خلل الوظائف التنفيذية الباردة و الساخنة..



ل: Fracine lussier et al 2017
ترجمة :يوسف العزوزي.

تلعب الباحات الجبهية دورا حاسما في المستويات العليا لوِظافة السلوك الإنساني، حيث تؤثر هذه الباحات القشرية على السلوكات الاجتماعية و مراقبة تطور و تعديل الانفعالات ، و في السلوكات التكيفية و في عدد من الوظائف المُجتمعة تحت إسم الوظائف التنفيذية.
و رغم أن هذا المفهوم ظهر مع علم النفس المعرفي، إلا أنه تطور بفضل تقدم علم النفس العصبي السريري في علاقته مع وِظافة الباحات الجبهية. إن أي خلل في الوظائف الجبهية و بشكل خاص الوظائف التنفيذية يلعب دورا في نشأة La genèse اضطرابات التعلم Denckla 1996. و تلعب هذه الباحات دورا مهما في المكتسبات الأساس عند الطفل و تعلماته الأكاديمية.
و قد برهن Waber et al 2006 بأن المتغيرات النوروسيكولوجية،و بالخصوص الوظائف التنفيذية التي تفسر 40٪ من تباين نتائج التلاميذ في اختبار الغة الام و 30٪ من تباين اختبار الرياضيات.
بدأت المعارف حول أثر الإصابة الجبهية على المهارات الاجتماعية عند البالغين نهاية القرن 19 Damatio 1995 وكان يجب انتظار الأبحاث المتميزة ل Luria 1973/1978 حول التقييمات النوروسيكولوجية التي أجريت على ضحايا الحرب العالمية الثانية لإعادة إيلاء الباحات الجبهية ما تستحقه من الأهمية التي تميزها في الوقت الراهن.
كما حاول عدة باحثين حل لغز الباحة الجبهية ووضع نماذج تفسيرية لوظافتها ،منها نموذج Shallice 1982/1988 الذي تدخل في النسق الانتباهي المراقب.
إن بروز مفاهيم الإصابة العصبية الوظيفية lésions céréales fonctionnelles أو التأخر النورو-نمائي Retard Neuro développementale التي تمس سلامة الباحات الجبهية استجمعت كل مكوناتها لتسليط الضوء على التمظهرات السلوكية غير الملائمة أو المزعجة التي نلاحظها في بعض الحالات، و لا سيما
تلك المتعلقة باضطراب قصور الانتباه مع أو بدون فرط الحركة TDAH ، و اضطراب العناد و التحدي TOP ،أو اضطراب السلوك TC ، او اضطراب SGT أو اضطراب الوسواس القهري. ففي السنوات الأخيرة بتنا نعترف بأن مصدر هذه الباطالوجيات أو المتلازمات هو خلل عصبي كيميائي Neuro chimique على مستوى الباحات الجبهية.

الوظائف التنفيذية أو انبثاق المفهوم.
ظهر مفهوم الوظائف التنفيذية مع علم النفس المعرفي Pennington et wlsh 1988 ، لكن تم إغناؤه بمعطيات علم النفس العصبي ، و هي كما يدل على ذلك اسمها تسمح ببلورة تنفيذ المهام ،و بالتالي فهي مسؤولة عن كل الأنشطة المعرفية.
بالنسبة للعالم الروسي Luria فإن وحدة الوظائف التنفيذية تسمح بانبثاق التوجه نحو الفعل وفقا لهدف يجب تحقيقه، ما يستوجب تأمين خطة مناسبة و استراتيجيات.
و يميز الباحثون بين :
الأشكال السلوكية (القدرة على كبح السلوكات غير الملائمة، المرونة، و التكيف مع الوضعيات الجديدة، و غير الاعتيادية، و المراقبة الانفعالية).
الأشكال المعرفية أو الميطا معرفة : (ذاكرة العمل ، التخطيط للعمل، تنظيم الوسائل، و الضبط الذاتي أثناء التنفيذ) Gioca isquith et kenworthy2000.
و نجد في الدراسات الأخيرة التي تطرقت للوظائف التنفيذية تزايدا متصاعدا في التمييز بين الوظائف التنفيذية الساخنة و الوظاىف التنفيذية الباردة Hodel Brumbaug et Thomas 2016 التي يمكن التعبير عنها بالوظائف التنفيذية الانفعالية و الوظائف التنفيذية العقلانية على التوالي.
مع أن المعرفة الساخنة و المعرفة الباردة ظهرت في أول مرة علاقة بالمعرفة الاجتماعية من خلال وثيقة كتبها Abdelsonen 1963. علما أنه لم يشرع في استعمالها في وصف أنواع خاصة من قصور الوظائف المعرفية في علم النفس العصبي المرضى إلا حديثا.
جرت العادة في علم النفس العصبي بالتمييز بين الوظائف الواقعة في منطقة Dorso-laterale (الوظائف التنفيذية بمعنى الكلمة). وبين تلك الواقعة في منطقة Orbito-frontale ×(تغيير الشخصية، التجلي الانفعالي، الترفيه، الاندفاعية، تعذر الكبح، تعذر الانتباه، غياب الحكم الاجتماعي…).

نمو الوظائف الجبهية:

لا يظهر السلوك بمعزل عن الفيزيولوجيا، أو تنظيم الوظائف بفضل قوام عصبي-تشريحي أو تبعا له، تقوم عليه. و يمكن لأحداث مختلفة أن تقود إلى تلف هندسة الشبكة العصبية الدقيقة التي تُسبب بدورها عطلا في الاستجابات أو في السلوكات الانفعالية أو تفسح المجال أمام الهشاشة المسهلة لظهور الاضطراب النفسي.
… أظهرت الدراسات بأن الوظائف المتعلقة بالباحات الجبهية لذى البالغين ذوي الإصابات الدماغية يستقرون بشكل تدريجي خلال النمو، إذ يمكن على سبيل المثال اعتبار ضعف مهارة الطفل في كبح سلوك غير سوي نتيجة لعدم اكتمال نضج الباحات المسؤولة عن السلوك.
و أوضحت دراسات حول البالغين ذوو الإصابات الدماغية أن مصدرمثل هذه السلوكات إصابة الباحات الجبهية، و أن النمو المعقد للبنيات العصبية الجبهية يلعب دورا في نمو الوظائف التنفيذية كما هو الشأن بالنسبة للنمو الاجتماعي و العاطفي.

نمو الوظائف التنفيذية :

أعد Pennington et welsh1988 عرضا لمعطيات علم نفس النمو لتسليط الضوء على ظهور الوظائف التنفيذية عند الطفل الصغير، و تفنيد ادعاءات قديمة تقول بالنمو المتأخر لهذه الوظائف.
و حسب هذين الباحثين تبرز الوظائف التنفيذيةمن السنوات الأولى للشخص إلى المراهقة وما بعدها. ففي المرحلة قبل الإجرائية عند بياجي (2إلى 7سنوات)نلاحظ الظهور التدريجي للغة الذي يسمح في البداية بمراقبة السلوك، و في تلك المرحلة يكون التفكير غير مرن. و يصل في ما بين 7 سنوات و 10 سنوات إلى المرحلة الإجرائية الشكلية.
و رغم أن علم نفس النمو يطرح عدة أسئلة حول النظرية البياجاوية إلا أن هذه النظرية لا تزال تحافظ على راهنيتها Anderson Et jakobs2004.

القصور الجبهي :
على عكس تأكيدات Hebb 1945 التي نفت اي علاقة بين الاضطراب المعرفي و استئصال أي فص جبهي Lolectomie frontale لأن العملاء حققوا إنجازات فكريا مماثلا لإنجازهم الفكري قبل إجراء الجراحة، فإن الاختبارات السريرية أبانت عن قصور يصيب الوِظافة التنفيذية حسب الموقع الجبهي المصاب. و قد خصصت Van der l’inde et al 1999 فصلا لكل الوظائف المعرفية، و أوضحوا العلاقة بين الأنظمة الجبهية و ذاكرة العمل ،و الانتباه ، و اللغة الحركية ،و الذاكرة و حل المشكلات (المنطق) و الوِظافة التنفيذية و تغير السلوك الانفعالي، و أصبح بعد Luria لزاما إعادة النظر في المكانة التي ستتبوؤها الوظائف المعرفية العليامستقبلا.
و لا توجد كل أنواع القصور المتعلقة الباحات الجبهية المشار إليها في الكتب و الأبحاث التي تهم البالغين عند الأطفال الذين يعانون من إصابات مشابهة Linden et al 1999. لكن بعضا من هذه القصور توجد عند الأطفال و البالغين على حد السواء كعسر القراءة و عسر الكلام و عسر الرياضيات…) و يمكن للاضطرابات الجبهية أن تكون نمائية عند الأطفال، أي انها ناتجة عن عدم نضج نورولوجي أو ارتباك نوروكميائي اصاب الباحات الجبهية.

المتلازمات الجبهية :

همت مقارنة مجموعات من العملاء ذوي إصابات بمواقع مختلفة من القشرة الدماغية، لإجراء دراسات حول أثر الإصابة القشرية. و قادت الباحثين و الإكلينيكيين إلى وصف متلازمتين أساسيتين يمكن من خلالهما ملاحظة تمظهرات معرفية ،عاطفية ، و اجتماعية محددة ، بالإضافة إلى تغيرات في الشخصية قد تكون أحيانا ملفتة.
إن من شأن إصابة ثقيلة في باحة Orbito-frontale ان تعطى ملمحا منفتحا على العموم، غير ملائم، وصبياني، حيث يؤثر ذلك على حكم العميل و تصبح قراراته غير ملائمة. و تبقى التمظهرات المعرفية صامتة ،و يمكن للعملاء الأذكياء أن ينجحوا في الاختبارات المعرفية التي يخضعون إليها Luria 1973 Malloyet et coll 1995.
تَستعمل الأبحاث الحديثة عبارة الوظائف المعرفية الساخنة للإشارة إلى الوظائف التنفيذية الانفعالية للتعبير عن ملمح سلوكي مماثل لصاحب الإصابة بباحة Orbito-frontale الذي يتميز منذ الطفولة المبكرة بضعف في الضبط التحفيزي و الانفعالي Morris et Thomas 2016 بالمقابل يتميز صاحب الإصابة في باحة dorso-laterale بملمح انطوائي و لا مبالاة عامة، يمكن وصفه بالسكون الجبهي الذي يصيب الوظائف المعرفية ببطء ذهني و كسل تنفيذي . و يمكن أن تضعه الاختبارات المقننة في خانة إصابة الوظائف التنفيذية العقلانية (الباردة)

التمظهرات المعرفية و العاطفية و الاجتماعية للمتلازمات الجبهية:

1متلازمة الوظائف التنفيذية العقلانية الباردة (إفراط في الكبح) Dorso-laterale

أ) التمظهرات المعرفية:
الكسل التنفيذي.
عدم التحقق من الأنشطة.
غياب التخطيط و إعادة الاستراتيجيات.
ضعف نمذجة السلوك حسب هدف أو تعليمة.
صعوبة المرور من نشاط إلى آخر.
تصلب معرفي (صعوبة التغيير).
نقص السيولة المعرفية.

ب) التمظهرات العاطفية:

ضعف المبادرة، اللامبالاة.
الاكتئاب الزائف.
التهيج.
فقدان الحساسية اتجاه نتائج الأنشطة.
فقدان الحافزية.

ج) لتمظهرات الاجتماعية :

كسل في مبادرة السلوكات الإجتماعية.
التراجع الاجتماعي.
لا مبالاة بالآخرين و بالوضعيات.

2 متلازمة الوظائف التنفيذية الانفعالية الساخنة (خلل في الكبح)

أ) التمظهرات المعرفية :
النسيان و الارتباك.
الاندفاعية الحركية و الفكرية.
عدم التحقق.
ضعف التخطيط.
غياب الترقب.
فرط الحساسية للمثيرات المسببة للألم.
فقدان حاسة الشم.
إسهال لفظي (الميل المبالغ فيه إلى ربط الأفكار)

ب) التمظهرات الاجتماعية:
فقدان ضبط السلوكات الاجتماعية.
لا مبالاة أمام السلوكات غير المرغوبة.
سلوك أناني، صبياني، غير ناضج.
جنون العظمة، مغامرات جنسية.
سوسيوباتية مزيفة Pseudo-sociopathie.

خلاصة :

يجب على المتدخلين لذى الشباب ذوي الإختلال الوظيفي أو ضعف النضج الجبهي أن يكونوا على معرفة بالخصوصية النورولوجية للأطفال حتى يتجنبوا تحميلهم حجم ثقل مسؤولية الفوضى النورولوجية. و يعدوا تدخلات ملائمة وفق خصوصياتهم لتعويض هذا القصور.
كما لايجب انتظار النضج النورولوجي، بل يُحبدالإسراع بدعم العميل من خلال مرافقته و تقديم تأطير بيداغوجي للأسر و المهنيين المتدخلين.
و في حالة تعرض تقدير الذات لأي تقهقر ملحوظ بسبب الفشل الدراسي المتكرر يمكن الاعتماد على الدعم السيكولوجي و توجيه الأسر و المتدخلين لتأطير الطفل بالشكل الملائم.

المرجع

Fracine lussier et al 2017

Neuropsychologie de l enfant et l’adolescent
Troubles developpementaux et de l’apprentissage
3ème édition. DUNOD
P: 423..449