طرق تشخيص المرض النفسي


Guide clinique de thérapie comportrmental cognitive
Pr: Ovide Fontaine /Philippe Fontaine
(ReTZ_2011)

P:58-58-60-61-62-63-64-65

 طرق تشخيص المرض النفسي :

ترجمة : يوسف العزوزي

مقدمة:
يستلزم التدخل من أجل العلاج النفسي علاقة بين فردين من خلال حوار ثنائي يؤسس للبحث في إيجاد حل المشاكل النفسية، و تأتي هذه العلاقة بناءا على طلب دعم خاص لتجربة شخصية ذاتية إما لحرمان أو  اضطراب في الوظائف النفسية أو أي شيء يشكل مشكلا يؤثر على السير العادي للحياة اليومية بشكل غير مفهوم و مستمر.

و يتعلق الطلب بشكل صريح بأسباب المشكل و استمراره رغم محاولة أو عدم محاولة إيجاد الحلول.
يتساءل المعالج عند إرسائه للتقرير حول طبيعة و أسباب المشكل المطروح قبل اقتراح الحلول الخاصة، و تندرج أسئلته ضمن إحدى طرق التشخيص من خلال:
_استقبل المعطيات المتعلقة بالسوابق المرضية.
_صياغة الفرضية التفسيرية.
_وضع استراتيجية المعالجة لتحقيق هدف أو أهداف محددة بشكل واضح.
_تقييم أثر المعالجة.
و تستلزم كل مرحلة نشاطا معرفيا لمعالجة المعلومات، حيث يحدد الاستنتاج طبيعة الطرائق الممكن اتباعها، و تستمر حاليا دراسة و تحليل مشاكل الصحة الذهنية و مستلهمة من المقاربات الثلاثة الآتية:

الَمقاربة الطبية، المقاربة السيكو دينامية ، المقاربة السلوكية المعرفية . و تمتلك هذه المقاربات خصوصيات تميزها على المستوى المنهجي و النظري، مع الإشارة إلى التباين الإيبيستيمولوجي الأساسي بين المقاربتين الطبية و المعرفية السلوكية من جهة و المقاربة السيكو دينامية من جهة أخرى.
فتتأسس الأولى و الثانية على العقل التجريبي في دراسة الظواهر الإنسانية. بينما يقوم النموذج السيكودينامي على منطق العلوم الهيرمينوطيقية التي تقوم على الفهم و التفسير لا على البرهان التجريبي.

طرق التشخيص:

المقاربة الطبية:

أ) المقاربة الطبية و المرض:
تقوم المقاربة الطبية على المفهوم الفيزيوباطولوجي أو ” الباسطوري” للمرض، حيث تشكل الأعراض عنصرا قابلا للملاحظة يحيل على معطيات غير ظاهرة و يكون شاهدا عليها.   و يمثل المرض خللا لأحد أعضاء النظام العضوي، و يعود السبب إلى عامل بيولوجي محدد أو غير محدد.
و تصف الفرضية التفسيرية بالخصوص علاقة السببية الخطية بين الأعراض و الفيزيوباطولوجيا، ثم بين هذه الأخيرة و الوصفة الدوائية التي تهدف إلى جعل النظام الجسمي يستعيد وضعيته الصحية السابقة.

ب) المقاربة الطبية و الأمراض السيكوباطولوجية:
يصطدم النموذج الطبي في المجال السيكوباطولوجي بواقع الرمال المتحركة للاضطرابات و المعاناة و تغيير الأوصاف السريرية، بالإضافة إلى كثرة النتائج الوظيفية”conséquences fonctionnelles” و طبيعة تشابك المحددات المحتملة، التي قد يقود استعمالها إلى إلى قوائم أسماء مكونات متلازمات تستوجب البحث في روابطها “corrélations” مع العوامل البيولوجية، و يرجع بناء الفرضيات التفسيرية إلى مفهوم المرض ووضع المتغيرات السيكولوجية أو متغيرات المحيط في خانة الظواهر العارضة “epiphénomenes” و عوامل الاستعداد.

المقاربة السيكو دينامية :

أ) مبادئ المقاربة السيكودينامية:
سواءا استندت المقاربة السيكو دينامية إلى هذا المثن النظري أو ذاك، فهي تعتمد على الفهم الكلي (globale) للوظافة العادية و الباطولوجية. فاللنفس و الاضطرابات و المعاناة أعراضا تشهد على الخلل (صراع نفسي، داخلي) و تحمل الآلة النفسية أسباب ذلك حسب تموقعها في التاريخ النمائي للفرد.

و تذهب صيغ و طرق التشخيص إلى التقليل أو التغيير التام للأسئلة المباشرة، و تقوم السوابق المرضية أساسا على تحليل معنى الأعراض و استثمار الأحداث الداخلية (الحياة الخيالية) و على الماضي البعيد للشخص ، دون أن يكون لنمط العيش و الشروط الوجودية أهمية كبيرة (مجرد كماليات).
فالفرضيات تحدد كما في المجال الطبي، فالفرضيات التفسيرية تحدد كما في النموذج الطبي علاقات السببية الخطية :الأعراض هي تمظهر الصراع الداخلي النفسي على مستوى الآلة النفسية التي يعود أصلها إلى طبيعة و قوة الوحدة اللاشعور ية في مرحلة مبكرة.
ب) تحليل نقدي:
تنتظم التدخلات أو تُشتق من منهجية واحدة (القواعد الأساسية) مُحددة من طرف  أب مؤسس وضع خصائص جوهرية تهم فئة عريضة من الاضطرابات و تقوم مصداقيتها على الرأي التوافقي للمُستعملين. و يصبح الأثر نتيجة تفعيل الوعي بفضل الصيع العلاقاتية للميكانيزمات اللاشعورية مصدر الخلل الوظيفي بالآلة النفسية.
وتتميز مالعجة المحددات اللاشعورية بالعمق لأن كل معالجة سطحية لا يمكن إلا أن تحيل على أعراض بديلة.
و يُستبعد التقييم النقدي للمعالجة، إذ يرجع الفضل إلى المعالج و منهجيته و نموذجه النظري ، فين حين يعزى غياب أثر العلاج إلى المريض و مقاومة آلته النفسية. و تسمح هذه القراءة المتميزة بتفادي مساءلة التأويلات، المعالجة، و ملاءمة النظرية.
بتفضيله تحليل معنى التصرفات و الآلة النفسية يهمل النموذج السيكودينامي ملاحظة المعطيات السلوكية و شروط المحيط، و يُجمد السلوك بتصنيفه عَرَضا “symptomatique” ، و يُعتم على دراسة التفاعلات بين الذات و محيطها.

المقاربة المعرفية السلوكية:
مبادئ المقاربة المعرفية السلوكية:
تفرض المقاربة المعرفية السلوكية تطبيق المنطق التجريبي لدراسة التصرفات البشرية، غايتها شرح و تفسير نشأة و تطور و استمرار المشاكل (الاضطرابات، المشقة) مع تحديد العلاقات السببية مع الأحداث الداخلية و الخارجية، و تبحث عن قوانين الظواهر الملاحظة بشكل يمكن من السيطرة على هذه الظواهر و التنبؤ بها في ظروف معينة.
على ضوء مبدء قياس الأفعال تعتمد منهجية التشخيص على الملاحظة و تقييم مشاكل معاش الشخص (هنا/و الآن)، أساليبه، شروطه الوجودية بالإضافة إلى الأحداث البيولوجية و السيكولوجية و الاجتماعية التي طبعت ماضيه. علما أنه لا يمكننا تصنيف هذه المشاكل في خانة الأعراض و تفييئها”nosographie” لأنها ثانوية و تكميلية، فالهدف الأساسي يتعلق بدراسة :كيف و لماذا؟ يعيش الشخص هذه المشاكل في سياق محدد. و يجب أن يكتسي الحوار مع المريض طابع التقارب و التفهم و التشارك و الملاءة مع أسلوبه.

تتميز السيرورة التفسيرية بالاستطراد و لا تستهدف إلا بعض مظاهر الذات، دون أن تدعي التحكم في شموليتها ووحدتها.
و لا ترتبط هذه السيرورة بمثن نظري بعينه لكنها تستند إلى نماذج مختلفة، تلك المتطورة بدلالة المعارف العلمية المستنتجة من الأبحاث السريرية و الأساسية في علم النفس.
فبعد التأكيد على النشأة الاجتماعية و السيكولوجية الاضطرابات ، تندرج المفاهيم الراهنة في رؤية بيو-نفسية اجتماعية ، تذهب إلى البحث في علاقات السببية بأثر رجعي، و تتميز هذه العلاقات بالتفاعلات الثابتة المعقدة و الدورية بين المحددات البيولوجية و السيكولوجية و الاجتماعية. و لا تعتبر الخلاصات بداهات أو يقينيات و لكنها فرضيات للمراقبة و التعديل.

المُعالجات و تقييمها :
تعتمد التدخلات على طرق معالجة مصادق عليها تجريبيا و تم اختيارها ثم فردنتها حسب خصوصية المشاكل و الفرضيات و الأهداف و المميزات الفردية. و يمكن استعمال بعضها على التوازي أو التوالي لدى الشخص عينه، و لا يمكن اعتبار التدخل دواءا و لكنه وسيلة خاصة مساعدة للشخص على تغيير بعض مظاهر وظافته. كما أن انتهاء المشاكل لا يشكل إلا مؤشرا للتغيير المنشود لتنتقل المسؤولية إلى الشخص ليراقب نفسه بنفسه.
يكتسي تقييم أثر المعالجة أهمية كبرى بالنسبة للشخص و مستقبله ليتأكد من نجاعة الطريقة و ملاءمتها و جدوى التحليل و الفرضيات، كما يجب على المعالج تنمية روحه النقدية و زيادة معارفه و تطوير كفاياته.

مناقشة:
تتأسس منهجية التشخيص المعرفي السلوكي على نفس القواعد الإبستيمولوجية التي تقوم عليها المقاربة الطبية ، و بما أن منطق الشك مهم في استكمال العلمية فإن هذه المنهجية تدقق في تمييز مستويات الأهداف و الصيغ و السوابق و الخطاطات التفسيرية و استراتيجيات المعالجة.
وتتميز المقاربة السيكو دينامية عن المقاربتين الأخرتين في بنائها الإبستيمولوجية ، و استبعادها للمعارف العلمية وونماذجها النظرية المرجعية من السوابق إلى التقييم مع وجود بعض التشابه مع النموذج الطبي.
و يعتمد معظم المعالجين بشكل أو بآخر على إحدى هذه المقاربات التشخيصية الثلاثة دون أن يعني ذلك أنهم يتبنونها حصريا، إذ يمكن حسب كل حالة أن يلجأ المعالج إلى المنطق الاستطرادي “discursif” كما يمكن اللجوء إلى التدخل بالحدس و التأويل.