الكفايات الانفعالية


الكفايات الانفعالية.

Les compétences émotionnelles

Moimo Mikolejezak
DUNOD 2020
P: 1…7

ترجمة يوسف العزوزي :
مقدمة :
بعدما اعتبرت منذ زمن بعيد بمثابة ظواهر مشوشة على العقل، ارتقت أخيرا الانفعالات “LES ÉMOTIONS” لتحتل مكانة مرموقة، عندما سلطت عليها الأبحاث العلمية الضوء في القرن 20 من خلال الوظائف الأساسية التي تقوم بها خدمة لتكيف الإنسان في محيطه.

فبفضل الانفعالات يمكننا استشعار الخطر و تهييء الإنسان عضويا لمواجهة سلسلة من الوضعيات، و تسريع و توجيه سيرورة اتخاد القرار، كما تقود الانفعالات التفاعلات الاجتماعية و تنمي ذاكرة الأحداث المهمة.
و إذا كانت النظريات المعاصرة تركز على الطابع الوظيفي للانفعالات، فمن السهل الوقوف على استنتاج مفاده أنها لا تحافظ دائما على هذا الطابع، إذ يمكن للغضب أن يدفعك إلى قول ما قد تندم عليه لاحقا، و يمكن للغيرة أن تثير سلوكات أنانية تذهب بك إلى اقتناء أثاث بثمن يتجاوز إمكانياتك… و تعج الحياة اليومية بأمثلة لانفعالات يحتمل أن تكون مختلة الوظيفة.

كيف نوفق إذن بين الأبحاث التي تركز على الطابع الوظيفي التكييفي للانفعالات و تلك التي نُحمِّلها وزر المشاكل و الارتباكات السيكولوجية؟. و يأتي الجواب من خلال مفهوم الكفايات الانفعالية. فالأفراد يملكون القدرة لتحديد انفعالاتهم و استخراج قيمة المعلومات التي تمدهم بها، و ضبطها إذا لم تكن مناسبة مع السياق، وإذا كانت لذيهم كفايات انفعالية جيدة.
أبحاث كثيرة دعمت هذا التصور و أظهرت أن ضعف الكفايات الانفعالية يقترن باحتمال متزايد للإصابة باضطرابات نفسية في العلاقات الإجتماعية و الزوجية، و ضعف التحصيل الدراسي، و تدني الأداء المهني.
كما يتسبب ضعف الكفايات الانفعالية بمجموعة من الأمراض الجسدية كمرض السكر و الاضطرابات الهضمية و أمراض الشرايين التاجية، كما ابانت دراسات أخرى أن ضعف الكفايات الانفعالية يقترن كذلك باحتمالات متزايدة في الوفاة.
[

نشأة مفهوم الكفايات الانفعالية:
رغم أن بداية الاهتمام بالكفايات الانفعالية كانت في عشرينات القرن الماضي إلا أن البحث فيها لم يزدهر إلا في التسعينات، بعد نشأة مفهوم “الذكاء الانفعالي” و هو مصطلح مركب هجين لأن هناك من اعتبر في البداية أنه يحمل تناقضا، أي أنه مركب من مفهومين متناقضين، لأن الذكاء ارتبط تقليديا بالعقل بينما ارتبطت الانفعالات بالشغف و اللاعقلانية.
و يحيل مفهوم الكفايات الانفعالية إلى فكرة القدرة على تحديد و فهم و تدبير استعمال انفعالات الأنا و الآخر.

و من بين الرواد الأوائل الذين أسسوا لمفهوم الكفايات الانفعالية “تورندايك thorndike” الذي أكد على أهمية مهارة تحديد الحالة الداخلية و تدبير سلوك الأنا و الآخر و التعامل مع الآخر على قاعدة معرفتي بالمعلومات التي استقيتها من معرفتي الباطنية.
كما اقترح” غاردينر Gardiner” تعزيز معامل الذكاءQI بالذكاء الداخلي” intrapersonnelle” و الذكاء البين-شخصي “interpersonnelle” و عَرف الأول : بأنه معرفة باطنية” introspective de soi” كالإحساس بالحياة، تجربة الانفعالات، القدرة على توجيه التصرفات.. و عَرف الثاني: بالقدرة على استشعار ما يميز الأفراد و خصوصا اختلاف المزاج و الطبع و التحفيز و الانتباه. و يسمح الذكاء البين-شخصي باستشعار مشاعر و رغبات الآخر و لو لم يصرح بها.
وقد عبدت هذه الفكرة طريقها لذى المجتمع العلمي و قادت ” 1990 Mayer et Salovey ” إلى اقتراح مفهوم الذكاء الانفعالي و يعني به القدرة على التفكير في موضوع الانفعالات و استعمالها لإغناء الأفكار، و من بينها القدرة على تعريف الانفعالات و تدبيرها.
و كان هذا المفهوم يتجه إلى الاحتضار لولا أن أعاد بعثه” Daniel Goleman”صحافي علمي آنذاك من خلال كتابه “الذكاء الانفعالي:1995” الذي حقق نجاحا تجاوز التوقعات و جعله من أشهر كتب القرن العشرين.

 

 نحو تعريف الكفايات الانفعالية:
تتعدد الكفايات الانفعالية و تختلف طبيعتها حسب النماذج، و يصعب وضعها تحت يافطة تعريف متفق عليه بالإجماع. و هذا الوضع ليس بالغريب إذا علمنا أن عشرات السنوات من البحث في موضوع الذكاء دون أن تنتهي بتحديد تعريف موحد له يحظى بالإجماع، نفس الشيء يمكن قوله عن تعريف الشخصية و غيرها.
و رغم الاختلاف المتعلق بالإجماع حول مفهوم الكفايات الانفعالية، يلتف الجميع حول فكرة تدبير إنفعالات الأنا و الآخر، و يمكن الاعتماد على الرتب الخمس الآتية باعتبارها مفاصل تسمح بالانتقال عبر مكونات الكفايات الانفعالية:
1 التحديد.. Identicatification :
أن تكتسب القدرة على تحديد إنفعالاتك ( intra) و إنفعالات الآخر ( inter).
2الفهم.. Compréhension :
إن تفهم توابع إنفعالاتك و إنفعالات الآخر.
3 التعبير..        Expression:
أن تكون قادرا على التعبير عن إنفعالاتك بشكل مقبول اجتماعيا، و أن تسمح للآخر بالتعبير عن إنفعالاته.
4الضبط.. La régulation :
أن تكون قادرا على تدبير التوتر و إنفعالاتك عندما تكون هذه الأخيرة في غير محلها و غير منسجمة مع السياق، و أن تكون قادرا على تدبير توتر الآخر.
5 الاستعمال.. L’utilisation:
 أن تستعمل إنفعالاتك للرفع من النجاعة على مستوى التفكير و القرارات و الأفعال ( intra). و استعمال إنفعالات الآخر للرفع من نجاعته على مستوى التفكير و القرارات و الأفعال (inter).
و تتوزع هذه الكفايات على ثلاثة مستويات هي: المعارف، المهارات، الاستعداد.
المستوى الأول : المعارف.
يحيل على معارف الفرد الضمنية. الصريحة حول كل من الأبعاد الخمسة، و إذا أخدنا مثال بُعد “الضبط la régulation” فإنه يتضمن المعارف التي يتوفر عليها الفرد إزاء نجاعة مختلف استراتيجيات تدبير الانفعال. فقد أظهرت الأبحاث بأن الأفراد يختلفون وفقا لهذا الموضوع، فيوجد من لا يعرفون مثلا أنهم أمام وضعية صعبة. و من النجاعة إعادة التقييم الإيجابي لهذه الوضعية بدل البحث عن حجب الانفعال.
المستوى الثاني: المهارات:
يتناسب هذا المستوى مع قدرة الفرد على تطبيق معارفه في وضعيات انفعالية. و عودة إلى الضبط الانفعالي فإن مستوى المهارات يناسب قدرة الفرد على تطبيق استراتيجية معينة.

المستوى الثالث : الاستعداد:
يحيل هذا المستوى على ميول أو نزوع الفرد للتصرف بهذه الطريقة أو تلك في الوضعيات الانفعالية بشكل عام. و عندما يكون عند الشخص استعداد لإعادة التقييم الإيجابي في الوضعيات السلبية فإنه يستعمل هذه الاستراتيجية عند كل حاجة.

تتفاعل هذه المستويات من الكفايات لكنها لا تترابط إلا بشكل متواضع، كما أن المعارف لا تتحول دائما إلى مهارات، خصوصا تلك لا تُستعمل بشكل يومي.فيمكننا أن نعرف أن أفضل استراتيجية للتقليل من التوتر قبل الامتحان هي إعادة تقييم الوضعية بشكل إيجابي، و رغم ذلك فإن تطبيق ذلك يبقى خارج القدرة لأن التمرين لم يكن يوميا.

و لا تقتصر صلاحية التمييز بين المستويات الثلاثة على الجانب النظري، لأن أهمية هذا النموذج تمتد على الاقل في انخراطين تطبيقيين كبيرين.
الانخراط الاول:
يهم التشخيص  الممارسين (مدربون، مكونون، أو معالجون…) الذين يواجهون شخصا يعاني من خلل في الكفايات الانفعالية و يلزمهم تحديد ما إذا كان أصل المشكل المسبب للخلل على مستوى المعارف أو في صعوبة استعمال المعارف كمهارات في المعاش اليومي.

الانخراط الثاني : يهم التكوين:
طالما أن المعارف لا تتحول تلقائيا إلى مهارات، و أن المهارات لا تستعمل بشكل يومي، فيجب أن تشمل المتابعة أي تكوين على مستوى ممارسة المهارات في الجانب التطبيقي ليتسم هذا التكوين بالنجاعة و تتسم الكفايات الانفعالية بالفعالية.