
Mathieu Cassotti
Emilie Salvia
Ania Aite
ترجمة : يوسف العزوزي (بتصرف).
مقدمة :
اهتم الباحثون في علم نفس النمو بالوظائف المعرفية نظرا لدورها الجوهري في عدة مجالات معرفية كالقراءة و الحساب و المنطق و الإبداع Cassotti et al 2015 . و هذا ما وضع الوظائف المعرفية في صلب النماذج المعرفية و النورو- معرفية لنمو الطفل و المراهق Houdé 2020 .
و تنطوي هذه التسمية على فكرة تحديد مجموعة من الوظائف المسماة “عليا “، لأنها مكلفة بقيادة أفكارنا و أفعالنا، و هي تنفيذية لأنها تمكن الفرد من تنفيذ أهدافه و ضبط سلوكه .
لا يحتاج الأمر إلى استعراض كل ما جادت به مختلف النماذج النظرية للوقوف على أهمية الوظائف التنفيذية في نمو الطفل و المراهق و مهام الحياة اليومية . و يحصُر البعض مكوناتها في المرونة المعرفية و الكبح و ذاكرة العمل، فيما يضيف البعض الآخر التخطيط و الانتباه.
تقوم ذاكرة العمل بالتخزين المؤقت للمعلومات من أجل استعمالها و معالجتها لتنفيذ مهمة . و تتجلى أهمية الكبح في القدرة على كف تأثير المثيرات الخارجية و الاستجابات الأوتوماتيكية لتحقيق هدف ما. أما المرونة المعرفية فهي القدرة على التفاعل الدينامي من خلال الاعتماد على الاستراتيجيات الملائمة لمعالجة المعطيات المستجدة.
ساهمت الأبحاث المتعلقة بالوظائف التنفيذية في تحسين فهمنا للسيرورات المعرفية المتدخلة في نمو الطفل و المراهق و إعادة النظر في التصور الخطي للنماذج التاريخية لعلم نفس نمو الطفل . و يمكن العودة إلى تحليل Aite et al 2021 حول تحقيقات حديثة أكدت على ضرورة تسليط الضوء على الوظائف التنفيذية في سياقات انفعالية مختلفة ، لأن معظم اختبارات قياس الوظائف التنفيذية لا تأخد الأبعاد الانفعالية لسيرورات المراقبة ، و يتم تمريرها في سياق انفعالي محايد ، في الوقت الذي تعج فيه حياتنا اليومية بألوان مختلفة من الانفعالات.
في هذا السياق تم إجراء عدة أبحاث حول الوظائف التنفيذية في سياقات مفعمة بالعاطفة ( الانفعال) و أسموها وظائف تنفيذية ساخنة ، مقابل الوظائف التنفيذية الباردة التي تشتغل في سياق محايد من الناحية الانفعالية . و انتهت الأبحاث إلى تسجيل نتائج لا تقتصر فقط على الاختلاف بين الوظائف التنفيذية الباردة و الساخنة بل تمتد إلى اختلاف بين النمط النمائي الذي يعكسه كل واحد منهما Aite et al 2018 .
1 : نمو الوظائف التنفيذية الساخنة و الباردة :
في السابق كان اختبار الوظائف التنفيذية يتم من خلال مهام غير سياقية ، أي بدون حمولة عاطفية أو انفعالية أو تحفيزية . و كان Zelazo أول من رأى بضرورة التمييز بين الوظائف التنفيذية الباردة و الساخنة منذ الطفولة إلى الرشد ، لأن اكتمال نمو الوظائف التنفيذية الساخنة يتأخر ، و لا تصبح وظيفية حتى إلى نهاية مرحلة المراهقة. و قد سلط Principe et al 2011 الضوء في دراستهم على التحسن المبكر في الإنجازات لذى الأطفال بين 8 سنوات و 15 سنة على مستوى المهام التقليدية للوظائف التنفيذية الباردة، كالمهام التي تقدمها لعبة Stroop بالمقارنة مع التحسن الملاحظ في مهام الوظائف التنفيذية التي تقدمها لعبة Iowa Gambling task .
فحص الباحثون تطور إنجاز الأطفال و المراهقين أمام اختبار Stroop الذي يدعو المشاركين إلى الكشف عن ألوان الكلمات التي يعبر مضمونها عن ألوان أخرى ؛ مثلا كلمة أخضر ملونة بالأحمر ، و على المشارك أن لا يقرأ الكلمة بل يذكر لونها . و بعد توالي الكلمات التي تعرض أمامه Stroop 1935 يتم مقارنة نتائجه مع قراءة نفس العينة من الأطفال و المراهقين لكلمات يتطابق فيها اللون و الدلالة ( مثلا كلمة أخضر ملونة بالأخضر ، لاستنتاج معدل يسمى “معدل التداخل ” و يكشف هذا الأخير عن نجاعة الكبح ( إذ كلما كان المعدل ضعيفا كان الكبح أكثر نجاعة).
و توصل Principe et al 2011 إلى أن المجموعات التي تمثل الأطفال الأكبر سنا 10 و 11 سنة ، 12 و 13 سنة ، 14 و 15 سنة حصلا على معدل تداخل أقل من مجموعة الصغار 8 و 9 سنوات . على عكس النتائج المحصل عليها بالنسبة لنفس أطفال العينة في إنجاز مهام تقيس الوظافة التنفيذية الساخنة من خلال لعبة Iowa Gambling task . التي يتعين على المشاركين فيها سحب بطائق من بين أربع حزم ، حيث تسمح بعض البطائق المسحوبة بالحصول على مكافآت مالية ، بينما تسبب بطاقات أخرى في خسارة مالية . و على المشاركين أن يتعلموا تدريجيا تجنب سحب البطائق المفلسة .
و توصلت نتائج Principe et al 2011 إلى أن الأطفال و المراهقين الصغار يسحبون البطاقات المفلسة عكس المراهقين (14 و 15 سنة ) و البالغين الذين يختارون البطاقات المربحة عند نهاية المهمة Overman et Pierce 2013 . حيث دفعت هذه النتائج فريق Zelazo إلى الاعتقاد بأن القدرة على تعلم الاختيار المربح في سياق يعتريه الارتياب لم تكتمل بعد، وهذا يعني أن الوظائف التنفيذية الساخنة تنمو متأخرة عن الوظائف التنفيذية الباردة.
إذن في الوقت الذي تختبر فيه مهمة STROOP قدرة كبح القراءة الآلية لكلمة ، لتسيمة لون الكلمة STROOP1935 ، تعبر مهمة Iowa Gambling task مهمة معقدة لاتخاد القرار لأنها لا تقتصر على اختبار القدرة على مقاومة خيارات جذابة بل تختبر كذلك القدرة على تعلم إجراء الاختبار المربح على المدى الطويل Cassotti et al 2014 .
2 : نمو الوظائف التنفيذية في وسط مفعم بالانفعالات:
انطلق الأبحاث الأولى حول دور المكون العاطفي لنمو الوظائف التنفيذية من رحم الدراسات النورو-نمائية المنجزة في إطار النموذج البديل الذي يفترض عجزا تنفيذيا خاصا بمرحلة المراهقة في الوضعيات المفعمة بالعواطف . و يقوم هذا النموذج الذي اقترحه Casey et al 2008 على المعطيات النورو-بيولوجية التي تفترض وجود اختلال في التوازن الوظيفي في المراهقة ذي علاقة بفرط حركة في المناطق تحت- القشرة الدماغية المسؤولة عن معالجة الانفعالات بالإضافة إلى عدم اكتمال نضج الشبكة الجبهية Casey 2015 .
و حسب هذا النموذج فإن المراهقين يجدون صعوبة في كبح الاستجابات الحركية في سياق مفعم بالعواطف ( الانفعالات) . بالإضافة إلى ذلك أبانت دراسات النمو المتعلقة بالحساسية إزاء المكافأة Van leijenhortz et al 2010 و Luna et al 2010 بأن المراهقين يتميزون بنشاط قوي للمخطط البطيني Striatum ventral مقارنة مع الأطفال و البالغين عند استجابتهم لصور الوجوه المعبرة عن الفرحة .
و من أجل تجريب هذا النموذج ، فقد تم اختبار الكبح البارد و الساخن عند الأطفال و المراهقين و الراشدين من خلال تكييف النسخة التقليدية الباردة ل Stroop المشار إليها أعلاه لتصبح نسخة ساخنة Aite et al 2018 . حيث يجب على المشاركين أن يتعرفوا على التعبير الانفعالي الذي تعبر عنه وجوه مصورة دون الاكتراث إلى الكلمة- المرافقة للصورة – التي ترمز إلى حالة انفعالية .
يتم عرض مجموعتين من البطائق أمام المشاركين : المجموعة الأولى يتطابق فيها انفعال الوجه و الكلمة المرافقة لصورته( مثلا : وجه مبتسم و الكلمة المرافقة هي “فرح” ) . و المجموعة الثانية لا يتطابق فيها انفعال الوجه و الكلمة المرافقة لصورته ( مثلا : وجه مبتسم و الكلمة المرافقة هي “غضب”) .
كشفت معطيات النتائج المحصل عليها عن النمو الخطي للكبح البارد الذي يتحسن تدريجيا من الطفولة إلى المراهقة ثم الرشد . بالمقابل يتميز المراهقون على مستوى الكبح الساخن بقدرات أقل من الأطفال و الراشدين . أي أن نمو الكبح الساخن يتخد مسارا على شكل منحنى U معكوسة (بدلالة متغير معدل التداخل ). و تدعم هذه الخلاصة تصور النموذج النمائي ل Casey الذي يرى بأن المراهقة مرحلة تتسم بعدم التوازن بين شبكة جبهية غير مكتملة النضج و شبكة تحت-قشرة دماغية مفرطة الحركة Casey et al 2008 .
لكن هل يمكننا مع تطور الأبحاث التي ركزت على نمو الكبح البارد و الساخن أن نعمم دور البعد الانفعالي على باقي مكونات الوظائف التنفيذية ؟ هل يمكننا الحديث عن ذاكرة عمل ساخنة؟ و مرونة ذهنية ساخنة؟ . في الواقع يصعب الحسم في هذه الأسئلة لأن حجم الدراسات النمائية التي اهتمت بهذين المكونين قليل بالمقارنة مع الدراسات التي انصبت على الكبح الساخن و البارد ..
و من أجل تقييم نمو ذاكرة العمل الساخنة و الباردة في مرحلة المراهقة قام Gromheeke et Muller 2016 بتكييف المهمة الكلاسيكية لاختبار N.BAK بإضافة مكون انفعالي ، حيث طلب من مراهقين ( 14 سنة) و راشدين أن يحددوا إن كان تعبير وجه – صورة- هو نفسه الذي يميز هذا الوجه عند تقديم صورة صاحبه في محاولة سابقة . حيث يجب على المشاركين ضمن ظروف انفعالية تسليط اهتمامهم على تعبيرات الوجوه بنفس الطريقة المستعملة في دراسة Aite et al 2018 . بالمقابل تم تقديم نفس الصور لكن مع سؤال يستهدف التعرف على الجنس فقط (مثلا هل الكلمة المرافقة للصورة كانت ذكر أو أنثى؟) للحصول على معدل التداخل .
وأبانت النتائج عن تشابه مع الاختبارات المتعلقة بالكبح الساخن، كاشفة عن صعوبة مقاومة التداخل الانفعالي في اختبارات ذاكرة العمل .
و من أجل اختبار تأثير المكون العاطفي على نمو المرونة ، اعتمدت دراسة على تسليط الضوء على إنجازات مراهقين صغار و مراهقين و راشدين بالاعتماد على اختبار Wisconsim Card Sorting Test تم تكييفه مع البعد الانفعالي Schweizer et al 2020 و قد انتهت نتائج هذه الدراسة إلى نتائج معاكسة للنتائج التي انتهت إليها دراسة الكبح و ذاكرة العمل .
3 : أهمية التصوير العصبي في الدراسات النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الباردة و الساخنة:
شهدت المعارف المتعلقة بالأسس العصبية للوظائف التنفيذية ( ذاكرة العمل و الكبح و المرونة الذهنية) تقدما ملموسا في السنوات الأخيرة بفضل التطور السريع للأبحاث حول الدماغ البشري و تكنولوجيا التصوير العصبي كالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي IREMF أو الصوير الدماغي الكهربائي EEG .
أ) : الأسس النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الباردة :
شكلت الأسس النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الباردة موضوع عدة دراسات سلطت الضوء على دور القشرة الجبهية الأمامية في عمل هذه الوظائف Yuan et Raz 2014 و نموها الخطي الذي دعمته عدة دراسات سلوكية Aite et al 2018 ، و فسرته بالنضج المتأخر للقشرة الجبهية الأمامية الذي يمتد إلى نهاية المراهقة Luna et al 2015 . و انكبت عدة دراسات اعتمدت تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي IREMF على البحث في نمو الأسس العصبية للوظائف التنفيذية ( ذاكرة العمل و الكبح و المرونة الذهنية) Houdé et al 2010 .
و قد تبين أن المناطق الجبهية معنية بتنفيذ المهام التي تستدعي ذاكرة العمل ، و أن أهمية هذه المناطق تزداد مع كبر السن Scherf et al 2006 ، بسبب زيادة الترابط الوظيفي بين هذه المناطق أثناء النمو Edin et al 2007 . و يقترن نشاط هذه المناطق الجبهية بارتفاع حجم الإنجازات المتعلقة بالمهام التي تحتاج إلى ذاكرة العمل Corné et al 2006 .
كما أبانت عدة دراسات عن علاقة المراقبة الكبحية بشبكة جبهية – جدارية fronto-parietal واسعة ، و تشتغل هذه المراقبة من خلال عدة مناطق فرعية لها على مستوى القشرة الأمامية الجبهية (CPF ) Criaud et Boulinguez 2013 . علما بأن ما يحدد هذه المناطق هو نوع المهام الكبحية Rubia et al 2006 .
ب) الأسس النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الساخنة :
لم تحظ الأسس النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الساخنة بنفس حجم الدراسات التي اهتمت بالوظائف المعرفية الباردة. و من المعروف بأن الوظائف المعرفية الساخنة ترتبط بالقشرة الأمامية الجبهية البطينية Ventromédiane المعنية بالضبط الانفعالي و التعلمات المرتبطة بالعاطفة . و تشمل المنطقة البطينية للقشرة الأمامية الجبهية القشرة المدارية الجبهية Orbitofrontal المرتبطة بشكل قوي مع الأميكدال و مناطق أخرى من النظام اللمبي Murry et Izquirdo 2007 . و قد تم تأكيد هذه الترابطات من طرف أبحاث علم النفس العصبي التي قام بها Damatio 1995 و Bechara 2004 .
كما أبان Lewis et al 2006 عن وجود ترابط إلكترو-فيزيولوجي للضبط الانفعالي أثناء تنفيذ المهام المتعلقة بالوظائف التنفيذية الساخنة.
خلاصة :
إذا كانت بداية التمييز بين الوظائف التنفيذية الباردة و الساخنة تندرج في إطار استمرارية الأبحاث التي أطلقها الباحث في علم النفس العصبي Antonio Damatio فإن الأبحاث الحالية في علم النفس و العلوم العصبية للنمو سمحت بتحديد أثر المكون الانفعالي على سيرورة المراقبة المعرفية . كما سمحت الأبحاث الحديثة بوصف دقيق للمسارات النمائية المعرفية للوظائف التنفيذية الساخنة و الباردة Salvia et al 2021 . غير أن معظم الدراسات المتعلقة بالأسس النمائية العصبية للوظائف التنفيذية الساخنة ركزت على المرحلة الحرجة للمراهقة Salvia et al 2019 .
المرجع :
Mathieu Cassotti et al 2021 // Fonctions executives et apprentissages chez l’adolescent // // Fonctions executives de l’enfant // P : 54-73 // DeboecK.