العمليات المهنية في التربية-النفسية.



يوسف العزوزي

تحيل العمليات المهنية على منهجية ممارسة و خبرة أخصائي التربية-النفسية التي تم تطويرها في زمن التربية-النفسية “التقليدية”و تم تشكيلها في فترة الاتصال المباشر في “المعاش المتقاسم” الذي كان يمثل قاعدة تدخل التربية-النفسية و أسس لمصداقية أخصائي التربية-النفسية أمام باقي المتدخلين في المجال النفسي الاجتماعي le blanc 2004 Gendreau2001 Renou 1998 Tessier 1998.
بعيدا عن الإصلاح القانوني و الإداري و التشريعي الذي عدل غايات تدخل أخصائي التربية-النفسية و ظروف ممارسته في مجالات تدخله، لازالت العمليات المهنية تميز تدخل التربية-النفسية.
أكد Daigle 2016 أن العمليات المهنية تشكل لبنة أساسية في خصوصية تدخل أخصائي التربية-النفسية التي يتناولها هذا المقال من خلال خصوصية كل واحدة من العمليات المهنية و مثال موضح لتطبيقاتها.

1 خصوصية كل واحدة من العمليات المهنية:
ارتبطت مفهمة العمليات المهنية بالنصف الأول من الثمانينات Dionne 1991 و عددها ثمانية الملاحظة، التقييم، التدخل القبلي، التخطيط، التنظيم ،التنشيط ،الاستعمال، التقييم قبل التدخل. Puskas et al 2012. و تشكل منهجية ممارسة أصلية قابلة للتطبيق في مجموع قطاعات التربية-النفسية، مقترنة بمكونات وسط التدخل أو أي نشاط تربوي-نفسي le blanc 2014.
و حسب Renou 2014 فإن خصوصية كل واحدة من العمليات الذهنية تناسب التعريف الذي وضعه Gendreau 2001. و خلاصة القول فإن استعمال العمليات المهنية يستهدف غاية تدخل أخصائي التربية-النفسية و هي التكيف في علاقته بالإمكانيات التكيفية PAD للشخص في وضعية صعوبة التكيف و الإمكانيات التجريبية PEX المرتبطة بالموارد الذي يوفرها المحيط.
و فيما يلي خصوصية كل واحدة من هذه العمليات المهنية القابلة للتطبيق لفائذة كل الزبائن الذي يطلبون خدمات أخصائي التربية-النفسية.

1-1 الملاحظة :

يستهدف تدخل التربية النفسية التصدي لسؤال كيفية تصرف أشخاص أو أعضاء أسرة أو مجموعة أو منظمة إزاء أنفسهم و إزاء أشخاص يتعاملون معهم من أجل تلبية حاجاتهم المختلفة.
لأجله هذه الغاية تشكل الملاحظة الحلقة الأولى ضمن حزمة من العمليات المهنية التي كانت تُنجز في سياق “العيش المتقاسم” (الملاحظة المشاركة).
أما اليوم فإن الملاحظة يقوم بها أخصائي التربية-النفسية و تكون في بعض الأحيان ملاحظة مشاركة،و في أغلب الأحيان مباشرة أو غير مباشرة، نسقية، أو منقولة Daigle et al 2018 ، و يجب أن تستند هذه العملية على تفويض متفق عليه.
و لكي تكون فعالة يجب أن تقوم على تركيزات و سياقات ملاحظة متنوعة مناسبة مع التفاعلات المتعلقة بالإشكالية المطروحة.
إذن تستهدف الملاحظات التفاعلات البنيوية أو العلائقية. ترتبط الملاحظة المتعلقة بالتفاعلات البنيوية بسلوكات الزبون في الأوساط التي يتطور فيها، و توضح هذه الملاحظات ردود فعل الزبون المرتبطة بإكراهات الأهداف المسطرة حسب الزمن المخصص لتحقيقها في الأماكن التي تضعف دافعيته و القواعد الملزم باحترامها و المسؤوليات التي يتحملها و الصيغ المعتمدة في تقييمه.
و ترتبط الملاحظات المتعلقة بالتفاعلات العلائقية بردود الأفعال السلوكية للزبون في علاقته بمجموع الفاعلين و مختلف أوساط عيشه (الوالدين، الأطفال، المربين المتخصصين ،أخصائيي العلاج الوظيفي،أخصائيي التربية-النفسية…)
مجمل القول أن التفاعلات العلائقية و البنيوية تعود إلى المواقف المعبر عنها من طرف الزبون على امتداد السيرورة التي تهدف إلى تغيير السلوكات المنشودة Renou 2018.
إذن الملاحظة هي الفحص الدقيق للتفاعلات من أجل تمييز الأكثر دلالة منها حسب التفويض المتفق عليه، و الحجة التي تعلله.. وصفها بموضوعية و تقاسمها مع الفاعلين المعنيين بالإشكالية موضوع التدخل مع الحفاظ على توافقهم مع الوقائع.
كما أن اللجوء إلى الملاحظة (المشارِكة،المباشرة،غير المشارِكة،غير المباشرةالنسقية، أو المنقولة).
يعود إلى الأخصائي تحديد نوع الملاحظة الأنسب لجمع المعطيات السريرية المتميزة بالصرامة و القدرة على الإضاءة، بهدف توثيق التفاعلات البنائية و العلائقية الملائمة لرصد صعوبات التكيف و القدرات التكيفية لشخص أو أسرة أو مجموعة… و تستمد هذه العملية المهنية أهميتها من أثرها على تصميم باقي العمليات المهنية.

2-1تقييم ما قبل التدخل:

تهدف هذه العملية المهنية إلى إعطاء معنى لمختلف الملاحظات التي جمعها أخصائي التربية-النفسية، و بناءا عليها يضع الفرضيات التفسيرية التي تتوخي البحث عن العلاقات المحتملة بين السلوكات الملاحَظة و طبيعة الإشكالية قيد الإختبار.
يعمل الأخصائي إذن على تأويل المعلومات التي حصل عليها استنادا إلى المقاربة النظرية التي يفضل ، و من بينها النموذج السلوكي المعرفي ،و الإنساني الوجودي ، و النموذج السيكودينامي التحليلي، و النموذج السيكوباطولوجي النمائي. “Ordre des psychoeducateur et psychoeducatrice du Québec 2018 ” OPPQ”.
على الأخصائي أن يأخد بعين الاعتبار ذاتيته، معتقداته، إنفعالاته، تجاربه المهنية و الشخصية Gendreau2001.
و بذلك يتبع هدفين متكاملين : الحفاظ على الطابع الواقعي للوقائع الملاحَظة و المساهمة في توضيح معنى الإشكالية المُختبرة. و أخيراً فإن الأساس المنطقي لتأويله يستدعي بيان الحكم السيريري(المهني) الذي يشكل سيرورة تم تحديد مراحلها في المبادئ التوجيهية للتقييم التربوي-النفسي للشخص في وضعية صعوبة التكيف OPPQ2014.
و على قاعدة التفويض المتفق عليه تنص هذه الوثيقة على أن هذه العملية المهنية يمكن إنجازها بمساعدة نوعين متكاملين من التقييم :التقييم الوظيفي و التقييم المعياري.
يقوم التقويم الوظيفي على تجميع الملاحظات المحصل عليها من مختلف الموارد لتحديد وظيفة السلوكات الإشكالية. أما التقييم المعياري فيلجأ إلى أدوات القياس المقننة لتحديد طبيعة و خطورة السلوك الإشكالي على قاعدة المقارنة بدلالة السن و النوع و الخلفية الثقافية للشخص في وضعية صعوبة التكيف مع احترام القواعد المهنية عند نهاية سيرورة التحليل المعمق، الذي يخول لأخصائي التربية-النفسية التعبير عن رأيه المهني الذي يفيد ب 1) خطورة الرهان النمائي الذي يواجه الشخص ،الاسرة، المجموعة، أو المنظمة،. 2) القدرات التكيفية التي يمكن أن تساهم في استيعاب و تقليص الصعوبات التكيفية. 3)موارد المحيط الممكن مساهمتها في تدبير استزادة التوازن التكيفي.
يستهدف الإطار المرجعي للكفاءات المرتبطة بممارسة مهنة التربية-النفسية بالكيبيكOPPQ2018 بشكل خاص المتطلبات المتعلقة بتملك هذه العملية المهنية بتفصيل الكفاءات التي يجب على الأخصائي التحكم فيها لممارسة مهنية عالية.
عندما يسمح التقييم قبل التدخل بإعطاء معنى لوظيفة السلوك الإشكالي و يرصد القدرات التكيفية للزبون و موارد المحيط يصبح في وضع يتيح له تخطيط التدخل التربوي-النفسي القابل للأجرأة.

3-1التخطيط:

بناءا على المعطيات السريرية للتقييم قبل التدخل يقترح أخصائي التربية-النفسية أهدافا واضحة ،واقعية متسقة مع فهمه لمعنى إشكالية السلوك موضوع التحليل.
و يحدد هرم الأهداف حسب الأولويات، و يضع الوسائل الناجعة لتحقيقها و المعايير التي تسمح بتفعيل ما من شأنه الاستجابة للحاجيات التكيفية. بالارتكاز على المكتسبات النمائية للزبون.
يقوم أخصائي التربية-النفسية بأجراة الأهداف المرصودة من خلال التحديات السلوكية، و يتأكد بأن الأهداف المسطرة و الوسائل المقترحة تهم الزبون.
و علاقة بالوسائل المختارة يحدد الأخصائي ما يعتزم دفع الزبون للقيام به (مضمون/برنامج). و يحدد الصيغ التي تبدو له مناسبة لإنجاز التعلمات المستهدفة (وسائل تحقيق التفاعل) ،كما يحدد المقاييس المرتبطة بالزمن (اللحظة /المدة) و الفضاء (المكان)، و يضع قواعد للاشتغال (القواعد/الإجراءات) و يحدد المسؤولية التي يجب على الزبون أن يتحملها(نسق المسؤولية) ،و يضع معايير النجاح المعبرة عن تحقق الهدف(نسق التقييم و الاعتراف) Gendreau 2001.
كما يجب على الأخصائي التأكد من أن التحدي السلوكي يدعم دافعية الزبون للتعلم خصوصا في الحالات التي لا تشكل فيها الأهداف فارقا بين ما هو مطلوب منه و خلق مستوى من الملاءمة بينهما Pronovost2013.
إجمالا؛ حسب السياق الذي يتدخل فيه، يشكل أخصائي التربية-النفسية العناصر المكونة لتخطيطه في إطار خطة تدخل أو خطة خدمات فردية.
كما يمكنه تحديد عناصر تخطيطه حسب توجيهات سابقة متعلقة بتفويض حصل عليه Gendreau2001. يتطلب التخطيط إذن تحديد الأهداف المسطرة مع الإشارة إلى ترتيب الأولويات (إذا وُجدت)، و يحدد الوسائل المناسبة و يضع آليات التقييم Gendreau 1995.
بالنهاية يقوم التخطيط الناجع على أعمال مركزة بين المتدخلين الطبيعيين و المهنيين، حيث تسمح المستجدات اللاحقة بضبط ترتيب الشروط المادية الناتجة عن التخطيط المنجز.

4-1 التنظيم

تستهدف هذه العملية المهنية ترتيب الشروط المادية الأكثر ملاءمة لتحقيق الأهداف المسطرة و الوسائل اللازمة لذلك ،علاقة بالسلوكات الملاحظة و المعنى الذي أُخلع عليها حسب خطة العمل المنجزة.
و يقوم هذا الترتيب على العلاقات الداخلية بين مكونات وسط العيش الذي يتطور فيه الشخص أو المجموعة أو المنظمة، التي تطلب خدمات أخصائي التربية-النفسية.
و تندرج هذه المكونات في بنية تدخل الأخصائي كما صاغه Gendreau2001 و قدمه Renou 2005 p165 ك:”نسق من العناصر في حالة تفاعل مستمر”.
يستهدف التنظيم إذن تهيئة الظروف المادية المساعدة على إنجاح مخارج تدخل التربية النفسية كما تم التخطيط لها و دعم نجاعة الوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف المسطرة و تحسين تنشيط السيرورة اللازمة للتدخل التربوي-النفسي.

5-1 التنشيط:
تستهدف هذه العملية إنعاش الترتيبات التنظيمية. و يصبح أخصائي التربية-النفسية بهذا المعنى مُيسرا للمنهجية التكيفية ، يرافق الزبون و المتدخلين الطبيعين أو المهنيين الذين يطلبون خدماته من خلال سيرورة التعلمات التي تروم تملك توازن تكيفي.
إن ثقة الأخصائي التربوي-النفسي و الاهتمام الذي يبديه اتجاه زبائنه و المتدخلين الطبيعيين أو المهنيين تشكل مواقف مساهمة في انخراطهم في الاهداف المسطرة و الوسائل المقترحة ، بحيث تدعم هذه المواقف حافزيتهم لكسب التحدي المقترح من أجل الرفع من كفاءتهم التكيفية. و يمكن للتنشيط أن يجري في سياقات فردية أو جماعية Renou 2005.
و يمكن لأخصائي التربية-النفسية من خلال هذه العملية المهنية أن يعيد تركيز الزبون على الأهداف المسطرة، و يطمئنه بخصوص الموارد الشخصية و البيئية التي يتوفر عليها، كما يمكنه تعديل الظروف المادية التي تم الاتفاق عليها في بداية التدخل التربوي-النفسي.
و في الأخير يوجه الأخصائي التنشيط بشكل يغذي العزم الذاتي لزبنائه و المتدخلين الطبيعين و المهنيين. يقوم التنشيط إذن على تفاعلات بنيوية و علائقية تتمحور حول التحولات السلوكية الناتجة عن الأهداف المتبعة. و يخلق سياقات جديدة للملاحظة تشجع تنمية العلاقات البين-شخصية، المهمة التي تشكل نقاط إرساء تمكن الزبون و المتدخلين الطبيعيين أو المهنيين من التأسيس لدعم و تنويع القدرات التكيفية المستهدفة.
إجمالا : بالإضافة إلى أن التنشيط “عملية تحفيزية مُعدية” Gendreau 2008 p144 فإنها تفيد بمؤشرات حول المسارات التي يمكن اتباعها.

6-1 الاستعمال:

في البداية يهدف أخصائي التربية-النفسية إلى تمكين زبونه من إيجاد العلاقة بين الطريقة التي يتصرف بها و أثرها على صيرورة الوضعية، إذ يمكن لهذه العلاقة أن تؤثر على الأفكار و الأحاسيس و الرهانات الاجتماعية المرتبطة بالسلوك الملاحظ، و بذلك يساعد الأخصائي زبونه على الوعي بدوره و قدراته التكيفية بعد ذلك يستهدف تمكينه من ترجمة وعيه في وضعيات مماثلة (التعميم).
الاستعمال إذن هو عملية مهنية ذات أثر رجعي تساهم لاحقا في معاش مشترك مُلاحظ أو منقول pronovost2013.
من جهته يتصور Puskaset 2012 الاستعمال سيرورة من ثلاثة مراحل، تتمحور الأولى حول استكشاف وضعية أو حدث يمكن تحفيزه بالسؤال الآتي “ماذا وقع بالضبط؟” و بناءا على كلام الزبون يمكن للأخصائي أن يساعد على إيجاد تسلسل العناصر المرتبطة بالحدث المعاش.
و تتجه المرحلة الثانية إلى اكتشاف الذات التي يغذيها البحث عن الأحداث التي يساعد من خلالها الأخصائي الزبون على فهم ما تمثله سواءا كانت أفكارا أو أهدافا، أو مشاعرت،أوو مواقفا.. ).
تستهدف المرحلة الثالثة ترجمة إعادة اكتشاف الزبون لذاته في عدة سياقات (التعميم) و السلوكات التي يرغب في تعلمها لتلبية حاجاته.
بعيدا عن خبرة أخصائي التربية-النفسية يحرك الاستعمال بشكل خاص مهاراته الشخصية و المواقف العلائقية التي تشكل المرجعية التي يستند إليها لمرافقة زبونه:(الاهتمام، الأمن ، الثقة، المسؤولية، التعاطف، الانسجام..) و كل هذه المواقف العلائقية تكتسي أهمية كبيرة لأنها تطبع علاقته بالزبون في وضعية صعوبة التكيف. في هذا السياق يساعد الأخصائي زبونه على تحقيق الألفة مع حياته الداخلية وتمكينه من القدرة على فهم تفاعلات العيش المتقاسم و تملك القدرة على التكيف Gendreau 1995 p324.
إجمالا يهدف الاستعمال إلى إرساء علاقات لفائدة الزبون (للوعي) و دعمه في تعميمها في وضعيات أخرى . في هذا السياق يندرج الاستعمال في إطار سيرورة المرافقة و يفترض في الأخصائي معرفة حسن التصرف التي تغذي لذى الزبون حسن فهم سلوكاته.

7-1التقييم بعد-التدخل :
تستهدف هذه العملية المهنية تقييم التدخل التربوي-النفسي ، و تتوجه نحو الاعتراف الموضوعي بالتدابير المهنية المنجزة، وتقوم على تحليل منهجي صارم Renou2005. عن طريق هذه العملية المهنية يختبر أخصائي التربية-النفسية مساهمة العمليات المهنية التي استعملها ؛ هل أدت الملاحظة و التقييم قبل-التدخلي إلى فهم فعال للإشكالية المتعلقة بالتفويض المننوح له؟هل ترجم التخطيط إلى أهداف واقعية ووسائل منسجمة مع القدرات التكيفية للزبون و الموارد البيئية؟ هل أثمر ترتيب الظروف المادية(التنظيم/مكونات وسط العيش) التأثير المنتظر؟ هل انخرط كل الفاعلين بفعالية؟ (التنشيط).. و علاقة بالاستعمال: هل عمل دعم الزبون على تحفيزه، و سمح له بصياغة ملاحظات حول تطوره الذاتي؟ و هل تمكن من استعمال ما تعلمه في وضعيات مماثلة؟.
يغذي إذن التقييم بعد-التدخلي اتخداد القرارات المتعلقة بضرورة التغيير الواجب إجراؤه من عدمه. و يدعو إلى التواصل بين كل الفاعلين المعنيين بتدخل التربية-النفسية.

8-1 التواصل:

التواصل هو العملية المهنية الأكثر حضورا على امتداد التدخل التربوي-النفسي، إذ يساهم في تأمين الانسجام بين التدخلات التربوية-النفسية بتوفيره المعلومات المناسبة لمباشرة الأهداف المسطرة، و يكشف عن التعديلات الضرورية إذا لزم الأمر.
تقوم هذه العملية المهنية على نوعين من التواصل؛ التواصل اللفظي و التواصل الإجمالي Gendreau 2001 ، يمكن تصريفهما حسب عدة اساليب:لفظية، كتابية، رقمية… Renou 2005.
كما يستعمل التواصل التكويني في سيرورة التفاعلات بين الأخصائي و الزبون و يجب أن يراعي (السن، النوع، الاهتمام، الكفاءة، الهشاشة… ). إذ يجب على الأخصائي أن يتأكد من أن الزبون قد استوعب كلامه.
فيما يهم التواصل الوظيفي مجموع المشاركين في التدخل التربوي-النفسي (آباء،مدرسين، معالجين، أطباء، مربيين متخصصين…) و يستهدف تبادل المعلومات و تيسير التحليل و توجيه التوصيات و تعزيز الشراكات.

2 مثال توضيحي لتطبيق العمليات المهنية :
يقدم المثال التوضيحي التالي العلاقات البينية بين العمليات المهنية الثمانية من خلال منهجية ممارسة فعلية في السياق المدرسي:
تحديد السياق: سمير طفل يبلغ من العمر 12سنة يدرس في المستوى السادس ابتدائي، اِلتحق منذ بعضة أسابيع بمدرسة جديدة إثر تغيير أبيه لمقر عمله.
هذا الأخير هاتف مدير المدرسة و أخبره بأن سمير يقوم بتصرفات عير عادية منذ بضعة أسابيع، إذ بدأ ينعزل في غرفته بشكل ملفت، يفقد شهية الأكل، يقلل من التواصل مع أفراد محيطه، علما أنه في العادة لا يتكلم كثيرا.

تساءل الأب إن كان لالتحاق إبنه بالمدرسة الجديدة علاقة بهذه السلوكات. قرر المدير إعطاء عناية لملاحظات الأب و تفويض أخصائية التربية-النفسية لتقييم الوضع.
سيرورة التدخل التربوي-النفسي : على أساس المعلومات التي قدمها المدير قررت أخصائية التربية-النفسية إعطاء الأولوية للقاء مُدرسة سمير و المربية المتخصصة، لتجميع معطيات ملاحظاتهما، بعد ذلك اتصلت الأخصائية مباشرة بسمير لإرساء أهداف التدخل (التخطيط).
عبرت المدرسة عن انشغالها بتصرفات سمير (ضعف حافزيته للدراسة)، و لاحظت أنه لا يتكلم مع زملائه في الصف و يرفض المشاركة في الأنشطة المقترحة (يبقى جالسا في مقعده لا يتحرك).
و كالعادة في مثل هذه الظروف طلبت الأخصائية من المربية المتخصصة سحب سمير من القسم إلى فضاء آخر (قاعة الموارد للتأهيل و الدعم) حيث سجلت هذه الأخيرة أن سمير ينجز المهام المدرسية المطلوبة بسرعة، إذ غالبا ما ينهي عمله قبل نهاية الوقت المحدد، فينكب في الوقت المتبقي على القراءة أو الرسم، كما أشارت المربية المتخصصة إلى أن أحد التلاميذ أخبرها بأن البعض يسخرون من سمير لأنه لا يهتم بالفتيات و الرياضة. رغم ذلك لم يناقش الأمر معها عندما أثارت معه هذا الموضوع بل فضل الصمت(ملاحظة/تواصل).
و قامت أخصائية التربية-النفسية بملاحظة سمير في مختلف السياقات المدرسية (القسم، الاستراحة، الرياضة..). كما اِلتقت به ثلاث مرات في مكتبها، فعبر عن عدم اهتمامه بمضمون المكالمة الهاتفية التي أجراها الأب و المدير(ملاحظة) .
و أدى تحليل النتائج المشار إليها أعلاه بالأخصائية إلى تسجيل العناصر الآتية:1). صعوبة بدأ محادثة مع الغير أو الاستمرار فيها(يقول سمير أنه لم يحض إلا بصديق واحد طيلة حياته).2) انزياح الاتصال البصري و غياب تعابير الوجه (لا ينظر إلى مخاطبه في عينيه). 3). اهتمام مفرط بقراءة القصص المصورة و الرسم (يعرف تاريخ كل شخصية متعلقة بالقصة و كاتبها..). 4) في السياق المدرسي نفسه يقوم سمير بالسلوك الاعتيادي في الغذاء(يأكل وحيدا ثم يتجه إلى المكتبة بحثا عن القصص المصورة) 5). لا يكثرت بسخرية زملائه. 6)التملص المتكرر من المهام المدرسية في المجموعات.
من وجهة نظر الأخصائية فإن هذا التصرف يعبر عن صعوبة التكيف في أوساط المجموعات المدرسية. و بعيدا عن افتقاد معالم المحيط الأسري عبرت أخصائية التربية-النفسية عن انشغالها بغياب رد فعل سمير الانفعالي، و مهاراته الاجتماعية (التفاعل و التواصل مع الأقران و البالغين).
أخيرا تبرر أهمية السلوكات المُلاحظة رأي الأخصائية في إجراء تحقيق معمق لتحديد دلالاتها وونطاقها(تقييم قبل-التدخل).
بحضور الفريق المدرسي أوضحت الأخصائية التربوية-النفسية فهمها للإشكالية التي تواجه سمير معبرة عن رغبتها في لقاء أبيه، لتنقل إليه الملاحظات التي تم الوقوف عليها في السياق المدرسي للحصول على معلومات إضافية في هذا الشأن.
و أضافت بأن أولوية أهدافها هي الاحتفاظ بسمير في المدرسة. في هذا السياق أوصت الفريق بالانطلاق من الأنشطة التي تثير اهتمامه (الرسم، قراءة القصص المصورة).
كما اقترحت الأخصائية على المُدرسة و المربية المتخصصة الاستراتيجيات التالية:
بداية تقوم المُدرسة بإحداث تكييف على مستوى المهام المدرسية من خلال خطة عمل متسلسل؛ مهمة+وقت حر من 10دقائق يخصصها سمير للرسم أو قراءة القصص المصورة. بعذ ذلك تقوم المربية المتخصصة إدماج سمير في برنامج المهارات الاجتماعية (مرة في الأسبوع)، و برمجة لقاءات بين سمير و التلاميذ الذين يسخرون منه (التخطيط/التنظيم).
أخيرا تشارك الأخصائية في تنشيط ورشات بمعية المربية المتخصصة بهدف وضع سمير في علاقات و ملاحظة اسلوب تفاعله مع اقرانه(تخطيط/تنشيط/ملاحظة).
بعد شهر من إرساء استراتيجية التدخل لاحظت المُدرسة أن سمير ينخرط سريعا في المهام المدرسية المطلوبة منه، مع بعض المساعدات، لكن دون أن يتطلب الأمر الانتقال إلى قاعة الموارد للتأهيل و الدعم ،مضيفة باعتزاز ما قاله سمير:”هل تلاحظين أنه كلما أسرعت في إنجاز التمارين كلما ربحث وقة أطول للرسم و قراءة القصص المصورة”
أصبحت قراءة القصص المصورة محفزا مهما في الوقت الذي لاحظت فيه المربية المتخصصة تقدم سمير في التواصل مع زملائه و أضحى يقبل تدريجيا الاقتراب منهم (تقييم بعد-التدخل).
قررت أخصائية التربية-النفسية و المُدرسة و المربية المتخصصة مجتمعات برمجة تدخلات تسمح لسمير بإدراك التقدم الذي أحرزه منذ التحاقه بالمدرسة (الاستعمال)، كما تقاسمت الأخصائية حالة تطور سمير مع أبيه، كما لاحظ هذا الأخير تغييرا في مواقف ابنه في المنزل. في المقابل بقي ضعف تفاعل سمير يشغل الأخصائية التربوية – النفسية و الأب ،و أظهر سمير موافقته لزيارة طبيب نفسي للأطفال لتعميق البحث في موضوع التفاعل(تواصل/تقييم بعد- التدخل).