سنة 2000عن أعماله حول الأسس الجزيئية Moléculaire للذاكرة القصيرة المدى ، و الذاكرة الطويلة المدى. و هو الذي نبه في مناسبات كثيرة الباحثين في الطب النفسي و العلاج النفسي بأهمية العلوم العصبية.
و يحكي في كتاباته عن أبحاثه حول التعلم التعودي non associatif في لقاء واحد أمام مثير stimulis للتوتر يجد مصدره في ذكرى غير قابلة للنسيان.
و قد أوضح في أعمال أخرى بأن محاولات حذف ذكريات غير مرغوب فيها تؤدي إلى نشاط عصبي في المناطق dorso latérales préfrontales.
كما تعرض في كتابته إلى الذاكرة و النسيان و الصدمة بالتفصيل فيما يتعلق بالسيرورة المعنية بالعلاج ب EMDR للتوتر بعد الصدمة.
و تعتبر (العقلانية) l’intellectualisme مقابلا للمقاربة البيولوجية للاوعي لأنها ترفض الاخد بعين الاعتبار فيزيولوجية الانفعالات، وهذا ما يتحدث عنه Benjaman Schiendorf et Jean Philippe. كما لا تحظى المبالغة في تغليب البعد البيولوجي و اختزالها كل شيء في ما هو وراثي بتأييد للمشتغلين في المجال العلمي، لأن المعطيات العلمية تولي أهمية كبرى لدور العوامل النفسية – الاجتماعية التي لا تقل شأنا عن العوامل البيولوجية لفهم الاضطرابات السريرية Whl et Grow2004.
من هذا المنظور البيو-نفسي-اجتماعي biopsychosociale تتفاعل الأنواع الثلاثة للاوعي. في هذا السياق بدأت العلاجات المعرفية السلوكية الاهتمام أكثر فأكثر باللاوعي البيولوجي، بعد أن ركزت سابقا على لاوعي المحيط.
و بات المهنيون يبحثون في إرساء مقاربة تشخيص-عابرة trans diagnostique التي اقترحها David Barlow ، و التي خلفت صدى قويا.
و قد أسس David Barlow 2004 لمقاربته في البحث في الأميكدالAmygdale و إمكانية تفسير الاضطرابات السريرية بالاختلالات الوظيفية التي يمكن أن يواجهها المعالج يوميا. كما ركز David أبحاثه على البنية الكامنة و المشتركة بين مختلف الاضطرابات الانفعالية، و تتمحور هذه البنية حول العاطفة السلبية التي تسلط الوعي على اضطرابات القلق و الاكتئاب.
و تقترب العاطفة السلبية l’affect négatif كثيرا من السوداوية le neurocitisme الذي يعكس سمة قلقية و الميل إلى الإنعزال. و قد اشتغلت عدة أبحاث على الترابط la corrélation بين قياس القلق و تغيرات المورثات التي تتحكم في ناقل السيروتونين و فرط حركة الأميكدال عند استعراض تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي IRMF لوجوه (خائفة أو غاضبة) lesh et coll 1996 Fakra et coll2009.
و بالتالي فإن اللاوعي البيولوجي هو الواجهة الجينية للشخصية، و منه يمثل المزاج استعدادا مبكرا لاضطرابات القلق و الاكتئاب.
لهذا اقترح David Barlow اخد هذا البعد في برامج العلاج المعرفي السلوكي و مكوناته التي تعني بالتربية العلاجية النفسية و إعادة التقييم المعرفي و الوقاية أو التجنب الانفعالي أو تعديل السلوكات المرتبطة بالانفعال.
في هذا السياق تكتسي أبحاث Antoine Pelissolo et Delphine Monferiore أهميتها حول الاستراتيجيات الحالية لتقوية العلاجات المعرفية السلوكية بالأدوية من خلال مزاوجتها مع العلاج الدوائي بشكل تكاملي.
لكن تبقى الأبحاث حول نجاعة توليف المقاربة العلاجية و النفسية و المقاربة الدوائية في حاجة إلى المزيد، خصوصا فيما يتعلق بالاضطرابات ذات الشدة الخفيفة و المتوسطة ،خصوصا حول الاكتئاب.
المرجع :
Jean Cottraux 2009
TCC et Neurosciences
Elsevier Masson