البعد المعرفي للاضطرابات النمائية  العصبية


يوسف العزوزي:

يعكس أي اضطراب عصبي نمائي خللا في نمو أو اكتساب وظيفة معرفية.

Vincent des portes 2020

مقدمة:

تبرز مؤشرات الفشل الدراسي بالنسبة للطفل عندما يتعذر عليه تحقيق الإنجازات المنتظرة في الوقت المناسب لعمره،  حينئد يمكننا التمييز بين ثلاث وضعيات

 Alain Pouhet et al 2021  هي :

  • إنجازات الطفل غير مرضية و كأن نموه لم يكتمل بسبب بطء الاكتساب و انعكس ذلك على (تأخر النضج) .و في هذه الحالة يُستحسن العودة إلى التعلمات التي توافق مرحلة قبلية مع تكثيف التمارين و تمديد زمن التعلم (الدعم البيداغوجي ).
  • عدم قابلية الطفل للإنجاز التعلمات بسبب تأثير مشاكل نفسية أو عاطفية أو اجتماعية أو اجتماعية ثقافية أو أسرية  أو اضطرابات نفسية أو اضطرابات الشخصية ، و في هذه الحالة يكون الطفل في حاجة إلى دعم  أو علاج نفسي أو نفسي اجتماعي ( الدعم السيكولوجي و السيكوسوسيولوجي).
  • يعاني الطفل من اضطراب نمائي عصبي أصاب وظيفة من وظائفه المعرفية لأن  الاضطرابات العصبية النمائية تصيب بعض أشكال الأداء المعرفي ، و يستوجب النظر إلى هذا  المعطى المعقد على عدة مستويات ( الدعم الطبي / التأهيلي) و يندرج مقالي ضمن هذا المستوى الثالث من التحليل  .

 الخلل المعرفي عند ذوي الاضطرابات النمائية العصبية:  

تصيب الاضطرابات النمائية العصبية بعض أشكال الأداء المعرفي ، ما يستوجب النظر إلى هذا التعقيد من خلال عدة مستويات Michèle Maseau 2023  :

أولا  تعتبر الوظافة العصبية نتيجة لنشاط  مسارات عصبية متعددة و مفرطة في التخصص،  تخدم وظيفة أو وظيفة فرعية لها بدقة متناهية،  كما تخدم التفاعلات البينية بين الأنظمة و الأنظمة الفرعية  بشكل لا يجعل الإفراط في التخصص و الترابط البيني خاصيتين متعارضتين بل متكاملتين  .

ثانيا : يتعلق الأمر بدماغ في طور النمو ، مطواع ، قابل للتشكل حسب إكراهات المحيط و التجارب و التعلمات و رغم ذلك نادرا ما تقود هذه المطواعية إلى استرداد القدرات المعتلة أو إعادة التشكيل وفق الخطاطات الاعتيادية للنمو النمطي.

ثالثا : يعاني الطفل ذي الاضطراب المحدد للتعلمات ( أو ضحية إصابة عصبية مبكرة ) من شذوذ على مستوى الأدوات المعرفية التي يتوفر عليها  لبناء أو فهم العالم ، و بالتالي فإن نموه يختلف عن نمو الطفل النمطي ، لأنه يبني معرفته وفق خصوصيته( بطريقة أقل أو أكثر نجاعة).

تدفع هذه المعطيات الجوهرية الحديثة إلى التساؤل عن الطرق الأكثر ملاءمة للحد من الإعاقة و الاستراتيجيات المناسبة على المدى المتوسط و البعيد و استجلاء الاختلاف بين مفهومي التربية و التأهيل .

 فبعد أن ظلت الآثار النفسية و السلوكية المقترنة بالخلل العصبي النمائي في دائرة الظل ،  سلط الاهتمام العلمي أضواءه على هذا الموضوع  بفضل تراكم الدراسات في العقود الأخيرة حول دور السياقات الإكلينيكية  لطب الأطفال في التأثير السلبي المباشر أو غير المباشر على النضج الفيزيولوجي للدماغ و التسبب في اضطرابات على مستوى الوظائف المعرفية العليا.   

و يعود الفضل في هذا التقدم إلى الطفرة التي حققتها العلوم العصبية بشكل عام و ازدهار علم النفس العصبي للطفل على وجه الخصوص ، ما فتح المجال أمام الفهم الجيد  للصلات الرابطة بين ظهور الوظائف المعرفية و أسسها العصبية . و في هذا السياق برز دور النضج الفيزيولوجي لدماغ الطفل كعامل خطورة ، لا يمكن إغفال دوره في ظهور الاضطرابات المعرفية و/أو السلوكية في حالة إصابة المسارات العصبية بأي خلل.

إذن بفضل هذه الإنجازات نتوفرعلى مروحة من الأوصاف الدقيقة للاختلالات المعرفية و السلوكية المحتمل ظهورها في مختلف السياقات السريرية  في مجال الطب النفسي للأطفال .

 تجتمع المعارف المتراكمة في هذا المجال عادة على شكل نموذج  بيو نفسي –اجتماعي يستهدف تسليط الضوء على مختلف الحالات الباطولوجية للنماء العصبي من منظور متعدد العوامل  يشمل الاستعداد  الفردي  و محيطه .  حيث تتنوع طبيعة و شدة الاضطرابات المعرفية و تستعصي على الفهم نظرا لتفاعلاتها البيئية Bellaj et Seron 2014   .  و يمكن لهذه الاختلالات المعرفية أن تشمل عدة مستويات و سيرورات معنية بالوظافة المعرفية التي تميز اللغة (الشفوية و المكتوبة ) و الحساب و المهارات المنطقية الرياضية و أنشطة الذاكرة و القدرات الانتباهية و المراقبة التنفيذية و المعرفية الاجتماعية و النجاعة الذهنية . 

و تتعلق بعض الاضطرابات النمائية العصبية بوظائف معرفية ، لا يحتاج عادة  معها الاكتساب مجهودا إراديا من أجل التعلم في أي محيط مناسب. لكن البعض الآخر من الاضطرابات العصبية النمائية عند مواجهته أمام التعلمات المدرسية يحتاج مجهودا تعلميا رسميا صريحا كالقراءة و الكتابة و الحساب (انظر الجدول أسفله):

قائمة بمختلف الاختلالات المعرفية المترتبة عن الاضطرابات العصبية النمائية*  Vincent des portes 2020  :

نوع الاضطرابالوظيفة المعرفية المعتلةعبارات أخرى مستعملة / تعليقات
الاضطرابات النمائية المعرفية : التعلم الضمني
اضطراب النمو الذهني TDIالتفكير المنطقي التجريدقصور ذهني إعاقة ذهنية
اضطراب طيف التوحد TSAالمعرفة الاجتماعية. التواصل . التنشئة الاجتماعية.الأسبيرجير التوحد بدون قصور ذهني
الاضطراب المحدد للغة الشفوية TSLOاللغة الشفويةديسفازيا: العبارة المستعملة لذى الأطفال بدون اضطراب النمو الذهني.
اضطراب نمو التنسيق TDCالحركة PRAXIS  اضطراب اكتساب التنسيق TAC تستعمل عبارة ديسبراكسي بالنسبة للأطفال بدون اضطراب النمو الذهني.
اضطراب قصور الانتباه و فرط الحركة TDAHالانتباهاضطراب نقص الانتباه بدون فرط حركي TDA
متلازمة عسر التنفيذالوظائف المعرفية: ذاكرة العمل/الكبح/ المرونة  الذهنية / التخطيط.لذى بعض الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه و فرط الحركة قصورا أوسع يشمل الوظائف التنفيذية ( هذا الا ضراب غير موجود في DSM5  )
اضطرابات التعلمات المدرسية : التعلم الصريح
عسر الحسابالحساب.   التمكن من معنى الأعداد. المنطق الرياضي.يمكن لاضطراب الحساب أن يكون ملحقا لخلل في السيرورة غير المحددة (للمنطق، الانتباه،المعالجة المكانية البصرية) أو للسيرورة المحددة للحساب.
عسر الذاكرة Dysmnésie  الحساب. الذاكرة التصريحية الأبزودية  أو الدلالية.يتعلق الذاكرة التصريحية “الديداكتيكية” و لا يتعلق بالذاكرة الإجرائية و لا الذاكرة الانفعالية . هذا الوصف غير موجود في DSM5
 اضطراب اللغة المكتوبة .القراءة. قراة غير صحيحة ، بطيئة، و مكلفة . صعوبة فهم المقروء.  أنواع عسر القراءة: عسر القراءة الصوتي:مسار تجميع المقاطع / عسر قراءة الواجهة : المسار المعجمي للمعالجة المباشرة/ عسر القراءة المزدوج.
عسر الكتابة. عسر الإملاء.الكتابة صعوبة في الإملاء صعوبة في التعبير الكتابييمكن لعسر الكتابة أن يكون مرتبطا باضطراب عصبي أو بعسر الحركة أو بقصور انتباهي أو تنفيذي.

*  إن لتصنيف الاضطرابات النمائية  المعرفية و اضطرابات التعمات المدرسية ضمن مجموعتين  قيمة  بيداغوجية ، لكن هذا التصنيف لا يعكس  انفصالا بين التعلمات الضمنية و التعمات الصريحة لأن معظم الوظائف المعرفية قد  تستدعي في آن واحد هاتين السيرورتين من التعلم (الضمني  و الصريح).

يشكل  التطورفي مواجهة الممارسة السريرية للإشكاليات النفسية عند الأطفال جوهر انشغالات العملاء و أسرهم و مهنيي الصحة و الصحة الاجتماعية عموما. كما تشكل تقاطعات الممارسة التربوية بعدا أساسيا يهتم بالحاجة الملحة إلى الاعتراف بالاضطرابات المعرفية ، و تحديد الاختلالات المرتبطة بها من أجل تيسير عملية التكفل  . لأن أي اضطراب نمائي عصبي يعكس خللا في نمو أو اكتساب وظيفة معرفية  .

الاضطرابات المحدد للنمو و التعلمات :

هي التي يعبر  عنها الاصطلاح الفرانكوفوني ب”عسر” Les Dys  (راجع مفهوم اضطرابات العسر عند Habib2014  ).و عادة ما تعبر الاضطرابات المحددة للنمو عن مجموعة غير متجانسة من المتلازمات المتسمة باختلالات دقيقة أو بارزة تخص نمو  بعض أوجه الوظافة المعرفية .

فعندما يتعلق الخلل الوظيفي المعني بالسيرورات المعرفية المتعلقة بالتعلمات الأكاديمية الأساسية (القراءة ،الكتابة ، الإملاء، الحساب) فنحن أمام الاضطرابات المحدد للتعلم( DSM5 ). مقابل اللغة الشفوية أو الحركة التي تقوم أساسا على المهارات الأكاديمية  المكتسبة من خلال التعلمات الصريحة و التدريب .

و يكتسب هذا التطور الاصطلاحي الذي يتجه إلى استبعاد مفهوم “المحدد” باستثناء الاضطرابات المحددة للتعلمات مشروعيته من كثرة تردد التواجد المشترك للاختلالات التي تصيب مختلف أوجه النماء الفكري، و هذا يناسب نموذج العجز المتعدد الذي اقترحه 2009Pennengton . و يحث هذا النموذج  على فهم الاعتلال المرافق أو الاسترجاع الجزئي للوظائف المعرفية كقاعدة، نظرا لتراكم عوامل الخطورة الوراثية و البيئية المنتشرة بين مختلف المتلازمات و الانظمة العصبية الكامنة خلفها Albert et chaise 2013 .

اضطراب نقص الانتباه و /أو فرط الحركة :

أضحى مفهوم اضطراب نقص الانتباه و /أو فرط الحركة متأثرا بالتيار الأنجليزي الذي وضع منذ بداية 1980 فرضية الأصل النورو-بيولوجي  و النمذجة المعرفية لتسليط الضوء على الصعوبات السلوكية و التعلمية التي يواجهها الأطفال المصابين بهذه المتلازمة

 و يندرج اضطراب نقص الانتباه و فرط الحركة في إطار الخلل الوظيفي العام للوظائف التنفيذية ( الانتباه ، ذاكرة العمل، الكبح، المرونة و التخطيط  ) حيث يعطل مختلف السيرورات الانتباهية، لذلك يمكن تسميته باضطراب النمو الانتباهي.

و يتسم اضطراب نقص الانتباه و فرط الحركة بعدة نماذج معرفية تحيل بشكل مباشر أو غير مباشر على خلل الوظائف التنفيذية كنموذج Barkley 1997   الذي اعطى الأولوية لقصور كبح الاستجابات باعتباره خاصية أساسية تميز  النمط الظاهري  المعرفي عند الأشخاص ذوي اضطراب نقص الانتباه و فرط الحركة .

و تقترح نظريات أخرى كتلك التي اقترحها Sounga Barke 2003    نمذجة متكاملة (نموذج بمسارين) تدمج  اضطراب المراقبة  الكابحة ووجود ظاهرة النفور من التأخير عند الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه و فرط الحركة  بسبب تفضيلهم للمكافأة الفورية ، و قد تم ربط هذا السلوك بإصابة تلحق ب:(الدارة الميزولمبية  للمكافأة le circuit mésolimbique de la récompense ) التي تنقل الدوبامين  و تفسر مختلف أعراض نقص الانتباه و فرط الحركة و الاندفاعية التي يبديها هؤلاء الأطفال .

اضطراب طيف التوحد:

تجمع الأوساط العلمية  على اعتبار اضطرابات طيف التوحد باطولوجيا نمائية عصبية مؤكدة على وجود عجزمركزي  في الوظافة المعرفية ذي علاقة مع النمو العصبي غير النمطي.

و تشكل فرضية المراقبة التنفيذية نظرية تفسيرية مهمة تقوم على التقارب بين سلوك الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد و سلوك العملاء الذيم تعرضوا لإصابة جبهية Damatio et Maurer 1978   .و قد تم تأييد هذه الفرضية بأدلة  من خلال تحديد الخلل النسقي لمختلف أوجه الوظائف التنفيذية Démetriou et al 2017 .و يمكن للخلل في المرونة أن يفسر السلوكات المتكررة و الاهتمامات المحدودة (تصلب معرفي، صعوبة التكيف، و التغيير) و تكمن الفكرة المشتركة لهذه النماذج النورومعرفية في أن الأطفال المصابين بهذه المتلازمة يتميزون بأسلوب مختلف لمعالجة المعلومات ـ ما يقودهم إلى فهم مختلف للعالم و للوضعيات الاجتماعية التي تميزه.و بالتالي ييجب مقاربة خصوصيات الوظافة المعرفية مع الخلل الوظييفي الذي يصيب مختلف بنيات دماغ الأطفال ذوي اضطرابات طيف التوحد و بالتحديد في القشرة الصدغية و القشرة الجبهية.

القصور الذهني :

 القصور الذهني الذي نطلق عليه أيضا اضطراب النماء الذهني هو اضطراب في التفكير المنطقي ، إذ عادة ما يتسم الأطفال المصابون به بخصوصيات معرفية مشتركة كالبطء العام في النمو و التفكير غير الناجع ، و صعوبة نقل المعارف و تعميمها و التجريد و إدماج المعلومات ، و بالتالي فهم يعانون من صعوبة التكيف مع إكراهات الحياة اليومية.

و مع ذلك يختلف الملمح المعرفي من طفل إلى آخر ، حيث لا يوجد نمط معرفي نموذجي .و  يمكن للعطب أن يصيب كل الأنظمة المعرفية بشكل كلي أو جزئي  سواء على مستوى اللغة أو الحساب أو الموارد الانتباهية أو المراقبة التنفيذية أو الذاكرة أو المعرفة الاجتماعية .كما يمكن للصعوبات المعرفية أن تنعكس على الحياة العاطفية و بناء الشخصية (الهشاشة ، النرجسية، ضعف تقدير الذات، صعوبة الاندماج الاجتماعي أو الانحراف عن الأعراف  الأخلاقية.

المراجع :

 Alain Pouhet et al 2021// Neuropsychologie et rtoubles des apprentissage chez l’nfant / p: 10 -15// Elsevier Masson SAS.

Vincent des portes 2020 //  Troubles du neurodéveloppement : aspect cliniques  //p : 21- 53

Michel Maseau 2023   //Rééduction cognitive chez l.enfant Apport des neurosciences; methodologie et pratique /p: 17-42 ./deboeck.

Bellaj et Seron 2014  // Les facteurs dans l’evaluation neuropsychologique. // in X seron et M .Van der Linden (dir) Traité de neiropsychologie clinloque de l’adulte (2e  éd pp 641-658  . Louvain- la Neune : De boeck .solal.

Habib2014 // la constellation des dys : bases neuropsychologiques de l’apprentissage  et de ses troubles // paris /De Boeck-Solal.

Pennengton2009 // Diagnosing learning disorders: A neuropsychological  framework.// New York Guilford Press.

Barkley 1997   // Behevior inhibition sustained attention and executive functions : construcying a unifyin theory of ADHD.psychological bulletin 121(1) ;p65-94  doi 10.1037/0033-2909.121.1.65.

Albert et chaise 2013 .//  Mise au point sur les troubles d’apprentissages .in J M  Albert et Corraze (dir) Entretien de psychomotricité (pp 1-9) /paris : les Entretiens Médiceaux  

Sounga Barke 2003    // the dual pathway model of AD/HD  an elaboration of neurodevelpmental characteristics. Neuroscience and  and Biobehavioral Reviews 27(7) 593-604  doi 10. 1016/j.neubiorev . 2003 08.005.

Damatio et Maurer 1978   // A neurological  model for childhood aitism . archives of neurology  35 777-786 doi 10.1001.archneur.1978.00500360001001.

Démetriou et al 2017//Autism spectrum disorder : a meta analysis  of executive function  molecular psychiatry 23 1198 -1204  doi 10.1038/mp 2017.75.