.
فرانسين لوسيي Francine Lussier
ترجمة :يوسف العزوزي (بتصرف)
تشكل هذه الوحدة المتلارمة entité syndromique نموذجا لاضطراب بيو-نفسي-اجتماعي بامتياز ، يقود إلى طرح أسئلة حيوية حول العلاقة الموجودة بين العوامل الوراثية و البيولوجية و البيئية. ما جعل هذه الباطولوجيا تحظى باهتمام عدد كبير من الباحثين في كل المجالات ذات الصلة، بشكل يجعل من المستحيل تكوين تصور شامل موحد؛ مما يوسع قاعدة البيانات المتعلق بهذا الاضطراب ك: (Le Medlinme 5, le RudMed et le Psyinfo) إلى 3000مرجع في سنة واحدة.
تظهر الأعراض السريرية الأولى في السنة الثالثة أو الرابعة و يشكل الوسط المدرسي فضاءا للكشف عن السلوكات المزعجة. وضع الدليل التشخيصي و الإحصائي الرابع DSM4 هذا الاضطراب في إطار الاضطرابات المربكة واضطرابات المعارضة oppositionnel و اضطراب السلوك بينما يعتبرها DSM5 اضطرابات نمائية و يعرفها ضمن ثلاثة أنواع رئيسية ل TDAH حسب ما يميز الأطفال من غالبية فرط الحركة /الاندفاعية أو غالبية قصور الانتباه أو هما معا mixte .
أما التصنيف الدولي العاشر للأمراض CIM10 فيَجمع اضطرابات فرط الحركة مع اضطرابات السلوك و الاضطرابات الانفعالية ، يتحدد إذن اضطراب فرط الحركة في هذا النموذج بالمرور من نشاط إلى آخر دون إنهائه، كما أن تناول هذه الأنشطة مقرون بهيجان حركي و اندفاعية مستمرة. إذ يصف CIM10 أطفال فرط الحركة بغير الحذرين و المندفعين، لا يحترمون القواعد، و لا يتقبلهم باقي الأطفال، و غالبا يمكن تسجيل تأخر في الوظائف التنفيذية لذيهم بالإضافة إلى سلوكياتهم غير الاجتماعية و فقدانهم لتقدير الذات CIM10 2006.
و يصنف CIM10 اضطراب الانتباه في “اضطرابات سلوكية محددة ،و اضطرابات انفعالية تظهر عادة في فترة الطفولة و المراهقة” لكن الأعراض غير مذكورة.
يستمر TDAH إلى مرحلة المراهقة بنسبة تتراوح بين 50%إلى 80% Barkly 1997 ، و مع مرور السنوات تراجعت هذه النسبة إلى 20% بخصوص أعراض قلة الانتباه و 40% بخصوص الاندفاعية و 50% بخصوص فرط الحركة Mick Faraone 2004 و يشكل استمرار TDAH عامل خطورة يقود إلى اضطرابات التعلم و ضعف جودة الإنجازات المدرسية، و قد ينتهي بارتفاع الفشل الدراسي و الهدر المدرسي بالإضافة إلى هشاشة العلاقات الاجتماع الأسرية و المشاكل السلوكية و الانحراف و تعاطي المخدرات.
معايير تشخيص إضطراب قصور الانتباه/فرط الحركة حسب DSM5.
#وجود أعراض إما قصور الانتباه و إما فرط الحركة و الاندفاعية.
أ) ستة (أو أكثر) أعراض القصور الانتباه لمدة ستة أشهر على الاقل :
قصور الانتباه 1: لا يتمكن من إيلاء الانتباه للتفاصيل و يرتكب أخطاءا دون مبالاة.
2: يجد صعوبة في الحفاظ على الانتباه.
3:يبدو و كأنه لا يستمع.
4:يجد صعوبة في تنظيم أعماله و أنشطته.
5:يتجنب المهام التي تستوجب الانتباه المدعم (المستمر).
6: عادة ما يفقد الأغراض التي تهم عمله.
7: يسهل أن تشتت انتباهه مثيرات خارجية.
8: عادة ما ينسى أمور الحياة اليومية.
ب) ستة أو أكثر أعراض فرط الحركة و الاندفاعية لمدة ستة أشهر على الاقل:
*فرط الحركة و الاندفاعية :
1: غالبا ما يحرك يديه و رجليه و لا يستقر فوق مقعده.
2: غالبا ما لا يقدر على الجلوس لمدة طويلة في القسم و ينهض من مقعده في القسم و في وضعيات أخرى.
3: يجري و يتسلق في كل مكان.
4: يجد صعوبة في البقاء هادئا أثناء اللعب.
- غالبا ما يتحرك و كأنه فوق نابض Ressort.
- يتحدث كثيرا.
7: يتملص من السؤال قبل نهايته.
8يقاطع الآخرين و يفرض حضوره.
9:يجد صعوبة في انتظار دوره
تسبب بعض أعراض فرط الحركة و الاندفاعية أو قصور الانتباه خللا وظيفيا قبل 12سنة.توجد الأعراض في نوعين أو أكثر من الأوساط المختلفة.اختلال سريري هام للوظائف الاجتماعية، المدرسية أو المهنية.لا تظهر الأعراض استثناء في حالة الفصام أو أي اضطراب عصابي و يتم تفسيرها باضطراب ذهني آخر.
@و يمكن تمييز ثلاثة أنواع :
النوع الاول: ازدواجية فرط الحركة /الاندفاعية و قصور الانتباه. لستة أشهر على الاقل.
النوع الثاني : هيمنة قصور الانتباه بدون وجود فرط الحركة /الاندفاعية لستة أشهر على الاقل.
النوع الثالث : هيمنة فرط الحركة /الاندفاعية لستة أشهر على الاقل بدون وجود قصور الانتباه.
فرضيات علم الأعصاب حول TDAH :
هناك فرضيات بيو-كيميائية (فائض في الدوبامين) و نقص نشاط القشرة الدماغية و اختلال في البنيات الدماغية (thalamus et hypothalamus) و التكوين الملتوي او حتى مدة نضج الفص الجبهي… كلها فرضيات تناوبت في تفسير اضطراب قصور الانتباه و فرط الحركة.
في الوقت الراهن يتجه الشك نحو خلل مستمر في الفصوص الجبهية التي قد تكون سببا في ضعف المراقبة الكابحة في القشرة الدماغية الجبهية. كما اعترف المجتمع العلمي بدور التخطيط، الجبهي في اضطراب قصور الانتباه و فرط الحركة بعد سنوات من البحث Rubia2013، و كشفت دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي IRMF دور القشرة الدماغ insulaire في المراقبة المعرفية العالية المستوى و السيرورة الانتباهية Menon et Uddin 2020
فرضيات علم النفس العصبي حول TDAH.
@ نموذج الخلل الجبهي :
ساهم علم النفس العصبي في تعميق الفهم لاضطراب فرط الحركة و قصور الانتباه TDAH. و من بين أهم المجالات التي بهذا الحقل مجلة Mattes سنة 1980 التي لا تزال محافظة على راهنيته و مواكبتها.
و قد استحضر Mattes في مقاله كل الأعراض التي تميز فرط الحركة عند الطفل و المراهق ( اندفاعية، سوء تخطيط، سوء تقدير، تشتت…) ثم قام بتقريب تمظهرات سلوكية مماثلة تمت ملاحظتها عند بعض المصابين بتلف على مستوى الجهة الجبهية، و بحث في كل الفرضيات ذات الأصل النورو-تشريحي و النورو-كيميائي، و استنتج في الاخير ان عبارة اضطراب قصور الانتباه و فرط الحركة ضيقة و مقيدة بالمقارنة مع الغنى السيميولوجي الذي يقدمه هذا الاضطراب.، و اقترح تعوضها باسم “اختلال الفص الجبهي”.
:
@ نموذج قصور كبح السلوك و الوظائف التنفيذية عند” باركلي“:
استعرض Barkly 1997. نموذجه النظري حول TDAH حاول من خلاله إدماج المعطيات النوروسيكولوجية للوظائف التنفيذية ،و أسس نموذجا مختلطا hybride يشمل كل من النموذج الأولي للغة عند الإنسان و الحيوان ل Bronowski1967 و نظرية القشرة الدماغية الجبهية ل Fuster 1997.
بالنسبة لباركلي فإن الوظائف التنفيذية مشتركة مع قدرات كبح السلوكات تعمل على خلق تنقيل مراقبة السلوكات الخاضعة لمحيط خارجي اتجاه مراقبة السلوك المُؤمَّنة من طرف تمثلات داخلية للمعلومات .
و برهن باركلي أن TDAH يرتبط بشكل قوي بالمتلازمة الجبهية. و حسب باركلي قد يكون القصور الابتدائي primaire ل TDAH قصورا في كبح السلوكات التي تسبب فقدان نجاعة أربعة وظائف تنفيذية حددها كالآتي:
ذاكرة العمل/اللغة المستوعبة/الضبط الذاتي للعواطف و التحفيز و الصرامة/ إعادة التشكيل.
و انتهى باركلي إلى أن قصور الانتباه لا يقوم على نفس الأسس التي يقوم عليها فرط الحركة مع قلة الانتباه. فبالنسبة القصور الانتباه فإن الإصابه تهم الانتباه الانتقائي و الانتباه المُبَؤر focalisé بينما في فرط الحركة فإن الامر يهم الانتقاء المدعم الذي تختلف أسسه النورولوجية.
المقاربة العلاجية التي يجب اعتمادها لفائذة TDAH :
يجب توعية المتدخلين لفائدة الأطفال و الشباب الذي يعانون من خلل dysfonctionnement أو مشكل في النضج الجبهي، بالطبيعة النورولوجية الثابثة التي لا يتحمل الطفل مسؤوليتها، و بالتالي يجب تجنب تحميله جسامة وضعية الفوضى النورولوجية . بالمقابل يجب إرساء تدخلات ملائمة لخصوصيته.
و رغم أن الأمر قد يتعلق بقصور دائم بسبب النمو المتأخر للباحات الجبهية ،فيمكن ان يسمح السيرورات الميطا معرفية الضرورية لتطوير استراتيجيات فعالة يمكنها تقويض هذا القصور.
و إذ لا يمكن تسريع النضج النورولوجي يجب التحلي بالصبر و دعم الطفل بمواكبة و تأطير بيداغوجي يختلف عن ذلك الذي نوليه لبقية الأطفال من نفس السن. و يجب الاعتماد على علاج مركز على تعديل السلوك غير المرغوب فيه، مع الأخد بعين الاعتبار لخصوصية شخصية الطفل و محيطه و يمكن تحقيق ذلك مثلا بالاعتماد على العلاج المعرفي السلوكي TCC لمساعدة الطفل و اسرته.
اقتراحات و توصيات من أجل حسن تدبير TDAH :
من أجل مساعدة المدرسين و أولياء الأمور نقترح حزمة من التوصيات لفائدة الأطفال TDAH، و هي عبارة عن مقترحات يمكنها أن تساهم في التدبير الجيد للسلوكات و يمكن إضافة مقترحات عامة للتأطير الجيد للطفل ، و هذه لائحة التوصيات المتعلقة بمساعدة الأطفال TDAH حسب المستويات الآتية:
أولا: مستوى الرسالة السمعية و الوضعيات التواصلية:
&تقليل عدد التعليمات الموجهة دفعة واحدة.
&توجيه كلام واضح بإيقاع معتدل مع الوقف لتسهيل الفهم.
& التركيز على الكلمات المفتاح.
&التأكد من الفهم قبل تغيير الموضوع مع الطلب من الطفل تلخيص ما فهمه أو ما أنجزه.
& إثارة انتباه الطفل قبل الحديث إليه مع التأكد أنه ينظر و يستمع إلى محدثه.
& مراقبة توزيع المجهود الانتباهي بخلق تناوب بين مراحل العمل المكثف مع لحظات استراحة.
&مكافأة الطفل عند إحرازه أي تقدم و لو كان طفيفا (تشجيع لفظي، أو ملصقات….)
&تجنب تقسيم انتباهه كأن نطلب منه الكتابة و نحن نتحدث بجانبه أو و هو جالس أمام الشاشة…
ثانيا : على مستوى الاستراتيجيات التعويضية التي نرغب في تمنيتها لذا الطفل:
& تشجيع الطفل على التعبير عن عدم فهمه، و على طلب التأني في الشرح أو الحصول على تفسير إضافي.
&في وسط الضجيج نقنع الطفل بأنه لكي يفهم جيدا عليه أن ينظر إلى مخاطبه (قراءة الشفتين، و لغة الجسم..)
& تشجيع الطفل على اختيار مكانه في كل الأوساط و التقليل من ضجيج الحماس و الاقتراب من المخاطر.
& تعليم الطفل كيف يتصور قصة مسموعة بواسطة الخيال.
& الاشتغال على القدرات السمعية للطفل.
& تشجيع الطفل ليكون صبورا أمام مهمة أو تعليمة و ان يفكر قبل أن يتكلم و ان لا يجيب عشوائية.
& تعليم الطفل استراتيجيات الذاكرة.
ثالثا : مستوى المحيط الصوتي :
& تأمين مقعد مناسب في القسم (قريب من الاستاذ و بعيد عن مصادر الضجيج النوافذ..).
& اختيار مكان هادئ في المنزل بعيد عن كل أشكال الإلهاء (كلام، ضجيج، تلفاز، نوافذ…)
& التحكم في مستوى الضجيج في القسم و فرض الهدوء أثناء حصة الإملاء َع تعليمات تفسيرية شفوية.
رابعا : توصيات أخرى :
&مساعدة الطفل على إرساء علاقة بين صعوبة التعلمات و مشاكل الانتباه و الاندفاعية في المهام المدرسية.
& إرساء نظام تعزيز إيجابي مع مواكبة يومية للطفل (مدرسة/ولي الأمر، على شكل تواصل مكتوب يواكب التطور)، كما يعمل التعزيز الإيجابي على تحسين ثقة الطفل بنفسه.
&التقليل من طول الأنشطة في حدود الإمكان لتفادي إرهاق التلميذ بمهام غير منتجة.
& الرفع من منسوب تقدير الذات بإعداد أنشطة تمكن الطفل من الكشف عن مواهبه الخاصة.
& اعتماد التشجيع و التنويه، و منح التغذية الراجعة و التعزيز الفوري للإنجازات حتى الصغيرة منها، و توقع سحب الامتيازات(التعزيز) فور خرق القواعد.
& وضع نظام خاص للمكافأة و تغيير شكله بانتظام.
& تحديد نقاط قوة الطفل و مجالات اهتماماته الخاصة من أجل استثمارها.
&الإكثار من فرص التثمين و التقليل من عدد الأهداف، ثم الرفع منها تدريجيا من أجل وضع تحد قابل لإنجاز.
& تعويد التلميذ على كتابة المهام التي سيقوم بها.
برنامج التدخل في الوظائف الانتباهية و الميطا معرفية PIFAM:
تم أخيرا تطوير برنامج تدخل لتيسير نمو الوظائف الانتباهية و الميطامعرفية Lussier 2014. و ينبثق البرنامج الذي اقترحه مركز تأهيل المقاربة النوروسيكولوجية من فكرة مفادها أم TDAH يرتبط بمشكل تدبير الموارد الانتباهية ذات الطبيعة التنفيذية أكثر من كونه اضطراب قدرة محددة للانتباه و يقوم على :
1: نموذج نظري يولي النظام الجبهي أهمية أساسية في الميكانيزمات الانتباهية.
2: مبادئ إعادة التنظيم الوظيفي وفق سيرورة من الأعلى إلى الأسفل ( Top-down strategy) التي تستدعي اساسا البعد الميطامعرفي. و تتخد المعالجة شكل ورشات-مختبرية تتيح للمشاركين فرصة فهم الميكانيزمات الانتباهية ، و تحديد خصوصية قصورهم و البحث في تجريب مختلف أدوات التدبير الذهني. و قد تم إرساء هذا البرنامج من أجل تحيين الإمكانيات الميطامعرفية للطفل و تيسير تطوير مهاراته في الضبط الذاتي autorégulation السلوكي و المعرفي (حوار داخلي، تحكم في الاندفاع، مقاومة الإلهاء، تدبير المعلومات….) و يستهدف إكساب استراتيجيات تعلم ناجعة و تعميممها على مختلف أنواع الأنشطة.
يتم تشخيص كل وظيفة معرفية (تقديمها على شكل شخصية مجازية) حيث أن عددا من هذه الشخصيات مقتبس من نموذج “Gagné.1999 “Reflecto”.
و يستمر التشخيص على امتداد الورشات مستمدا بعض مفردات من مرجع الطفل (وظائف و مهن..) و يتم إرساء روابط مفاهيمية لنقل المعارف من مجال إلى مجال، أي من المهن إلى الوظائف التنفيذية. و يستعمل البرنامج المجازات الآتية : رئيس العمال (تدبير الزمن و موارده) ، المحقق (الانتباه) امين المكتبة (التصنيف و استراتيجيات الترميز)، النجار (المعالجة المقطعية و إنجاز التمارين)، المراقب (الكبح)……
تمتد الأنشطة ساعة و نصف على امتداد 12 اسبوعا لفائذة مجموعات صغيرة من 10و 14 سنة ، يؤطرهم متدخلان.
المقاربة الدوائية :
من جهته سلط التقييم النوروسيكولوجي الضوء على الاندفاعية و فرط الحركة التي تعرقل التعلمات و التنشئة الاجتماعية و تقدير الذات. لكن اقتراح تناول الأدوية يجب أن يكون مجرد مكمل لمقاربات أخرى. لان الدواء قد يفسح المجال أمام الاستفادة من المقاربات المعرفية أو السلوكية لأنه يساعد على الاستعداد لمختلف مقترحات تحسين الظروف.
و بالتالي تبقى المقاربة المتعددة الأوجه هي الأفضل على مستوى المدى البعيد، علما أن الهيجان الحركي قد يتناقص عند المرور إلى مرحلة المراهقة. إذ يمكن للشاب نسج علاقات اجتماعية ملائمة مع أقرانه و تحسين جودة حياته، عكس الشباب الذين لم يستفيدوا من مقاربة علاجية في طفولتهم، لترافقهم صورة سلبية عن أنفسهم يمكن أن تسبب لهم مشاكل سلوكية ثانوية بالإضافة إلى خصوصيتهم النورولوجية.