التقويم المعرفي المتعدد الوسائط عند المراهقين ذوي TSA و TDA/H


مقال Eric Bizet et Susane Maya de la Rosa
ترجمة : يوسف العزوزي (بتصرف)

1 مقدمة:

من بين النظريات المعرفية التي تسعى إلى تفسير الصعوبات اليومية التي يواجهها الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد TSA نظرية الاضطراب التنفيذي Pennington et Ozonoff1996 التي وضعت رابطا بين الصعوبات الملاحظة عند ذوي اضطراب طيف التوحد و السلوكات المتكررة و استمرار التصلب الذهني، و الوظائف التنفيذية.

تشكل الوظائف التنفيذية مجموعة من السيرورات المعرفية ذات المستوى العالي المرتبطة أساسا بالبنيات الجبهية ،و هي ضرورية لإنجاز السلوكات المُحققة لهدف Luria 1966 Shallice 1982 ، مع المرونة الملاءمة للسياق. كما تسمح الوظائف التنفيذية بوضع هدف و مفهمة نتائجه conceptuliser les conséquences على المدى البعيد و إيجاد البدائل لحل مشاكل المهام الجديدة أو المعقدة.
علما أن هذه القدرات العالية المستوى هشة و قابلة للتقهقر في حالة أي إصابة في الدماغ lésion cérébrale أو مرض نفسي أو اضطرابات نورونمائية، و هي محددة لمستوي الدمج المدرسي أو الاجتماعي أو المهني.
في اضطرابات طيف التوحد تتعلق الصعوبات التنفيذية في الآن نفسه بالأطفال و الراشدين و تتفاقم مع مرور الزمن و خصوصا في مرحلة التمدرس التي يظهر من خلالها التباين في الكفايات بالمقارنة مع باقي الأطفال و المراهقين الذي يتميز منحنى تطورهم بكونه تصاعي Pellicano et al 2012.
و تتجلى هذه الصعوبات في الاضطرابات المعرفية المتعلقة بقدرات المرونة و التخطيطHill et al 2000، التي تعبر عن نفسها يوميا في تدبير التحول و تقبل التغيير الزمني، و استعمال استراتيجيات جديدة لحل المشاكل و تقبل المرونة في تأويل القوانين و تدبير الانفعالات و تقبل وجهات النظر المختلفة.

2 اضطراب طيف التوحد و اضطراب قصور الانتباه/و فرط الحركة
غالبا ما يتم تحديد اضطراب طيف التوحد باوصاف سريرية متنوعة مشكلة من شدة الأعراض و احتمال وجود اعتلالات مرافقة، و يمكن لعدة اضطرابات مصاحبة أن تصيب الشخص ذي TSA كالقصور الذهني Mc Carthy 2007 و القلق Simon off et al 2008 أو إضطراب قصور الانتباه /و فرط الحركة Sinonoff2008 ، و هذا ما يوضحه DSM5. و عادة ما يعتبر غياب الكبح كقصور معرفي مرده إلىBarley1997 TDA/ H. ينتهي بصعوبات في ذاكرة العمل و المرونة و التخطيط و ضبط السلوك Semurud Clikemant et al 2010.
و غالبا ما ينتج عن اقتران TSA و TDA /H خلل في ذاكرة العمل (خصوصا اللفظية) و قدرات الكبح Gioia2002، و يؤدي إلى تفاقم الخلل الوظيفي التنفيذي التكيفي و الاجتماعي الذي ينجم عنه إحساس بعدم النجاعة و احتمال قوي بالدخول في حلقة مفرغة تنتهي من خلالها الصعوبات الانتباهية و التنفيذية إلى قلق يساهم بدوره في تدني الموارد المعرفية.

1-2المعالجة الحالية ل TSA و TDA /H :

حاليا تحتل المعالجة الدوائية مكانة أساسية في معالجة TDAH، إذ يمكن للأدوية المنشطة أن تكون ناجعة للتقليل من اعراض الاندفاعية و فرط الحركة.
و رغم ذلك يطرح استعمال الأدوية النفسية psychotropes عدة قيود عند الأطفال Warren et al 2011 لانها لا تحظى بقبول لذى الأولياء و المراهقين كما أن آثارها الجانبية يمكن أن تحول دون استعمالها من طرف الشباب الذين يجدون أنفسهم بالنتيجة دون تكفل.
من جهة أخرى لا يُنصح بالاقتصار على استعمال الأدوية فقط، بل يوصى بإشراكها بتدخل التربية العلاجية، أو تعليم استراتيجيات تعويضية. و في حالة TSA يمكن أن يستفيذ الاطفال و المراهقون أساسا من تدخل سلوكي يستهدف تنمية الكفايات الاجتماعية Beaumont et Sofronoff2008 من خلال استراتيجيات علاجية تبحث في تجاوز القصور و تكييف النسق التواصلي أو التقييم وفق الحاجيات الفردية Yoder et Lieberm 2010. و في حالة اقتران TSA و TDAH يمكن اللجوء إلى المعالجة الدوائية. مع الأخد بعين الاعتبار للوظافة النوروسيكولوجية التي تكمن وراء هذه السلوكات.

2-2 التقويم المعرفي لTSA :

في هذا السياق الذي يستدعي تدخلا مبنيا على تقنيات التقويم المعرفي من أجل تخفيف الصعوبات الانتباهية و التنفيذية للشباب، بصفتها ثمرة لتقنيات إعادة التأهيل réhabilitation التي تم تطويرها لفائذة العملاء المصابين دماغيا، يمكن تعريف التقويم المعرفي كتدخل سيكولوجي يسعى إلى تحسين الوِظافة المعرفية للشخص بهدف تخفيف الأعراض السريرية و تحسين الوِظافة المعرفية و تحسين جودة الحياة و الإدماج الاجتماعي Amado 2010.
و على عكس تقنيات التقويم المعرفي المستعملة في الماضي و خصوصا التمارين المتكررة التي تستهدف تدريب الوظيفة المصابة فإن التقويم المعرفي المعاصر يقوم على مقاربة إيكولوجية لحاجيات العميل، غالبا مع إدماج تدريب الوظيفة العاجزة، و زيادة القدرات الميطامعرفية (مثل معرفة نقاط القوة و نقاط الضعف)، و اكتساب الاستراتيجيات و تعميم الاستراتيجيات المكتسبة في المعاش اليومي مع الأخد بعين الاعتبار السياق الاجتماعي و دافعية العميل.

3-2أهداف التدخلات :
في هذا السياق يستهدف البرنامج الذي نقترح تحسين القدرات الانتباهية و التنفيذية للمراهقين ذوي TSA و TDAH بدون إعاقة ذهنية.
و يعتبر هذا البرنامج نتيجة تأمل في تدخل سابق (من 14حصة) مؤسس على تدريب معرفي لذاكرة العمل و المرونة الذهنية، ويقوم على الاستنتاجات التالية:
يسبب اقتران TSA و. TDAH اضطرابات تنفيذية و انتباهية ذات شدة مرتفعة Rosethal et al 2013 تحتاج إلى مرافقة مكثفة ، و يحتمل أن تصبح هذه الفئة عرضة للمعاناة و الانقطاع الدراسي، و خطورة الإصابة باضطرابات نفسية كالقلق و الاكتئاب Dajani et al 2016 يمكن أن تستمر إلى مرحلة النضج. تشكل الصعوبات الانتباهية و المرونة الذهنية من جهة ثانية عوائق أمام نجاعة باقي التدخلات كتلك المتعلقة بالتدريب على المهارات الاجتماعية أو العلاجات النفسية، و تبقى للمطواعية الدماغية أهمية كبرى في هذه المرحلة Anderson et al 2001 ما يفتح الباب أمام إمكانية التحسن.
يهدف هذا المشروع إلى بحث و تطوير نجاعة برنامج تقويم معرفي متعدد الوسائط يقوم على الاستعمال المشترك لتقنيات التقويم المعرفي و العلاجات المعرفية السلوكية ،حيث تستهدف التدخلات قدرات التحكم في الانتباه و الذاكرة العاملة و المرونة و التخطيط. و يتكون البرنامج من عدة تقنيات أثمرت نتائج جيدة عند عملاء أُصيبو بتلف جبهي أو اضطرابات نفسية.

3 الطريقة :

1-3المشاركون :
شارك في هذه الدراسة تسعة شباب، خضع ثلاثة منهم للبرنامج فيما شكل الستة الباقون مجموعة مراقبة. و كلهم وردوا من قطب طب الأطفال النفسي من المركز الاستشفائي المحلي. و قد اختير المشاركون بسبب شدة صعوبتهم التنفيذية في الحياة اليومية فيما اختير المشاركون في مجموعة المراقبة بسبب ملمحهم المعرفي و السلوكي المتشابه لمجموعة البرنامج.
و خضع كل المشاركون لمعايير الانتقاء (السن بين 12و 16 سنة ، وظافة ذهنيةخاضعة للقياس ، تشخيص TSA و TDAH ، الاعتلالات المرافقة)

2-3 الأدوات Matériel :

أ) القياس :
تم إعداد تقرير نوروسيكولوجي قبل التدخل و بعد التدخل. لم يسبق لأي من المشاركين الاستفادة من البرنامج. و قد تم توجيه التقرير النوروسيكولوجي بهدفين يتعلق الأول بتحديد دقيق لنقاط قوة و ضعف المشاركين ولإعلام الأسر و مختلف المتدخلين ، ثانيا لقياس نجاعة البرنامج مع إدخال مقاييس الوِظافة المستهدفة بالتدخل من خلال الاختبارات النوروسيكولوجية و الاستمارات السريرية و السلوكية.

ب) المقاييس ذات الصلة. Mesures reliées.

الوِظافة التنفيذية : ذاكرة العمل ،ذاكرة عمل الأرقام ل WISC4 بمعدل قياسين مع محاولتين برقمين ثم محاولتين بثلاثة أرقام….)
الكبح. STROOP de la batterie D-KEFS.
المرونة. Aspect généralisation.
التخطيط. Échelle BRief.

ج) قياسات غير ذات صلة:
Praxies
Mémoire verbale et non verbale
Théorie de l’esprit.
د) سجلات عيادية inventaires cliniquez

-التوحد
-تقدير الذات – سلم تقدير الذات Rosenberg1965

3-3 التقويم المعرفي متعدد الوسائط :

تقوم التدخلات المنجزة على المنهجيات التالية:

أ) L’attention training technique. ATT (Wells)

تعتبر ATT تقنية لتمرين الانتباه مؤسسة على نموذج تفهم الاضطراب الانفعالي الذي اقترحه Wells 2009 ، و حسب هذا الأخير فإن عددا من الحالات النفسية المرضية كالقلق مرتبطة بمعتقدات ميطا-معرفية مختلفة وظيفيا dysfonctionnelle تم الاحتفاظ بها من خلال سيرورة تركيز ذاتية على أفكار خاصة. و حسب هذا النموذج فإن الاضطرابات الانفعالية ناجمة عن نمط معرفي متصلب rigide يحتفظ لذاته بالأفكار و التصورات méta-cognition سلبية و استراتيجيات تكيف محدودة النجاعة.
بالنسبة ل Wells فإن مصدر هذه السيرورة هو صعوبة فك ارتباط الانتباه بالمثيرات السلبية المتعلقة بالمخاوف من أجل تحويله إلى مثيرات أكثر إيجابية،بشكل يمكن العميل من اكتساب قدرة على تسليط الانتباه بمرونة، ليتمكن من التخلص من أفكاره الداخلية الاجترارية.
و تستهدف استراتيجية التدريب على الانتباه التي اقترحها Wells على سيرورات : الانتباه الانتقائي ، التخلص من الانتباه، و الانتباه المتقاسم.
عمليا تقوم تقنية Wells على وضع المشارك في غرفة هادئة حيث يتم تقديم عدد من الأصوات (مثل صوت الأخصائي النفسي أو صوت إيقاع métronome) ثم نطلب منه كبح باقي الأصوات و التركيز على صوت واحد، ثم المرور إلى التركيز على صوت آخر. و لتنمية الانتباه المتقاسم نطلب منه التركيز على صوتين في آن واحد، و يتقرح Wells بعد ذلك تنويع الأصوات خارج القاعة.
و قد أثبتت عدة دراسات نجاعة ال ATT فيما يخص الأعراض السريرية، و قدرات مراقبة الانتباه Billieux et al 2016 رغم أنها على حد علمنا لم تستعمل لفائذة TSA ، و لكن يبدو لنا انها ستكون ملائمة في هذا السياق لأن ذوي TSA الذين يعانون من مشاكل في الانتباه ذات علاقة بالأنماط المعرفية المتصلبة rigide ، لهذا يبدو أن الATT يمكن أن تقدم تأثيرا مزدوجا لفائذة ذوي TSA من خلال تحسين قدرات التركيز focalisation و التحريك المرن للانتباه مع التخفيف من القلق، و يمكن تعميم هذه التقنية في وضعيات مختلفة في الحياة اليومية.

ب) التقويم المعرفي لذاكرة العمل (Duval 2005)
يقوم تدريب ذاكرة العمل حاليا على مقاربة تسمى بالوظيفية، تُستعمل غالبا لذى الأطفال الذين يحتاجون إلى تحسين قدرات ذاكرة العمل عبر إنجاز تمارين مكثفة تكون غالبا ذات طابع رقمي Klinglrg et al 2005 مع فرضية كون التدريب المدعم لوظيفة ما يقود إلى تحسينها von bastian et oberaues 2014. علما ان بعض الانتقادات توضح ان التدريب لا يحسن إلا من القدرات المستهدفة بدون أثر واقعي على الحياة اليومية، كما أن الأدوات الرقمية مُكلفة من الناحية المادية.
نختار في هذا السياق تدريب ذاكرة العمل بناءا على مقاربة يغلب عليها الطابع المعرفي باعتبار MT وظيفة معرفية و بنية وحدات مكونة من أنظمة، و أنظمة فرعية لها و سيرورة في تفاعل Modèle de Baddeley 1986.
بشكل مبسط يفترض هذا النمو إدارة مركزية Administrateur centrale يسمح باستعمال المعلومة و تحيينها.
و من بين البرامج التي تستعمل هذه المقاربة يمكن الإشارة إلى برنامج تدريب ذاكرة العمل الذي طوره Duvale 2005. و يتيح هذا البرنامج التدريب الخاص من خلال ثلاثة وحدات و ثلاثة مكونات من شاكلة (الورقة و القلم)، و يقترح استراتيجيات ترميز و إعادة تنظيم المعلومة الفعالة التي تخفف العبء المعرفي على الإدارة المركزية.

ج) Cognivive Remediation Thérapie CRT (Wells et Reeder)
علاج التقويم المعرفي:

يهدف هذا البرنامج الذي ترجمه إلى الفرنسية Francle et Amado 2009 أساسا من أجل معالجة الصعوبات التنفيذية التي يواجهها المصابون الفصام.
و تقوم مهام CRT على أدوات الورقة و القلم، و يتكون CRT من ثلاثة وحدات (المرونة المعرفية ،الذاكرة و التخطيط) حيث أظهر نجاعته في إعادة تأهيل Réhabilitation الأشخاص الذين يعانون من الفصام. و تهدف مختلف التمارين إلى تحسين الإنجاز، و تطوير استراتيجيات مراقبة و تفكير العميل، و مرافقته في حياته الاعتيادية و التفكير في بدائل للطرق التي ينتجها. و حسب علمنا فإن CRT تم استعمالها مع العملاء ذوو TSA في إطار دراسة وحيدة weiner et al 2010.

د) التقنيات المعرفية السلوكية

وفقا لصعوبات التي يعاني منها العملاء يمكن استعمال التقنيات التالية:
@ لعب الأدوار : يقوم المعالج بخلق وضعيات تجسيدية لإرساء تعلمات نظرية من خلال سياقات يستحسن أن تكون أكثر ملامسة للواقع، حيث يفكر العميل بمعية المعالج في هذه الوضعيات قبل إرسائها.
@ إعادة البناء المعرفي : للاشتغال على مراقبة القلق و الغضب، إذ من الضروري أولا تحليل العلاقات الموجودة بين الوضعيات الانفعالية المعاشة و السلوكات.
و عند فهم هذه العلاقات يتعلم العميل التخلص من الأحداث المثيرة للقلق أو الغضب و العمل بمساعدة المعالج على إيجاد بدائل للأفكار السلبية و استخدام استراتيجيات لمراقبة التنفس، كما يجب على المعالج ملاءمة لغته مع سن و ملمح العميل لتيسير فهمه للتعلمات.

@ الاقتصاد الرمزي Économie de jetons : يتم استعمال هذه التقنية لدعم عادات النظافة (تنظيف الأسنان، الاستحمام، تغيير الملابس الداخلية…) و المهام المنزلية (جمع الأواني بعد كل وجبة طعام، ترتيب السرير بعد النوم….) بمساعدة المعالج.

ه) استرخاء Bergès :
طريقة Bergès هي تقنية علاجية تستلهم مدخلاتها التقنية من Shultz 1974 و Ajuriaguerra1960. و تتطلب هذه التقنية أولا تركيز الانتباه على صورة ذهنية يستحضرها العميل ثم نقل هذا الانتباه بطلب من المعالج إلى أجزاء من جسم العميل بشكل يحقق الارتخاء العصبي ، و يمكن لهذه التقنيةأن تكون مفيدة للأشخاص ذوي TSA لتعميق الإحساس بالجسد.