
إليوس كوطسو
ترجمة و تقديم يوسف العزوزي.
مقدمة :
عندما يمتطي فارس صهوة جواد مؤهل يستطيع الركد في غابات جبال تازكة أو باب بودير في إقليم تازة و هي منطقة تتميز مسالكها بالخطورة و التعقيد و اشتهرت بمهرجان الفروسية. و يمكن للجواد استشعار وجود الحيوانات و تجنبها بالإضافة إلى مهارته في تجاوز الحواجز البيئية.
إن العلاقة بين عقلنا و انفعالاتنا لا تختلف كثيرا عن علاقة الفارس و جواده، فعندما ينسجم منطق العقل و سلامة الانفعالات فإنهما يكونان وحدة قوية. لكن عندما يدخل الفارس في صراع مع جموح جواده يصعب عليه إعادة هذا الأخير إلى جادة الصواب، و يصبح الفارس أمام خطورة عراقيل البيئة من جهة و إشكالية جموح الجواد من جهة أخرى.
من هنا تأتي أهمية القدرة على كبح جماح الانفعالات في تحقيق التوازن الداخلي للفرد من جهة و تأمين القدرة على تحدي صعوبات العالم الخارجي من جهة أخرى.
ماهو الانفعال:
يحيل الانفعال على مفهوم “التحريك” لأنه يحرك عندما يساهم في تنشيط الجسم و تحفيزه للفعل. بالنسبة ل Peter et John Mayer 1990 تمثل الانفعالات تغييرا في الحالة النفسية، استجابة لحدث داخلي أو خارجي.
و حسب Antonio Damasio 1994 يتعلق الأمر برد فعل في حيز زمني قصير ذي طابع نوروبيولوجي خاص بينما تدوم المشاعر Les sentiments لزمن أطول تابعة للانفعال من خلال الأفكار التي ولدها هذا الانفعال. توجد المشاعر إذن بين مفترق طريقي الانفعال و المعرفة(الأفكار) مفسرة التعدد اللانهائي لهذه المشاعر أو (الحالات النفسية) التي يمكننا الولوج إليها.
و إذا كان المزاج عموما حالة دائمة و عامة فإن الانفعالات تتميز بشدتها و سرعتها و ارتباطها بوضعية خاصة (طارئة) تسبب رد فعل خاص و طارئ. و يمكننا تقريب هذه العلاقة من خلال مجاز يمثل فيه ماء حوض الاستحمام المزاج، و يمثل الانفعال صب الماء (بارد أو ساخن) مباشرة على الجسم الموجود في ماء الحوض (المزاج). و يمكن الاستمرار في المجاز بالقول بأن إضافة الصنبور لكمية منتظمة من ماء بنفس درجة الحرارة يغير درجة حرارة ماء هذا حوض . هكذا تؤثر التجارب الانفعالية المتكررة في الزمن في الطابع المزاجي للشخص. و يمكن لهذه العلاقة أن تشتغل في الاتجاه الآخر حيث أن مزاجنا يساهم في إثارة انفعالاتنا إذا كان هذا المزاج يتسم بالغضب، فنصبح أكثر حساسية لبيئتنا.
مستويات الانفعال:
يُولِّد الانفعال تغيرات على مستويات مختلفة، يمكن النظر إليها كحالة شعور تضم عدة مكونات:
*. المستوى الفيزيولوجي: يتميز بتفاعل جسمي (تسارع خفقان القلب في حالتي الخوف أو الغضب…)
*المستوى المعرفي : يتميز بتغير في طريقة الإدراك و التفكير و نوع الذكريات التي يتم استحضارها(تركيز الانتباه على عناصر الخطر في حالة القلق، و سهولة استدعاء الذكريات المنسجمة مع هذه الحالة الانفعالية….)
*المستوى التعبيري: يتميز بتغيير في التعبير غير اللفظي (وضعية الجسم ، نبرة الصوت، تعبير الوجه….)
*المستوى السلوكي : من خلال الاستعداد لتيسير رد الفعل انسجاما مع طبيعة الانفعال الذي يترافق مع العزم على الفعل (في حالة الغضب؛ الاستعداد للهجوم /في حالة الخوف الاستعداد للهرب لتجنب الخطر…).
أنواع الانفعالات :
باستعادته لبعض أفكار Darwin1872 اهتم عالم النفس الأمريكي Paul Ekman بدراسة الانفعالات الكونية (الإنسانية) أو الأولية معتبرا أن الفرق لا يتعلق فقط بشدة الانفعالات بل بطبيعتها. ما يعني وجود فئات انفعالية متمايزة (كالخوف و الغضب….) و أن كلا من هذه الفئات يمثل ملمحا خاصا ينعكس على تعابير الوجه و التنشيط الفيزيولوجي ووظائفهما. فالوجه هو الوسيلة المفضلة لتواصل حالاتنا الداخلية.
و حسب P Ekman ،إذا كان انفعال ما، يظهر في نفس شكل التعبير الوجهي بالنسبة لمختلف الثقافات، فيمكننا أن نستنتج بأنه مرتبط بقاعدة إنسانية فطرية génétique.
و بناءا على دراسة لمختلف الثقافات لاسيما في قبائل معزولة في غينيا اقترح Paul Ekman et frisen Wallace 1976 لائحة تضم ستة انفعالات كونية هي الغضب، الخوف، الاشمئزاز ،الحزن، الفرح، المفاجأة.
و بالنسبة لباحثين آخرين ك: Robert Plutchik1980 فإن الانفعال غير مستقل عن السياق الاجتماعي أو الثقافي الذي يوجد فيه الفرد. ما دفعه إلى إغناء لائحة الانفعالات الأولية بانفعالات أكثر تعقيدا ذات طبيعة اجتماعية كالخجل و الإحساس بالذنب و الغيرة و الاعتزاز و الحب… و من المنظور الاجتماعي فإن هذه الانفعالات تخدم الحفاظ على العلاقات الاجتماعية و حل مشكلات حياة الجماعة.
و تعتبر العالمة Lisa Feldman Barett 2017 الانفعالات بناءات اجتماعية تساهم في الثقافة. و يرى بعض العلماء أن هذه الفئات الانفعالية قليلة بالمقارنة مع تنوع و تعدد التجارب الانفعالية التي نشعر بها. في هذا السياق قاد الباحثون Alan couvent et Dacher keltner et al 2017 من جامعة Berkley دراسة مهمة حول هذا الموضوع، و اعتمدوا على 2185 فيديو يصف وضعيات انفعالية مختلفة لعدة أشخاص، و انتهوا إلى 27 فئة انفعالية تسلط الضوء على مروحة من الانفعالات التي تلون حالاتنا النفسية الداخلية و هي كالآتي:
1 الإعجاب. 2العشق. 3 التقدير الجمالي. 4المرح. 5الغضب. 6القلق. 7الدهشة. 8الانزعاج. 9الملل.10 الطمأنينة. 11الارتباك. 12الرغبة. 13الاشمئزاز. 14 ألم التعاطف. 15الاهتمام المدهش. 16 الاستثارة. 17الخوف. 18الرعب. 19الاهتمام. 20 الفرح. 21 الحنين. 22الارتياح. 23 الرومانسية. 24 الحزن. 25الرضا. 26الاشتهاء الجنسي. 27 المفاجأة.
و بعيدا عن هذا النقاش فإن أهمية هذه المروحة تتجلى في إغناء المعجم الانفعالي للراغبين في الاشتغال على الكفايات الانفعالية و تمكيننها من المفاهيم المناسبة للتعبير عن الحالات النفسية المختلفة.
هل الانفعال عدو أو حليف؟
إذا كانت الانفعالات تغطي حالاتنا النفسية الوردية و السوداء و الرمادية فهل هي صديقة أم عدوة؟. إن الطريقة التي سنجيب بها على هذا السؤال كأفراد ستكشف عن تمثلنا الشخصي للانفعالات. و للتعرف على هذه الأخيرة بشكل موضوعي يجب أن ننطلق من المنظور التاريخي و العلمي للتفاعل مع هذا السؤال:
اعتُبرت الاتفعالات منذ زمن بعيد ظاهرة إشكالية مشوشة تعطل العقل و مراقبة الذات، و حسب هذا المنظور فإن الانفعالات تشكل مصدر اختلال، لذا يجب مراقبتها لاستحالة التخلص منها.
أما الطرح العلمي الحديث فيرى أن للانفعالات وظيفة بنائية تستهدف تيسير تكيف الفرد في محيطه.
و حسب هذا المنظور فإن الانفعالات تشكل نظام إنذار و رد فعل يهدف إلى إخبارنا بحدث مهم لتنسيق الاستجابة المناسبة.
في سنة 1872 اعتبرت نظرية داروين التطويرية الانفعالات سيرورة تكيفية تخدم بقاء و إعادة إنتاج الأفراد. و على نفس الخط اعتبر عالم الأعصاب Antonio Damasio 1994الانفعال كنظام حماية ضروري لبقاء الكائنات.
و بالنسبةل Damasio لا يمكن فصل الانفعالات عن السيرورة العقلانية و اتخاد القرارات نظرا لتداخلهما. و قد ركزت أبحاثه على دراسة عملاء يعانون من إصابات دماغية.
و يشير Damasio إلى حالة Elliot الذي تعرض إلى استئصال ورم دماغي على المستوى الجبهي. فنجحت العملية الجراحية على المستوى الطبي و بقيت قدراته العقلية محفوظة. إلا أنه فقذ القدرة على الإحساس بالانفعالات ما سبب له تراجعا على المستوى المهني انتهى بتسريحه من عمله بسبب تراجع إنجازاته خصوصا على مستوى اتخاد القرار.
و حسب نظرية Damasio فإن العواطف les affects تسمح بتصفية عدد من الاختيارات الممكنة في وضعية ما و لا تترك للوعي إلا الخيارات الأكثر أهمية.
مجاز: الانفعالات هي مؤشرات في لوحة القيادة.
يمكن أن نمثل انفعالاتنا كأضواء في لوحة تحكم غرفة القيادة الداخلية، فعندما يومض المصباح بالأخضر فإن الامر يتعلق بانفعال سار، و هذا يشير إلى الرضا عن حاجة مهمة بالنسبة للفرد لتناغمها مع قيمه، فيُفرج الدماغ عن طاقة للاستثمار في هذا التوجه و التقاسم الاجتماعي لهذا النجاح و توسيع الحقل الانتباهي اتجاه فرص جديدة.
وعكس ذلك يشير الضوء الأحمر إلى إحباط حاجة مهمة و يوحي بضرورة التصرف، ما يجذب انتباهنا نحو العنصر الإشكالي و إعداد الجسم للفعل.
و إذا فرضنا أننا تمكنا من تعطيل هذا النظام فإننا سنعيش في هدوء تام، لكن هذه الحالة ستضع الشخص في ما يشبه حالة عماء و لا مبالاة أمام كل الإشارات المنبه للخطورة في البيئة.
أهمية الانفعالات:
هكذا تنسق الانفعالات التغيرات على عدة مستويات لتحقيق استجابات أمام الوضعيات ذات الأولوية (وضعية خطر) و إزاء هذه التغيرات يمكن تحديد عدة وظائف.
# وظيفة التحذير و تحديد الأولويات : تركيز الانتباه على العامل المسبب ليصبح أولوية تفرض نفسها على الفرد، فامام الخطر يلتفت جهازنا المعرفي تلقائيا نحو البقاء و تتم تعبئة الانتباه و الذاكرة لتعديل أولوية الأهداف.
وظيفة رد الفعل: تعد التغييرات الفيزيولوجية الجسم للحركة، حيث يحفز الانفعال الفرد على تبني تدبير خاص، و في هذه الحالة يستعد جسمنا إلى تسخير إمكانيات قوية (للفرار، للدفاع،للسكون…)
وظيفة التواصل : تعكس هيئة الجسم و الوجه الحالة الانفعالية للفرد و يتيح هذا الزخم للتعبير غير اللفظي تمكين الآخرين من التعرف على الحالة الداخلية و إبلاغهم بالحاجة لدعمهم.
وظيفة أخلاقية: ساهمت أبحاث Jonathan Haidt من جامعة نيويورك في تسليط الضوء على الوظيفة الأخلاقية لبعض الانفعالات الشعور بالذنب و الخجل، و أيضا الامتنان و الاعتزاز.
فعندما نتجه بأفعالنا ضد المبادئ الأخلاقية (الظلم ،العنف اتجاه الآخر، السرقة، الكذب…) نشعر بانفعالات تشير إلى أن تصرفنا غير أخلاقي حتى قبل أن نشرع في هذه التصرفات بل إن مجرد التفكير فيها يولد انفعالات، ما يساعدنا على القيام باختيارات واضحة تبقينا في خانة احترام الآخرين إذ نؤَمن بذلك وظافة اجتماعية ضرورية Haidt 2003.
كما أن إنقاد شخص غريب من الغرق يولد انفعالا للاعتزاز élévation، و يدفع هذا الانفعال كذلك إلى تعزيز التصرفات الاجتماعية الراقية.
وظيفة التعلم : تعتبر الانفعالات أساسية في التعلمات لأنها تؤثر على السيرورات المعرفية كالإدراك و الانتباه و الاكتساب و التخزين و استخدام المعارف Seli et al 2016 Pekrum1992 Phelps 2004 لأن هذه الوظائف المعرفية مرتبطة عضويا بسيرورة التعلم و التحفيز و بذل المجهود لاكتساب معارف جديدة.فالطابع الممتع للانفعال ينشط كمحفز للسلوك و يدفعنا إلى مواصلة الفعل الذي يولد هذا الانفعال، و العكس صحيح.
يوسف العزوزي /تازة /24 يناير 2024.
المرجع :
Ilios Koutsou et al 2022/ Développer les compétences émotionnelles/DUNOD/p:13..2