علم النفس العصبي و أهمية التمييز بين “اضطراب” و “صعوبة” التعلم


يوسف العزوزي:

أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم بتازة و رئيس جمعية دعم التربية الدامجة و إعلام الحياة. 
تعتبر الباحثة “ميشيل مازو” أن فهم الوظائف المعرفية وتفاعلاتها البينية يندرج في صميم علم النفس العصبي المتعلق بالاضطرابات الخاصة بالتعلمات بشكل يجعل علاقة المعرفة و علم النفس العصبي و التعلمات حلقات غير قابلة للانفصال بين الحالتين النمطية و المرضية.
فعندما نمشي أو نتحدث أو نكتب أو نقود السيارة أو  نرتدي ثيابنا أو نحتفظ بذكرياتنا أو نقطع شرائح اللحم أو نعبر الطريق أو نشاهد برنامجا ترفيهيا متلفزا بشكل أوتوماتيكي، بدون بدل أي مجهود انتباهي نقوم بذلك بدقة و مهارة و بطريقة ملائمة و مناسبة رغم أن الأمر يتعلق بعمليات في شدة التعقيد، لكن دماغنا يتكفل بذلك دون حاجة إلى مراقبة حضور الوعي في كل مرحلة من مراحل أي مهمة من هذه المهام.
لكن كيف تشتغل و تنتظم و تضبط هذه العمليات؟ ماهي الميكانيزمات الخفية وراء هذا الإنجاز؟ ما هي البنيات المسؤولة عن ذلك؟ ما هي العلاقة بين الدماغ و نظامه الخاص و وظائف التفكير المسماة وظائف معرفية؟.
تتركز هذه الأسئلة في قلب اهتمامات علوم الأعصاب و يتم تداولها في المجال الطبي من خلال علم النفس العصبي الذي يعتني  بالحالات المرضية و  يشارك في فهم وظيفة الدماغ العادي. و يركز علم النفس العصبي للطفل على دينامية النمو من خلال عدة مظاهر ك :
التسلسل الزمني النمو: الذي يرى ان سيرورة النمو تمر عبر مراحل متتالية تعتمد منطق التطور من البسيط إلى المعقد و من المحسوس إلى المجرد.
نظام النمو: الذي تطرقت له عدة نظريات بحثت في دينامية النمو كنظرية بياجي و نظرية فيكوكسكي إذ جاءت كل واحدة منهما بتصور خاص بنموذج النمو مع تقاطع النظريتين في عدة جوانب .
التعلم الأكاديمي:
إن عمل سيرورة “إعادة التدوير العصبي” يقوم على ظاهرة لدونة الدماغ التي تعكس ليونة النظام العصبي بالنسبة للترابطات الجديدة بين الأعصاب وزيادة نجاعة بعضها و تفكك الغير المستعملة منها بشكل يرفع قدرة الشبكات العصبية على إعادة تنظيم نفسها تحت تأثير التجارب و التدريب، ما يشكل عاملا للتعلمات من خلال:
معالجة المثيرات و تسليط الانتباه عليها و استخراجها من المحيط سواءا تعلق الأمر بكلام أو صورة أو رسم أو جدول.. أي مجموع الحوامل المدرسية.
إجراء الاشتغال المفهمي الذي تتطلبه عملية التخزين في الذاكرة من خلال ربط علاقات المعنى أو التماثل بالإضافة إلى الاستنتاج و الفهم في وضعيات تعليمية تقوم على مواجهة المعلومات الجديدة و اعتماد عمليات البناء و الهدم و حل المشكلات.في هذا السياق فإن أي فشل محتمل أو عطب يستدعي من علم لنفس العصبي تحديد ما يلي :

*إذا كان السبب يتعلق باضطراب “DYS” أو لا.
* أذا كان الأمر كذلك ما هو القصور المرتبط به؟
*معرفك انعكاس على عمل الوظائف المعرفية أو مؤشرات التعلمات المدرسية.
* التعاون بين مختلف المتدخلين ( أسرة ، مدرسة، معالجين).

تشخيص اضطرابات التعلم : معيار الاستبعاد.

ترتبط معايير التشخيص بما يواجهه الأطباء المختصون من حالات للصعوبات التي غالبا ما تشكل موضع خلط في السنوات الأخيرة بين الصعوبات و الاضطرابات.  فمع تزايد وثيرة الصعوبات الدراسية تزايدت نسبة الخلط بين صعوبات التعلم و اضطرابات التعلم ” les DYS” و ساهم في الدفع بتحديد الإجراءات الضرورية للتعامل مع هذه الاضطرابات لذى المدرسين و السلطات التربوية، و رفع من جهة أخرى الضغط على البنيات المعنية والمهنيين المختصين بعلم النفس العصبي للطفل على قلتهم.
تحيل الصعوبات الدراسية (صعوبات التعلم) على أسباب ذات علاقة بالمحيط الأسرى و المدرسي و الاجتماعي للطفل (المحيط الخارجي) بعيدا عن الصعوبات الدائمة DYS، و قد تكون الصعوبات الدراسية نتيجة لتراكم ممارسات بيداغوجية غير ملائمة لأنها تعاقب المتعثرين عوض دعمهم.

Screenshot_20210227_184404
في حين تظهر اضطرابات التعلم نتيجة لخلل ذي طبيعة جوهرية (داخلية) مرتبطة بالنمو العصبي للطفل. و ينطوي التمييز بين الاضطراب و الصعوبة على أهمية بالغة، لأن اختيار العدة المنهجية المساعدة على التدخل لا تنهل من نفس الحقل، إذ يرتبط التدخل في حالة الصعوبة بالميدان النفس اجتماعي و/أو البيداغوجي و بالنسبة للاضطراب DYS يكون التدخل طبيا أو شبه طبي.
الصعوبة كضعف للموهبة:
قد يترتب ضعف أداء بعض التلاميذ عن غياب التحفيز و/أو ضعف الموهبة في مجال بعينه، لأن الناس بشكل عام لا يتوفرون على الكفاءة القصوى في كل المجالات، بل يتميز بعضهم عن البعض الآخر بمواهب محددة و العكس صحيح في مجالات أخرى، و يشكل الجميع فسيفساء يبين زخرفها الاختلاف بين قدرات الأفراد، فمنهم من يتفوق في الرياضيات و منهم من يتفوق في اللغة أو الرسم أو الفلسفة أو الحركة.
الصعوبة و المحيط السوسي تربوي:
تلعب “علبة العدة” المبرمجة جينيا عند الرضع دورا مهما في تحفيز التبادلات مع المحيط الذي يؤثر بشكل كبير من خلال الوسط العاطفي أو الاجتماعي أو الثقافي الذي ينمو فيه الطفل تحت تأثير ممارسات ضارة أو مرضية، و هذا ما يفسر دور الظروف السوسيوتربوية أو العاطفية أو البيداغوجي في ضعف الأداء التربوي أو التأخر في هذا المجال أو ذاك.

المرجع:

 Neuropsychologie et troubles des apprentissages chez l enfant du développement aux DYS

Par: Michèle Mazeau

بتصرف