مفاهيم قاعة الموارد 5: التأهيل /la rééducation


يوسف العزوزي :  أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم بمديرية تازة. 

تستوجب مستجدات التربية الدامجة الدخول في علاقة دينامية مع الأستاذة و المربين و أولياء أمور التلاميذ و تصميم جسر تواصل بين الفاعل التربوي التعليمي و العلوم العصبية و مختلف المستجدات العلمية ذات الصلة.، مع النأي بالنفس عن محاولة إثبات علمية هذا المنهج أو ذاك لأن هذا الدور من اختصاص هيئات علمية متخصصة، فالأهم هو استثمار الفهم العلمي و الاكتشافات الحديثة في تطوير المنتوج البيداغوجي و تكييفه مع خصوصيات المتعلمين و البحث في ملاءمة وضعيات التعلم.
أنا لست متخصصا في العلوم العصبية  و لكنني أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم ، مهمتي تنسيق العلاقة بين ما يتعلق بمهنة البيداغوجي التربوي (أستاذ التعلمات الأساس) و مهنة الطبيب و الأخصائيين و الأخصائيين النفسيين على اختلاف ابعادهم العلمية، و في هذا السياق تبرز الحاجة إلى مواكبة آخر الأبحاث و العلوم ذات الصلة (العلوم المعرفية، علم الاجتماع التربوي ،علم النفس ، العلوم العصبية، علم النفس العصبي، علم النفس السلوكي ، تحليل السلوك التطبيقي علم النفس الايجابي…..)

 

مفاهيم قاعة الموارد 5.: التأهيل /la rééducation 

تقديم
يرجع الحديث عن التأهيل “la rééducation ” بقاعة الموارد للتأهيل و الدعم إلى النهضة المعرفية و إلتلقائية عدة تخصصات مهتمة بدراسة الوظائف العصبية كالعلوم العصبية واللسانيات وعلم نفس النمو، حيث شرع الباحثون في مجال التربية و التأهيل (éducation /rééducation) في البحث في آليات استثمار هذا التقدم لفائدة الأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلم التي تصيب النظام العصبي المعرفي، و  دُعم هذا التوجه من خلال:
التوصل إلى أن دماغ الرضيع ليس ورقة بيضاء لأنه مزود بكفايات معرفية مرجعية و نظام عصبي بمثابة كفايات مبكرة.
سمح التقدم العلمي بفهم اللذونة العصبية (المرونة) و مختلف آلياتها و دورها في تحسين الوظائف العصبية بفعل التفاعل مع المحيط و خلق شبكات عصبية جديدة تحت تأثير التجربة و الملاحظة و التقليد و التمرين..إجمالا فإن التعلمات التي التي يقوم بها الطفل تحفز إعادة تنظيم الشبكات الأولية (resyclage neuronale).

نتحدث إذن عن البرمجة القبلية لدماغ الطفل و مرونته و قابلته للتغيير تحت التأثير الضمني و التلقائي لمحيطه من جهة و بفعل التعلمات التي تُحدث إعادة التنظيم العصبي من جهة أخرى.
وساهم تراكم عمليات التشخيص في فهم الآليات النفس عصبية المُصابة بالخلل و فسح المجال أمام مفاهيم جديدة في التربية و التأهيل (éducation /rééducation) فأصبحت “النوروتربية” و” النوروتأهلية” مؤشرا على التطور العلمي في مختلف الحقول ذات الصلة.
يقودنا إذن هذا التطور إلى التساؤل عن المنهجيات الأكثر ملاءمة على مستوى الأمد المتوسط و البعيد للاشتغال على الوظائف المُصابة من أجل تحسين و تنزيل هذه المعرفة الوظيفية
المبادى الأساسية للتأهيل:

ترتبط التعلمات عادة بمفهوم التربية “éducation” إلا إذا كانت خصوصية التلميذ في حالة الاضطرابات النمائية تجعل من هذه التعلمات الاعتيادية عملية مستحيلة، فإنها تزيحنا من مجال اختصاص التربية إلى مجال ذوي اختصاص التأهيل (la rééducation) لدعم القدرات من أجل  العودة إلى المجال الأصلي للتربية.
تجري حصة التأهيل في غالب الأحيان بشكل فردي (tête à tête) ، و قلما تكون في شكل جماعات جد صغيرة(بقاعة الموارد للتأهيل و الدعم مثلا) ، عكس المتعارف عليه في الأقسام العادية المعنية بالتعلمات الأساس، لفسح المجال في هذه الحصة(التأهيل) أمام التكييف الملائم لخصوصية الطفل (الانتباه، الصعوبات، العياء….)
و لا يقوم التأهيل على الاستراتيجيات الجاري بها العمل في القسم العادي بل ينبغي صياغة برامج و تمارين خاصة بطبيعة الاضطراب و شدته و انعكاساته على نمو الطفل بشكل عام.
هكذا تسمح اللذونة العصبية بخلق مسارات جديدة للتعويض، أكثر نجاعة من تلك المتضررة، و تسمح للتأهيل بالحصول على نتائج أفضل من تلك التي يمكن الحصول عليها الأسلوب الاعتيادي في القسم ” العادي”.

فالتأهيل  يهتم بالتعلمات في إطارها الباطولوجي، و لا علاقة له بطرق التدريس الاعتيادية و لا بدعم التعلمات الاعتيادية المقترحة للتلاميذ المتعثرين.
في هذا السياق حددت العلوم العصبية المعرفية الشروط التي تحكم التعلمات المستهدفة في حصة التأهيل:
1 : الانتباه:
ووهو الشرط الأول للتعلم لأنه يسمح باختيار و التقاط المعلومة المناسبة و تيسير معالجتها بسرعة و دقة، لأجل ذلك لا يجب المبالغة في في حشو عملية التعلم المطلوب بمثيرات كثيرة تشتت الانتباه، و لا يجب الإكثار من الصور و المثيرات و اللُعب في فضاء التأهيل.
2: التحفيز :
يرتبط بخلق انتظاري تلبية الرغبات المرتبطة بمبدأ  المكافأة و التعزيز، و يعتبر التحفيز رهانا حقيقا في التأهيل لأن الطفل يواجه صعوبات كانت تنتهي به في وضعية الفشل، و بالتالي فإن الحفاظ على الحافزية يستوجب إدراج التعلمات المكتسبة (les acquis) مع الأهداف المراد تحقيقها في حصة التأهيل، مع الاعتماد على اللعب و تنويع الأنشطة.

و لكي يستثمر المتعلم في حصة التأهيل يجب أن يفهم الهدف منها و أهميتها، و أن يكون قادرا على تحقيق أهدافها جزئيا أو كليا ليكتسب الثقة في النفس، و أن يدرك أسباب فشله أو نجاحه و يدرك أنه قادر على النجاح قبل الحصة.
التغذية الراجعة feedback :
تكمن أهمية التغذية الراجعة في ضبط العلاقة بين النتيجة و الانتظارات لأن الدماغ يحتاج إليها بشكل صحيح (تشجيع وتهنئة عند الإنجاز الجيد أو توضيح لسبب الفشل)، أي يجب إخبار المتعلم بالعناصر الإيجابية أو السلبية في إنتاجه. كما ينبغي التمكن من تنزيل المفاهيم التالية :
التثبيت. La consolidation :
بعد التعلم يجب تثبيت المكتسبات و توظيفها من أجل الاحتفاظ بها (le maintien) على المدى البعيد من خلال التكرار و المراجعة و الاختبار و التعميم (le généralisation).
التعلمات الضمنية و الصريحة:
تهتم التربية عادة بالمكتسبات التي تحدث تلقائيا عند الأطفال “العاديين” بدون مجهود واعي كالكلام و اكتساب المعجم و تقليد الحركات… بفعل الاحتكاك مع المحيط في سياقات متعددة (مدرسية، منزلية…) و تشكل هذه المكتسبات الضمنية أساس التعلمات الأولى (حركية، لغوية، اجتماعية…).
لكن بالنسبة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلم فإن هذه المهارات المكتسبة بشكل ضمني تلقائي عند الأطفال العاديين تحتاج إلى أن تُحول إلى موضوع تعلمات صريحة و هي مكلفة على المستوى الانتباهي و المعرفي.
رهان التلقائية “automatisation” : المهام المزدوجة:
إن ضعف أو غياب التلقائية في إنجاز المهام عند الطفل الذي يعاني من اضطرابات التعلم يضعه في موقف ” المهمة المزدوجة” التي يمكن أن تفضي به إلى الفشل في إنجاز مهمة يتمتع بالكفاية اللازمة لإنجازها، كمثل التلميذ الذي يفهم جيدا لكن بسبب عسر القراءة لا يمكنه فهم نص يعجز عن فك رموزه، و لتنمية كفاية الفهم عنده يجب تحرير التلميذ من المهمة المزدوجة بإعفائه من قراءة النص أو تحويله إلى نص مسموع. فالتلقائية تمكن التلميذ من تدبير اقتصاد رصيده الانتباهي.
و يجب أن ينعكس ما يقوم به التلميذ في حصة التأهيل على إنجازات الطفل في قاعة الدرس و المنزل و لهذا يجيب القيام بتقييم مستمر للأثر الوظيفي لحصص التأهيل.
الكشف عن وضعيات المهام المزدوجة :
يفترض الكشف عن وضعيات المهام المزدوجة معرفة جيدة بالمكونات الحس حركية و المعرفية المطلوبة في كل مهمة (مدرسية أو في الحياة اليومية).
وهناك بعض المهام المزدوجة التي يصعب على المختص الكشف عنها، لكن مواجهتها بالمتطلبات المدرسية أو المنزلية اليومية تسهل الكشف عنها (الكتابة/إملاء، القراءة/فهم….).

تقييم أثر المهام المزدوجة:
تتجلى خطورة المهام المزدوجة بالنسبة للتلاميذ الذين يعانون من اضطرابات التعلم في كونها مُعرقلة للتعلمات التي يمكن للمتعلم اكتسبها لو تم تحريرهم من المهمة المرتبطة بالكفاية المُعطلة بسبب الاضطراب (التأهيل) ، و في حالة بقاء المهمةالمزدوجة فإنها تعمق الفارق بين المتعلم الذي يعاني من الاضطراب و بين أقرانه، إلى حد يستحيل معه تدارك هذا الفارق.

تدبير المهام المزدوجة :
يجب الاشتغال بسرعة على المهام المزدوجة من خلال تدخلين متكاملين :
1.: يرتبط التدخل الأول بإعلام المدرس بدقة الوضعية التي تورط التلميذ في المهمة المزدوجة، و الطريقة الأمثل للتحييدها أو التخفيف من معاناتها أو معالجتها من خلال ترتيبات مدرسية دائمة، و ليست مقتصرة على سنة دراسية احدة فقط.
2 : عندما تسبب الترتيبات المدرسية المتعلقة بالمهام المزدوجة مشاكل بالمدرسة نظرا لطبيعتها أو نسبة ترددها، فالأنسب هو إيجاد آلية تعويضية تحرر الطفل من المهمة المزدوجة (أو جزء منها) إذا كانت تعوق تعلمات مستوى أعلى، و يجب التوصية بإيجاد بدائل تتضمن :

*  تقديم تبرير يسهل تقبل الأدوات التعويضية من طرف الآباء و المدرسين و الطفل و أقرانه كالتوضيح بأن وظيفة هذه البدائل تستعمل لإزاحة الحاجز الذي يعيق تعلمات أخرى.
*  تقديم تدريس بمناهج ناجعة تسهل الاكتساب بالمدرسة أو المنزل،شريطة ألا تعيد إنتاج مهمات مزدوجة أخرى.
*  صياغة تقرير يوضح للتلميذ السياق الذي يساعد التلميذ على الاعتماد على نفسه أو يطلب المساعدة.

التخفيف من أثر القصور و تعزيز نقاط القوة:
لتحقيق تقدم في المجال الباطولوجي يجب استهداف التعلمات التي أثبتت الأساليب الاعتيادية ( Education) عدم فعاليتها أو عدم ملاءمتها بسبب الاضطراب، الذي يحتم على أخصائيي (التأهيل) الاشتغال من خلال وظيفة معرفية منقحة مستخرجة  من السياق الاعتيادي، كما يجب في نفس الآن دعم نقاط القوةعنذ التلميذ نظرا لما يلي:
*  لا يجب أن تركز حصص التأهيل فقط على القصور لأن من شأن ذالك إضعاف حافزية التلميذ.
* يجب دعم قدرات الطفل السليمة لنتمكن من خلالها من تقليص أثر القصور و تحقيق النجاح و إكساب التلميذ الشعور بتقدير ذاته و احترامها رغم معاناته من الاضطراب