مفاهيم قاعة الموارد 7 : مراحل التأهيل و محيطه.


يوسف العزوزي :  أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم بمديرية تازة. 

تستوجب مستجدات التربية الدامجة الدخول في علاقة دينامية مع الأستاذة و المربين و أولياء أمور التلاميذ و تصميم جسر تواصل بين الفاعل التربوي التعليمي و العلوم العصبية و مختلف المستجدات العلمية ذات الصلة.، مع النأي بالنفس عن محاولة إثبات علمية هذا المنهج أو ذاك لأن هذا الدور من اختصاص هيئات علمية متخصصة، فالأهم هو استثمار الفهم العلمي و الاكتشافات الحديثة في تطوير المنتوج البيداغوجي و تكييفه مع خصوصيات المتعلمين و البحث في ملاءمة وضعيات التعلم.
أنا لست متخصصا في العلوم العصبية  و لكنني أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم ، مهمتي تنسيق العلاقة بين ما يتعلق بمهنة البيداغوجي التربوي (أستاذ التعلمات الأساس) و مهنة الطبيب و الأخصائيين و الأخصائيين النفسيين على اختلاف ابعادهم العلمية، و في هذا السياق تبرز الحاجة إلى مواكبة آخر الأبحاث و العلوم ذات الصلة (العلوم المعرفية، علم الاجتماع التربوي ،علم النفس ، العلوم العصبية، علم النفس العصبي، علم النفس السلوكي ، تحليل السلوك التطبيقي علم النفس الايجابي…..)

مفاهيم قاعة الموارد 7 : مراحل التأهيل و محيطه.

مراحل التكفل في التأهيل المعرفي:
بشكل عام يتكون التدخل المعرفي من ثلاثة محاور متتالية يسمح الأول بإعداد التأهيل، و الثاني بأجرأته، و الثالث بتقييمه.
1 إعداد التأهيل:
في البداية لا بد من تقييم نوروسيكولوجي و وظيفي يتوخيان تحديد العجز المعرفي لذى الطفل و انعكاساته على الحياة اليومية، و تكتسي ضرورة هذه المرحلة أهميتها من كونها تسمح بتحديد و ترتيب أولويات الوظائف المعرفية الواجب التكفل بها.
و يرتبط اختيار المسار المستهدف بأهمية أثره في الحياة اليومية من جهة و بالنموذج النورومعرفي المعتمد في التكفل من جهة أخرى، و عادة ما يفضل المعالجون البدء من الوظائف الأدنى قبل الاهتمام بالمسرات المعقدة في المستوى الأعلى.
و يسمح التقييم النفسي عصبي و اختيار الوظائف موضوع التأهيل بالمصادقة على نوع المقاربة المستعملة في التكفل، أي المقاربة الاستدراكية أو التعويضية المفترض تحقيقها للنتائج المنتظرة وفق أهداف التدخل العلاجي.
و في هذه المرحلة يجب على المتدخل و المستفيد أن يحددا الأهداف الملموسة للتكفل و يجب أن تكون هذه الأهداف واقعية و محفزة و قابلة للقياس.
2 أجرأة التدخل :
يبدأ تنفيذ التدخل التأهيلي بحصص “نفس-تربوية” تقترح على الطفل و أسرته و الأشخاص المعنيين بالتكفل تفسيرات تهم المسار المعرفي و أدواره و تفاعلاتهم المنتظرة  و مهامهم اليومية.
بعذ ذلك يتم اقتراح تمارين تأهيل الاضطراب المعرفي و المهام و الاستراتيجيات المعتمدة من طرف المتدخل. و من أجل تثمين الفوائد المكتسبة من التكفل يجب الاهتمام بالكفايات الضرورية للحياة إلى اليومية و تطويرها، و لتحقيق ذلك يجب اقتراح مجموعة من المهام و التمارين المنزلية لاستهداف نفس الكفايات المسطرة في التدخل.
كما يجب أن يكون زمن التدخل ووثيرته كافيان لتحقيق هذا التطور، مع الحرص على تجاوز أساليب التأهيل الكلاسيكية المتمثلة في حصص أسبوعية متفرقة بين أخصائيي تقويم النطق و النفسي الحركي و النفسي… لأجل ذلك يقترح بعض المهنيون اعتماد مقاربة مندمجة لتكوين الأشخاص ذوي العلاقة اليومية بالطفل (الأسرة، مرافق الحياة اليومية، المربية، المدرس،) ليصبحوا مدربين معرفيين مساعدين للطفل. و بالنسبة لهؤلاء المهنيين يستحسن الاشتغال على تحقيق أهداف التأهيل خلال اليوم كله في سياق الروتينات اليومية الحقيقية.
3  التقييم :
و أخيرا على المعالج الساهر على تنفيذ التدخل أن يقوم بتقييم أثر تدخله على المستويين الفوري و البعيد الأمد، و لذلك يجب أن يتخذ عدة تدابير تسمح بعملية تقييم المسار المعرفي المُستهدف بالتأهيل بالإضافة إلى تقييم أنشطة الحياة اليومية و كذا مدا ملاءمة التمارين المقترحة و القدرة على إعادة تكييفها حسب الصعوبات المُواجهة.
الحصيلة الأولية.. Bilan initial :
تعتبر الحصيلة الأولية مرحلة رئيسية في التدخل، و يجب أن تشمل تقييم نوروسيكولوجي و تقييم وظيفي يسمح بتحليل معطياة الحياة اليومية ذات العلاقة بالموضوع.
1 الحصيلة النوروسيكولوجية

bilan neuropsychologique :
للحصيلة النوروسيكولوجية عدة أهداف، فهي تقف على الاشتغال المعرفي للشخص في زمن مُعطى، و تحدد نقاط قوته و ضعفه و انعكاس عجز وظائفه المعرفية على الحياة اليومية.
و يكون التقييم الأولى شاملا يتكون من وسائل معيارية تسمح بتحديد تمثلات حول الفعالية الفكرية(intellectuelle) للطفل. و تتميز أهمية هذه المرحلة بكونها تسمح بتحليل كل عناصر التقييم و اختيار الاختبارات الملائمة للمستوى النمائي، و اختيار استراتيجيات التكفل وفق قدرات الطفل.
كما يتم استكمال تقييم الفعالية الفكرية الإجمالية بحصيلة ” bilan “تستهدف بشكل خاص بعض المسارات المعرفية. مستندة إلى معايير الحساسية و الدقة و الصلاحية.
الحصيلة الوظيفية.. Bilan fonctionnel :

 

بالموازاة مع التقييم المعرفي المنجز من طرف الأخصائي النفسي عصبي، يجب تحليل بعض المظاهر و الوظائف الأخرى قبل بدء التدخل.

أولا يجب أن نفهم أثر الاضطراب المعرفي على الوظائف المستخدمة في الحياة اليومية، و لتحقيق هذا الهدف يلجأ الفاحص إلى مقابلة أو استمارة خاصة موجهة إلى الطفل أو أسرته أو محيطه (مدرس، مربي، معالج.. ).
و يسمح التقييم الوظيفي بتمييز الصعوبات المواجهة في الحياة اليومية و تفريد الاستراتيجيات التعويضية المناسبة، كما يقترح مقياسي تقدير الذات و جودة الحياة قبل و بعد التدخل.
كما يمكن تقييم تقييم الوظائف حسب مختلف الأخصائيين المهنيين قبل و بعد التدخل لتحليل أثر التكفل، و يمكن اقتراح تقييم إيكولوجي من طرف أخصائي العلاج الوظيفي (ergothérapeute) لتحليل صعوبات إنجاز مهام الحياة اليومية و ربطها بالاضطرابات المعرفية المسجلة، بالإضافة إلى مقوم النطق للتقييم و التدخل في اللغة الشفوية و المكتوبة، و الأخصائي الحسي الحركي من أجل كل ما له علاقة بالحركات العامة و الدقيقة.
و أخيرا المدرسون ، من خلال الاستعانة بخبرتهم في مجال الصعوبات اليومية و تشجيع الأنشطة المنزلية. و في جميع الحالات يجب تجنب تقسيم الطفل بين عدة تخصصات متناثرة و العمل بالمقابل على إيجاد أهداف مشتركة يشتغل عليها كل المختصين في انسجام و تكامل من خلال المشروع البيداغوجي الفردي (مثلا) .
الاضطراب المعرفي و المحيط trouble cognitif et environnement :
التأهيل المعرفي و المحيط: إطار عام.

يتجلى أحد رهانات التأهيل المعرفي للطفل على مستوى انعكاسات الاضطراب المعرفي في المحيط (environnement) ،بسبب العجز المعرفي المرافق الذي يحد من أنشطة المعنى بالأمر في الوسط الأسرى أو الثقافي أو السوسيولوجي أو الأكاديمي المدرسي.
فاضطرابات اللغة الشفوية مثلا تشكل أرضا غير خصبة لنمو الطفل على مستوى الأنشطة في المجموعات لأنها تعرقل التفاعل و التواصل و تحد من قدرات التعلم الاجتماعي.
يجب إذن على الأخصائي تحديد التأهيل المعرفي بناءا على أثر الاضطراب المعرفي في الوسط الاجتماعي أو المدرسي… في أفق تدخل تأهيلي و تعويضي. و تميز منظمة الصحة العالمية بين(CIF2001_ CIM10 2009)بين :
أ) :العجز على مستوى العضو أو المسار المعرفي (مثلا عجز الكبح المؤكد في تقرير طبي).
ب) :عدم القدرة لذى الشخص على مستوى  تقويض قدرات إنجاز أنشطته الحياتية اليومية.
ج) : الإعاقة على مستوى المجتمع الذي لا يعمل على  توفير ما يسمح بإنجاز هذه  الأنشطة.
و يساهم هذا التمييز في التفريق بين ثلاثة محاور للتدخل المعرفي بتفريد أهداف خاصة و إجرائية تستهدف :
1: العجز المؤدي إلى الخلل الوظيفي.
2:عدم القدرة التي تستهدف أثر العجز في المهام المعرفية الخاصة.
3: الإعاقة التي تشير إلى صعوبات التكييف في الوسط.
و يساعد هذا التصنيف أخصائي التأهيل على اختيار أهداف واقعية و مُكَيفة في تدخله.
مثلا في حالة اضطراب الانتباه يمكن تحديد أثر عجز الكبح”inhibition” في إنجاز الواجبات في المدرسة، و هي وضعية تستدعي كبح مجموعة من المعلومات الغير الضرورية  التي يمكن أن تسبب وضعية الإعاقة.

الاضطرابات المعرفية و المحيط المدرسي:
اعتبارا لأهمية انعكاسات الاضطرابات المعرفية على التعلمات المدرسية وجب التركيز على الوسط المدرسي و التأهيل المعرفي المتعلق به من أجل الحد من انعكاسات هذه الاضطرابات.
و تفترض بعض الوضعيات توفير آليات المساعدة، كتقديم المساعدة البشرية (مرافق الحياة المدرسية.،AVS..) كما ينص القرار الوزاري 19-47 المتعلق بالتربية الدامجة على تعميم قاعات الموارد للتأهيل و الدعم و يشير إلى أهمية الفريق المتعدد التخصصات، و تقديم وقت إضافي و تكييف الامتحانات و الفروض و التعلمات، و هذه إجراءات ترتبط بتهييء الترتيبات المتعلقة بالمحيط المدرسي.
و لا تقتضي المقاربة التعويضية أن نطلب مثلا  من طفل حامل لاضطراب عجز الانتباه أن ينتبه أكثر. بل يجب إرساء استراتيجيات معرفية فعالة، مع إدراك أهمية مبدأ التعويض بالنسبة للمهنيين و الأسر و ضرورة إبداع طرق و مسالك لتجاوز الاضطراب المعرفي، مع اجتناب التركيز على  الوظائف المعرفية العاجزة دون إهمال تمرينها.