أهمية العلاج المعرفي السلوكي في التوحد و القصور الذهني.


ل:Ayman Murad2017

ترجمة :وسف العزوزي(بتصرف)

تشهد وثيرة المعارف حول اضطراب طيف التوحد تطورا تعكسه كثافة الدراسات العلمية و طرق التكفل بشكل ملفت على المستوى العالمي، علما أن الطفل التوحدي يبقى توحديا طيلة حياته ، بل تزداد حاجاته حيث تجد أسرته صعوبة في تدبير واقع الحياة ،و قد تنتاب المهنيين المتدخلين حيرة في اختيار المواكبة الملائمة لخصوصياته و محيطه و الأنشطة المساعدة على إحراز تقدم في الاستقلالية و اختيار التكوينات و الأنشطة المهنية المكيفة مع تقدم السن.
في نفس الآن ما تزال الفئة التي تعاني من التأخر الذهني (بدون توحد) من فقر على مستوى الخطاب العلمي بالمقارنة مع ذلك الذي حظي به اضطراب طيف التوحد،و بالتالي يمكن لهذه الفئة أن تستفيد من الترتيبات و المرافقة المخصصة لاضطراب طيف التوحد.

أهمية العلاج المعرفي السلوكي في مواكبة التوحد و القصور الذهني.:

يمكن لتعميم العلاج المعرفي السلوكي (السلوكية السريرية) أن يحمل قيمة إضافية وازنة للمهنيين و العملاء الذين كانوا أطفالا و أصبحوا باغلين مقبلين على مراحل عمرية متقدمة.
حيث لا تكفي الإرادة القوية للمهنيين و لا تكوينهم الأولي (المقاربة النمائية) لمواجهة رحلة المواكبة لأن حاجيات الإعاقة الذهنية و اضطراب طيف التوحد تتغير بتغير منعرجات وومنحدوات مسار هذه الرحلة.
هذا لأن الأشخاص ذوي القصور الذهني و اضطراب طيف التوحد أكثر عرضة للاضطرابات النفسية كالاكتئاب و القلق و الغضب الانفجاري ، في هذا السياق تُذَكر منظمة الصحة العالمية بأن أفراد هاته الفئة يمكن أن يصابوا بأي اضطراب نفسي بمعدل أربعة أضعاف مقارنة مع باقي الأشخاص، و سيكون من المؤسف حرمانهم من علاج نفسي TCC أُثبت فاعليه لذى عموم الناس.
هكذا يشكل استعمال العلاج المعرفي السلوكي لمساعدة الأشخاص ذوي TSA و DI رهانات كبيرا للصحة العمومية. ناهيك عن البعد الأخلاقي الذي يلزم المعالج النفسي الحامل لمسؤولية التخفيف من المعاناة النفسية للكائن البشري مهما كانت خصوصية كفاياته المعرفية و التواصلية الاجتماعية.

لكن العلاج المعرفي السلوكي ليست عدة أدوات فقط ، بل هو طريقة خاصة لرؤية العالم و فهم الوِظافة البشرية من خلال ملاحظة ظواهر نفسية محددة من أجل صياغة فرضيات حول الميكانيزمات المتدخلة في معاناة الفرد و إرساء علاج قابل للتقيم بتعاون العميل و محيطه. و يسمى هذا الإجراء بالمفهمة Conceptualisation أو التحليل الوظيفي L’analyse fonctionnelle الذي يسمح لنا بالفهم على ضوء هذه الرؤية العلمية.
و في مجال البحث العلمي لازالت المعطيات العلمية حول استعمال TCC ضعيفة ،رغم تسليط الضوء على قدرات الأشخاص ذوي القصور الذهني على إرساء علاقات بين التفكير و الانفعال Haddock2006 ،و لا توجد معطيات كثيرة معتمدة علميا حول استعمال العلاج المعرفي السلوكي في التأخر الذهني ،بالمقابل أثبت العلاج المعرفي السلوكي نجاعته لذى الأشخاص الحاملين للقصور الذهني الخفيف و في مجال اضطرابات السلوك و القلق أو تدبير الأعراض الذهانية الدائمة Posternak et Miller ، كما أظهر TCC فعاليته في تدبير الغضب في دراستين متعلقين بالقصور الذهني Taylor et al 2002. و يمكن إضافة المعطيات المتعلقة ببروتوكول ABA في التوحد cottraux 2015 .
رغم ذلك لا ينبغي أن تشكل قلة الدراسات عائقا أمام المتدخلين، لأن المنهجية العلمية للعلاج المعرفي السلوكي المعتمدة على التحليل الوظيفي و التقويم تجعل من كل علاج حالة متفردة بذاتها و بروتوكولا مصغرا mini protocole ، أي أن كل تدخل علاجي هو تجريب فريد أو دراسة حالة خاصة.

لماذا التوحد و الإعاقة الذهنية :

يكتسي الاهتمام بالتوحد و الإعاقة الذهنية أهميته من اعتبار أن هاتين الفئتين محرومتين من العلاج النفسي بسبب صعوبات تقنية يجب التفكير في تجاوزها بتظافر جهود مهنيي الصحة و الطب الاجتماعي المسؤولين عن الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد ، و كذا أسرهم.
فمن وجهة النظر العلمية تعلمنا السلوكية بأن القوانين التي تحكم سلوكنا هي نفسها سواءا كنا (عاديين) أو ذوي قصور ذهني أو اضطراب طيف التوحد ،حيث تصبح المعارف الدقيقة حول كل شخص مساعدة في فهم تفرده، و يصبح كل تدخل سلوكي مدخلا لفهم وضعيته الخاصة من أجل تعديل سلوكاته.
و رغم خصوصية معظم الأمثلة السريرية من جهة عدم تملك لغة وظيفية، لكن يجب العمل على صياغة تفسير قابل للاستعمال ملائم لذوي TSA الذي لا يعانون من تأخر ذهني عميق.

سؤال المصطلحات :

قد تختلف المصطلحات المستعملة في هذا الميدان بين التوحدي أو الشخص التوحدي أو العميل الحامل لاضطراب طيف التوحد أو التأخر الذهني.. إلخ.
فهناك من يرى أن هذا الجدل حول المصطلحات هو مجرد نقاش عقيم، لأن التسميات تخضع لتغير مستمر، حيث أن الأهم هو اعتبار الشخص الحامل للإعاقة إنسان أهل للاحترام، و يستحق الحياة بشكل يضمن تحسين جودة حياته بكرامة.
في هذا السياق ينتشر استعمال التأخر الذهني Retard mental بفرنسا وفق النسخة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض CIM10، أو القصور الذهني Déficience intellectuelle المستعمل في الأوساط المهنية أو الإعاقة الذهنية المستعمل في. DSM5. لكن هذه الاستعمالات تناسب واقعا سريري موجودا.
كما يتم استعمال مصطلح المعالج النفسي و العميل بشكل محايد، رغم ان تسمية العميل قد تحيل إلى معان أخرى إلا أنه يفرض نفسه حسب السياقات الراهنة التي تعتبره شخصا في حاجة إلى الرعاية الطبية أو العلاج النفسي إما للاستشفاء من مرض حاد أو لتدبير مرض مزمن أو للتخفيف من كدر ذي علاقة بإعاقة.
على العموم تضع تسمية العميل المعالج السريري أمام وضعية أخلاقية قانونية لاستعمال المعارف العلمية و التجارب السريرية الأكثر ملاءمة لمساعدة الشخص الطالب للمساعدة و محيطه.

الإعاقة و وضعيتها :

تعتمد علوم السلوك على التعلم من خلال رؤية نشيطة و متفائلة حول العلاقات بين الإنسان و بيئته، و هناك من يفضل الابتعاد عن اختزال الإعاقة في وضعية إعاقة تسجن الشخص و مساعديه في موقف ضعف يحاول من خلاله أن يكابد لتغيير هذه الوضعية و التخلص من الإعاقة، ما يمكن أن يحول بين الشخص و رغبته في التعلم و تطوير حياته . لهذا فالمقاربات السلوكية لا تستبعد خصوصية الوضعية لكنها تركز على التعلمات دون إهمال اقتراح ترتيبات المحيط.
في هذا السياق تقترح كل تدخلات العلاج المعرفي السلوكي تعلمات تساعد العميل على التكيف مع محيطه.