COP22 و حاجة تازة إلى الدكتور إدريس بنصاري


يوسف العزوزي/ في غمرة حركية  المجتمع المدني بتازة  و هو يشارك في فعليات ما قبل مؤتمر الأطراف cop22  و في إطار الاستعداد لإحدى  الندوات  التي كان يحضر لتنظيمها،  أمدني الباحث  امحمد العلوي الباهي  بوثيقة  من أرشيفه تتعلق بموضوع للعالم الفلكي المغربي الدكتور ادريس بنصاري  تحت عنوان” الإشكالية العامة للبيئة و التنمية تازة كنموذج” معدة  بتاريخ 23 يناير 1993 بتازة، فأدهشني أسلوبه العلمي في التحليل و الدراسة و القراءة و الاستنتاج فلاغرابة  في ذلك لأن البروفيسور إدريس بن صاري و هو دكتور في العلوم الفيزيائية (من  مواليد 1942 بتازة) ،و الرئيس  المؤسس للجمعية المغربية لعلم الفلك  و رئيس الجمعية الوطنية للسيسموتكتونية  و عضو في اللجنة الاستشارية الدولية في اليونسكو حول الأخطار الزلزالية ، عمل مستشارا  لمؤتمرالأمم المتحدة 1978/1979 حول العلوم و التكنولوجيا للتنمية
و مستشارا للمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ( ألسكو )، ومستشارا  لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية ، وعضوا  في عدة لجن من المجلس الدولي للاتحادات العلمية .

فمن غيره تحدث قبل ربع قرن خلت  عن دراسة بعض التطبيقات لمعرفة  تمركز بعض المعادن و الأحجار النفيسة و المواد النافعة و الرخام و الأونكس  بإقليم تازة .  فبعد توجه المغرب في تعزيز الجهوية الموسعة و اعتماد اللامركزية و اللاتمركز  لخلق التنافس بين الجهات و التحفيز على الإدارة المحلية و الإقليمية لمشروع الجهوية،  يبدو أن حاجة  تازة  للدكتور ادريس بنصاري أكثر إلحاح من أي وقت مضى  لينير طريق التنمية بالإقليم بنور علمه بدل التخبط و الارتجال الذي يعاني منه تدبير الشأن الإقليمي منذ عشرات السنين. 

و تنبني التنمية المستديمة  على النظرة الشمولية لجميع مظاهر الحياة الإنسانية التي تتطلب حسب الدكتور إدريس بنصاري إصلاحا جدريا كي تستجيب التنمية المستديمة زيادة على بعدها الزمني للسياسات الوطنية و الدولية  لهاجس حماية البيئة دون القضاء على الموارد الطبيعية أو الإفراط في استغلال مخزون كوكبنا، و من ثمة تفترض إيجاد نموذج للتنمية الاقتصادية من نوع جديد تمنح آفاقا مستقبلية للبشرية جمعاء و للأجيال القادمة على الخصوص.

و أشار بنصاري في وثيقته إلى دور التقدم العلمي الهائل الذي عرفته علوم البيئة  بواسطة عمليات المراقبة و التقييم البيئي بالأقمار الاصطناعية و غيرها أو بالتحليل الميداني، و بفضل التقدم أصبحت الإنسانية تتوفر على صورة أكثر دقة لحالة البيئة و قياس أحوالها و ظروفها و تمكن العلماء من التكهن  بالاتجاهات المتوقعة بدرحة أكثر عما كانت عليه .

و أوضح الدكتور بنصاري بأن لأربعة عناصر أساسية تأثير كبير على البيئة و هي :

أولا :الأوزون الذي يشكل تلاشي طبقته خطرا كبيرا يهدد آلاف الأفراض بإمكانية الإصابة بسرطان الجلد و إعتام عدسة العين و ضعف نظام جهاز المناعة   و نقص الطاقة الإنتاجية لمحاصيل النباتات.

ثانيا: ثاني أوكسيد الكاربون حيث أن إطلاق مليارت الأطنان منه يؤدي إلى حدوث تغيرات في الطقس بأنحاء العالم و إلى ارتفاع درجة الحرارة الشيءالذي يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار و إحداث فياضانات في المناطق المنخفضة.

ثالثا: الانقراض التدريجي للتنوع البيولوجي: باستأصال الأشجار و حرق الغابات و بالأمطار الحامضية و التلوث البحري و الكيماويات الزراعية و التوسع الحضري.

رابعا: تلوث المياه و انجراف التربة إذ كشفت التقارير عن اتساخ السواحل ب ملايين الأطنان من القمامة و اتساخ البحيرات و المياه العذبة  فضلا عن استنزاف الموارد الطبيعية غير المتجددة.

و إلى جانب اهتمامه بحالة البيئة يركز الدكتور بنصاري على مضمون التنمية المستديمة و الإصلاحات الجذرية للإصلاحات  الضرورية للسياسات الوطنية و الدولية .

فعلى الصعيد الوطني ينبغي التوفيق بين تسيير أحسن للأسواق التنافسية و القوانين التنظيمية و الحماية الاجتماعية للشرائح المحرومة إذ تفرض الاستدامة توازنا بين العناصر التالية: المبادرة الحرة و عمل السلطات العمومية  و الرغبة الشخصية و تعطشها للتضامن الاجتماعي  و الإمكانات المستقبلية بالإضافة إلى إعادة هيكلة و ترتيب الأولويات مع استثمار جزء كبير من الموارد المخصصة للكماليات  لاستثمارها لصالح التنمية البشرية خصوصا في ميدان التربية و الصحة

أما على المستوى العالمي فالأمر يستدعي  إقامة أخلاق جديدة في مجال العلاقات و التعاون و إرادة قوية لضمان أمن اجتماعي و فردي و الاستثمار في مشاريع العيش المشترك.

تازة نموذجا:

ينتمي إقليم تازة إلى المنطقة الوسطى الشمالية و يعتبر ممرا رئيسيا بين الشرق و الغرب و يتوفر على مجموعة من المعطيات تؤهله لتحقيق نمو اقتصادي و اجتماعي هام.

تحيط بمدينة تازة ثلاثة وديان( واد الأربعاء شمالا وواد الهدار غربا و واد الدفالي شرقا، و يوجد في الإقليم وديان أخرى ،فيما ينحدر جزء من سلسلة جبال الريف شمال المدينة و ينحدر نحو الجنوب مطلا على هضبة وادي ملوية من خلال تلال منجرفة و متوسطة الارتفاع. فيما ينتصب جزء من سلسلة جبال الأطلس المتوسط غرب و جنوب الإقليم و تتميز هذه السلسلة بارتفاعها المفاجئ في الجهة الجنوبية لهضبة  إيناون و تساهم كلتا السلسلتين في ملء مجرى نهر سبو من خلال إيناون و  روافده انطلاقا من الشمال و الجنوب معا.

ما بالنسبة للتساقطات يرتب مناخ المغرب كما هو معلوم كمناخ البحر الأبيض المتوسط الذي يتميز بوجود فصلين متباينين، فصل جاف و فصل ممطر، و بالنسبة لتازة تقل التساقطات  من الغرب إلى الشرق.

و تشمل الأراضي الصالحة للزراعة مساحات مهمة بالإضافة إلى الأشجار المثمرة و رؤوس الماشية، كما تغطي الغابات مئات آلاف الهكتارات و تشمل الحلفاء و البلوط الأخضر و الأرز و العرعار و الصنوبر البحري.

و تتوفر السياحة على مؤهلات جد مهمة لأن الإقليم غني بمواقعه الطبيعية و مناظره الخلابة و مآثره التاريخية ، غير أن التجهيزات التحتية غير كافية أو غير ملائمة أو غير متوفر في بعض الأحيان، فالسياحة الجبلية يمكن أن تمثل محورا أساسيا  للنهوض  بالسياحة في الإقليم.

تقييم الخطر الزلزالي بتازة:(الخريطة السيسموتكتونية لتازة و نواحيها)

“بعد تحليل صور الأقمار الاصطناعية زيادة على التحليل المورفوبنيوي و المورفو متري، وضع الدكتور ادريس بنصاري خريطة سيسموتكتونية بمقياس 1على 100.000 لتازة و نواحيها  و استنتج  زيادة على ما هو معروف  في الخرائط الجيولوجية و التكتونية عدد لا يستهان به  من مختلف الصدوع العادية و الانخلاعية و تراكيب و انثناءات و مناطق تكتونية متعددة الواجهات .

و تبين الخرائط أن مدينة تازة حسب بنصاري معرضة للأخطار الزلزالية التي يجب  أخدها بعين الاعتبار أثناء إقامة التصميم المديري للمدينة وأثناء وضع المنشآت العمرانية و البناءات، و تبين كذلك بعض المناطق الآهلة بالسكان و المعرضة كذلك للخطر الزلزالي أربعة منها توجد على نفس خط العرض من عين بوقلال و سبت بني فراسن  مرورا بإثنين  الطايفة و و بني لنت و الخامسة جنوب تازة بأولاد بوعزة و السادسة غرب وادي أمليل بقصبة بني مطير  .

 تمثل مشاكل انجراف التربة و خاصة في جبال سلسلة الريف شمال تازة إحدى أكبر التحديات البيئية التي تواجهها المنطقة و نظرا لما تغطيه الجبال من مساحة في الإقليم،  فتهيئة الجبال و الوقاية من التلوث يمثلان بدورهما التحديات المستعجلة ، فبات من الضروري و المؤكد تفهم حاجات سكان البادية و العمل على إشراكهم في عملية غرس الأشجار ليتم بذلك تطوير فعالية استعمال الأراضي و تقنيات تحسين التربة المتدهورة باستعمال الأنواع الغابوية المتعددة الاستعمال و تثبيت الإنتاج الفلاحي ، مما يساهم في الحد من الهجرة القروية و التوسع الحضري على حساب الأراضي الفلاحية و مما يساهم كذلك في تقوية و تزكية الديموقراطية بين الأجيال.

 و خلص بنصاري إلى أن الفلاحة هي التي تمثل الرهان الأكبر لتنمية الإقليم عبر الرفع من الإنتاج و التصنيع للمواد الفلاحية و الغذائية دون إغفال عمليات التشجير و إنشاء المحميات الطبيعية ، و هذا يستوجب تعبئة الموارد المائية السطحية و الجوفية و تدبيرها التدبير المحكم، فالتحدي في هذا الباب هو الحصول على التوازن لسد الحاجات الحالية و المستقبلية في الميدان البشري و الفلاحي و المحافظة و حماية هذه الموارد بصفة مستديمة .