
Nathalie Nader Grosbois 2020
ترجمة يوسف العزوزي (بتصرف)
مقدمة
سنتعرض في هذا المقال الى التطور الذي شهده مجال التدخل المبكر ودور الأولياء مع تحديد أهدافه حسب حاجيات الأطفال الصغار في وضعية إعاقه منذ ولادتهم إلى بلوغهم سن التمدرس بالإضافة إلى حاجيات وانتظارات الأولياء وطرائق التدخل المبكر ونماذج الشراكات مع الآباء والمهنيين. وفي الأخير سنتطرق إلى جوده التدخل المبكر.
1: بعض المعالم التاريخيه للتدخل المبكر وتطور الدور الوالدي؛
أ) في الولايات المتحده الامريكية؛
في بدايه القرن العشرين تُرك الأولياء وحدهم أمام مصير قصور ابنهم معتقدين أنهم يتحملون مسؤولية ما أصابه. لكنهم اجتمعوا سنة 1930 في تنظيمات ثم أسسوا بعد منظمة وطنية سنة 1940 للمطالبة بالدعم كما شرعوا سنة 1950 في تأسيس الجمعيات الوالدية والمنظمات المهنيه لتقديم الخدمات والمطالبة بالحق في التربية حيث صدر سنة 1960 تشريع ينظم التربية الخاصة ومن ثمه شرع الأولياء في الترافع لفائدتة حقوق أبنائهم كما أفرز البحث العلمي سنة 1965 برنامجا توضيحيا حول أثر الإيقاظ المبكر. و تضاعفت مثل هذه البرامج سنة 1970 ومن بينها مشروعي Partage et Heber المستلهمين من النموذج السلوكي.
وأصبح الأولياء يساهمون تدريجيا في القرارات التربوية، وفي سنة 1980 بدأ إعداد برنامج ونماذج التدخل المبكر Dunst1996 . ومنذ 1990 إلى الآن أصبح التدخل المبكر في الولايات المتحدة الامريكية يقوم على مروحة من النماذج الموجهه لفائدة الأطفال وأسرهم .
ب) في كندا :
ظهرت برامج التدخل المبكر في كندا في الأوساط الهشة من الناحية السوسيو اقتصادية سنة 1960 من خلال أنشطة تدعم نماءهم . وتميزت سنة 1970 بتأكيد تكفل الدوله بالرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية لفائدة الاطفال ذوي القصور الذهني بالاضافة إلى خدمات الايقاظ المبكر المقدمة في مراكز إعادة تأهيل القصور. وتتضمن هذه البرامج حصصا من التعلمات المحددة ( فرديه او في مجموعات صغيره) تسمح للطفل بتعزيز نموه في مختلف المجالات ( الحركية والمعرفية واللغوية والاجتماعية والاستقلال الذاتي.) . و برزت حاجة الأسر إلى جعل التعلمات تمتد إلى المنزل بدعم المهنيين وتكوينهم .
ابتداء من سنة 1990 اعتمد مراكز إعاده تأهيل القصور الذهني مقاربة البيئة ( la communauté ) بالاعتماد على النسق الأسري النووي والأبوي و الشبكة العلاقاتية للرفع من إمكانيات الاطفال وتيسير إدماجهم الاجتماعي بدل الاقتصار على التدخل المبكر.
ومنذ سنة 2000 تراجع عدد ساعات الخدمات الموجهه للطفل وتم تعويضها بتكوين الأولياء حول برامج “التدخل المبكر”. و صبح في الوقت الراهن بإمكان الأسر الولوج إلى خدمات الرصد والتقييم والتدخل وتدبير خدمات الإحالات على الموارد المناسبة، كما أصبحت وكالات التدخل المبكر تقدم سلة متنوعه من الخدمات.
ج) في سويسرا ؛
انطلقت خدمات الدعم المبكر حوالي 1960 من أجل تحفيز الأطفال في وضعية إعاقة، وتم تخصيص مساعدة مالية للأولياء. وعرفت هذه الخدمات تطورا سنة 1968 لتفتح المجال أمام مأسسة بنيات التدخل سنه 1970 ، وعرفت سنة 1980 إدراج التكوين المهني للتربية المبكرة المتخصصة لتقديم الأسس النظرية المناسبة. حاليا يحتل التدخل المبكر مكانة مهمة داخل الأسرة، إما من خلال الانتقال الأخصائي إلى المنزل او انتقال الأولياء الى مصالح التدخل المبكر .
د) في فرنسا ؛
شهدت سنه 1970 بداية عمل مركز التدخل الطبي الاجتماعي بشكل غير رسمي ، إلى أن أُعطيت انطلاقته الرسميه بتاريخ 30 يونيو1975 للقيام بالرصد في العيادات الخارجية ، وتأهيل الأطفال ذوي القصور الحسي أو الحركي أو الذهني من أجل التكييف الاجتماعي والتربوي في الوسط الطبيعي. بعد ذلك أصبحت مراكز التدخل الطبي الاجتماعي تحيل على بنيات الرصد والتشخيص والمعالجة والتأهيل ومواكبة الأطفال في وضعية الإعاقة وأضحى عددها سنة 2006 حوالي 277 مركزا تقدم خدمات التكفل المتنقل يسهر عليها فريق متعدد التخصصات في المجال الطبي وشبه الطبي والتربوي المتخصص.
2: تعريف وأهداف التدخل المبكر:
يشير التعريف الإجرائي للتدخل المبكر بأوروبا إلى مجموع الخدمات الموجهة إلى الأطفال الصغار من 0 الى 6 سنوات وأسرهم في الأوقات التي يحتاج فيها الطفل إلى مساعدة من أجل :
+ ضمان تطوير نماء الشخصي .
+ تعزيز الكفايات الخاصة بالأسرة .
+ دعم الدمج الاجتماعي للأسرة والطفل.
وتتمحور أهداف التدخل المبكر في كندا حول المحاور الآتية:
& :النمو الشخصي السليم للطفل أقل من 8 سنوات الذي يُحتمل لديه إصابته بتأخر نمائي.
& :جوده التفاعلات بين الطفل ووالديه .
& : تحقيق الارتياح الأسري من خلال الزيارات المنزلية.
وهذا يعني ان التدخلات الناجعة يجب أن تكون في الوقت المناسب حسب الحاجة، في هذه السياق يستهدف التدخل المبكر ذوي القصور استعدادا لأي تعذر في الأداء محاولة للتخفيف من الوضعيات المعيقة التي يسببها القصور و تعذر الأداء . و ينطلق التدخل المبكر من تقييم الموارد وإمكانية الطفل وانتظارات الأسرة.
أ) حاجيه الاطفال وأهداف التدخل ؛
تختلف حاجيات الاطفال حسب نوع القصور إيقاع النمو المبكر في مختلف المجالات، وبالتالي يجب تكييف كل تدخل المبكر مع هذه الحاجيات التي تستهدف عموما :
& : رصد العلامات المبكرة للاضطرابات النمائية والقصور.
& : دعم نمو الطفل وعافيته مع توفير المحفزات المناسبه على المستوى العضوي (مرض) والنورو-عصبي (مستوى نضج الجهاز العصبي) والحسي (اضطراب سمعي أو بصري) والحركي ونفس- حركي والمعرفي والعاطفي.
& : هيكلة وإغناء الوسط لدعم النمو.
& : توقع أي تعذر في الأداء (الثانوي) وتجنب تراكم عوامل الخطورة بالتقليل من الوضعيات المعيقة ( وقايه ثانوية).
& : إخراج الأطفال في وضعيه إعاقه من وضعية التهميش في وسط العيش والمحيط الاجتماعي ( النسق الايكولوجي) في النسخ الايكولوجي لدمجه ضمن شبكه علاقاتية والحد من شروط عزل الطفل وأسرته.
ويجب ان يشمل التدخل كل مجالات النمو والأداء الوظيفي الحس الحركي و التواصلي و العاطفي والانفعالي و المعرفي والمعرفه الاجتماعية و مفهوم الذات والتنظيم الذاتي.
ب) حاجيات الأسرة وأهداف التدخل لفائدتها :
تختلف حاجيات الوالدين باختلاف اللحظة والحالة السيكولوجية التي يمران بها، بدء من لحظة تلقي خبر وضعية إعاقة طفلهما وما يستتبعه من مهمة والدية تربوية. أي من شأن التدخل المبكر أن يواكب ويجاري وينسجم مع سيرورة هذه اللحظات وما تعكسه من حاجيات وانتظارات وأهداف ومنها :
- الحاجه الى الاستماع و الدعم النفسي المبكر بعد تلقي الخبر.
- الدعم من أجل بناء روابط بين الطفل ذي القصور ووالديه وأفراد أسرته وعائلته .
- دعم الوالدية الجيدة بما فيها الاشتغال على الأحاسيس والكفايات الوالدية.
- – تطوير المعارف المتعلقه بنمو الطفل وخصائص القصور.
- – المساعدة التربوية من أجل نوع التقييم الذي يستهدف اتخاذ القرارات لا سيما في مراحل الانتقال من التعليم الاولي إلى الابتدائي.
- – التشجيع على تبادل خبرات التجارب مع أسر أخرى .
3: النموذج العام للتدخل المبكر؛
منذ سنه 1905 بدأت أوروبا بتطويرا نموذج التدخل المبكر لفائدة الطفولة الصغرى IPPE الذي انخرطت فيه قطاعات الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي، ويركز هذا النموذج على سيرورات النمو وأثر التفاعل الاجتماعي على نمو الطفل، ويعكس مرحلة انتقالية من نمط تدخلي يركز الطفل إلى مقاربة تعنى بالطفل والأسرة، والمحيط وتعبر عن تطور المفاهيم المتعلقة بالإعاقة من النموذج الطبي إلى البعد الاجتماعي.
4 : طرائق العمل في مصالح التدخل المبكر ؛
+ من؟
ينطلق مسار التدخل المبكر بطلب من الوالدين بعد إخبارهما بحالة إبنهما، إما لمكتب طبيب الأسرة أو لجمعية مختصة أو لمنظمة. و بناء على هذا الطلب تنخرط مصالح التدخل المبكر .
+ أين؟
يتم التدخل المبكر في كل الأمكنة التي يمكن أن يتواجد بها الطفل، الروض، المدرسة..
+ كيف ؟
تختلف طرائق التدخل المبكر باختلاف الأسس النظرية التي ينهل منها مهنيي الفريق المتدخل، وذلك حسب حاجيات الطفل والوالدين والأسرة وحسب الوسط الثقافي. وفيما يلي بعض المبادئ وصيغ المساعدات التي يجب احترامها:
& : مقاربه طويلة تقوم على البيانات المنتظمة للنمو والمهارات الوظيفية في مختلف المجالات بشكل يسمح بمقارنة النتائج.
& : مقاربة مُساعدة على الانتقال من التعليم الاولي إلى التعليم الابتدائي .
& : مقاربة متعددة الخصائص وعبر-تخصصاتية يقوم بها فريق مكون من أخصائي نفسي ومعالج بالترويض البدني وطبيب ومساعد اجتماعي.
& : مقاربة تشاركيه بين المهنيين والأسر.
دور الاخصائي النفسي والمقوم البيداغوجي في التدخل المبكر؛
يتجلى دورهما أساسا من خلال عده أنشطة:
– جمع المعلومات حول الطفل Anamnèse .
– المساهمه في التقييم وسيرورة التشخيص.
– إجراء تقييمات نمائية ؛معرفية ،عاطفية، اجتماعية.
– المساهمه في التقييم الوظيفي.
– وضع أهداف التدخل المبكر الذي يستهدف إثارة التعلمات المبكرة لتحقيق نمو يقود إلى اندماج اجتماعي متدرج .
– التنسيق مع الفريق البين-تخصصي و الأفراد المحيطين بالشخص في الحياة.
العلاقه والشراكة بين الأولياء والمهنيين.
مهما كانت نوع الشراكة الوالدية المهنية التي يتم ارساؤها لابد من الالتزام ببعض المبادئ الأخلاقية والمهنية أثناء فترة التدخل المبكر:
- احترام الحق الشرعي للوالدين في مسؤولية تربية أبنائهم احترام القيم الثقافيه والتربوية للأسرة وأولوية اختيارهم للمشاريع المتعلقة بابنهم.
- – تيسير التواصل والتعاون بين الوالدين والمهنيين لاتخاذ قرارات مركزة و بناء مشروع التدخل المبكر انطلاقا من الكفايات الوالدية والموارد المتوفرة ويشير kalubi et Bouchard 2006 إلى ثلاثه نماذج تربوية لتاطير سلوك الوالدين ومهنيي قطاعات الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي:
أ) النموذج العقلاني : الذي يقوم على خبرة الأبوين والمهنيين، بحيث تمكن خبرة المهنيين من سلطة اتخاذ القرار دون أن تسمح هذه السلطة له بتجاوز الأدوار المنوطة به، حيث يبقى للأب مكانة لا يمكن تجاوزها.
ب) النموذج الانساني : حيث يحتل الأب والمهني مكانة المرشد الذي يبدي النصح ويترك للآخر حرية اتخاد القار kalubi et Bouchard 2006 ، في هذا النموذج يضع المعني خبرته رهن إشارة الأسرة التي تعتمد عليها لصياغة قراراتهابناء على مستجدات الواقع المعاش.
ج) نموذج الدعم التآزري: يقوم على منظور التدبير المشترك و يجعل من الوالدين والمهنيين شركاء في تدبير الموارد في إطار اعتراف كل منهما بخبرة الآخر.
5 : عوامل ومعايير جوده التدخل المبكر؛
تتأسس أهداف التدخل المبكر على نتائج البحث العلمي المُحين، و يجب مواكبتها من خلال اعتماد برامج تم إثبات نجاعتها وقابلياتها للتكييف حسب خصوصية كل حالة. كما يجب توجيه التدخل المبكر بتقييم أولي للطفل يشمل الموارد والصعوبات الأسرية وفق مقاربة إيكو- نسقية، و تحديد معايير جودة التدخل المبكر حسب نوع الاضطراب النمائي أو وضعية الإعاقة. مثلا في حاله الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يجب تدخل يجب اعتماد تدخل ملائم لهذا الاضطراب يراعي التبكير والشدة وانخراط الوالدين وتعاون فريق الشركاء والأخذ بعين الاعتبار لكل سياقات الطفل وفردنة برامج التدخل والأنشطة.
المرجع:
Nathalie Nader Grosbois 2020// PSYCHOLOGIE DU HANDICAP // p 46-61//deboeck