.
يوسف العزوزي:
تعتبر كلمة psychoéducation من المفاهيم المقترنة بميدان الصحة إلى جانب” l’éducation thérapeutique ” و يستعملان في عدة مؤلفات أجنبية و كأنهما مترادفتان، رغم أنهما متمايزتين من حيث المنشأ و الوظيفة.
و نجد ترجمتهما في الكتب العربية ضمن مروحة من العبارات كالتثقيف النفسي و التعليم النفسي و التربية النفسية و التربية السيكولوجية و التربية العلاجية… عبارات متعددة قد يضيع من خلالها تمايز العبارتين الأصليتين : psychoéducation و l’éducation thérapeutique.
قد تكون التربية العلاجية هي الأقرب إلى الصواب لترجمة عبارة l’éducation thérapeutique التي تنتمي لمجال الصحة و يسهر عليها مهنيو هذا القطاع، و تهتم بالأمراض المزمنة، و لا تطرح إشكالا لغويا عند نقلها للغة العربية.
بالمقابل أقترح” التربية العلاجية النفسية” لترجمة “la psychoéducation ” باعتبارها مهنة نشأت في كندا تتوخى تطوير القدرات التكيفية من خلال تدخل أخصائي التربية العلاجية النفسية لإيجاد توازن بين الشخص و محيطه ،و يحضر في هذه العملية الأبعاد الثلاثة للعبارة المقترحة :التربية – العلاجية- النفسية لأن الكفايات التكيفية عند الفرد ترتبط بشكل وثيق بسمات شخصيته و تأثير المحيط في بنائها و علتها أو صحتها.
التربية العلاجية L’éducation thérapeutique :
رأى مفهوم التربية العلاجية النور في بدايات سنوات 1920 مع بداية اكتشاف الأنسولين لفائذة الأشخاص المصابين بمرض السكري، إذ استوجبت الوقاية من المضاعفات الحادة أو الانتكاسية السهر على المراقبة الغذائية الصارمة و دفعت بعض المصابين إلى تغيير عاداتهم اليومية، لكن تلك الفترة عرفت خلطا بين التربية العلاجية و تبليغ المعلومات للعميل و أسرته حول موضوع المرض أو العلاج أو التغذية أو النصائح حول الحماية الصحية….. و تلك كلها معلومات يمكن اعتبارها علاجية jean-marie Revillot 2021 . قادت حاجة العميل إلى هذه المعلومات المعالجين إلى إذكاء وعليهم بالدور البيداغوجي في الوضعيات الاستشفائية، لأن الاكتفاء بتمرير المعلومات لن يجعل من العميل شخصا فاعلا في علاجاته ” Les soins” فتقديم المعلومة مجرد مرحلة يمكن أن تجعل منه مضطلعا على ما يحيط بعملية علاجه حيث تعمل التربية العلاجية على إغناء مكتسبات العميل و إشراكه في تدبرها Eymord et al 2010.
و استوجب هذا الأمر انتظار 60سنة للوصول إلى هاته الخلاصة و إدماجها في الممارسة، و فرضت صورة العميل الفاعل في صحته نفسها في مرحلة وباء فقدان المناعة المكتسب SIDA في سنوات الثمانينات.
و قد أشارت منظمة الصحة العالمية OMS سنة 1993 بأن التربية العلاجية يمكن أن تتحقق من خلال الاهتمام بالفرد و محيطه و صحته، و أيضا بمرضه و انشغالاته، محاولة تعريف للصحة كقيمة حياتية، إذ لا يمكن اختزال الجسم في بعده البيولوجي لانه مسكون و مُشَكل بتاريخ فردي Jean marie Revillot 2020.
كما اعتبرت منظمة الصحة العالمية OMS سنة 1996 التربية العلاجية جزءا مندمجا و دائما في السيرورة الاستشفائية للعميل، تتمحور حول أنشطة منظمة و دعم سيكو اجتماعي معد لفائذة العملاء لإذكاء وعيهم وتحسين معرفتهم بمرضهم و بالإجراءات الاستشفائية و الإدارية و السلوكات الصحية.
في هذا السياق تستهدف التربية العلاجية مساعدة العملاء و أسرهم على فهم المرض و سيرورة علاجه من خلال التعاون البناء و تحمل المسؤولية في الرفع من جودة الحياة. فأصبح للعميل دور أساسي في التربية العلاجية كشريك ثم كمكون Tourette-turgis 2015 يمكن الاعتراف بمكانته و دور خبرته و كفاياته التي تمكنه من الانتقال من عميل مطلع إلى مستشار ثم شريك في القرار Revillot 2019. و يبقى رهان تحقيق هذا المطمح رهان في قطاع الصحة. في السنوات القادمة.
كفايات العميل :
*التعرف على للتمظهرات الأساسية للمرض من أجل الحد من مضاعفاته.
*التعرف على أهمية العلاج و اثره.
*تطوير قدرات و تمييز و فهم المرض.
*تدبير العميل لإحتياجاته أمام الأزمات رعاية لصحته.
كفايات مقدم الرعاية الصحية Le soignant :
*القدرة على تشخيص و تدبير الأزمات.
*تعلم كيفية تمرير المعلومات المفيدة للعميل.
*مساعدة العميل على تدبير إنفعالاته في الواقف الصعبة.
*مساعدة الأقارب على تدبير المواقف الصعبة.
و تستدعي هذه المقاربة تنمية كفايات بيداغوجية غير مدرجة في تكوين مهنيي الصحة كتعلم النمذجة و التكيف و هذا ما يستدعي التحالف مع التربية العلاجية النفسية la psychoéducation و التي يمكن اعتبارها واجهة للتربية العلاجية النمائية jean-marie Revillot 2020.
و يعد مقدم الرعاية الصحية “le soignant ” الفاعل الرئيسي في برنامج التربية العلاجية دليلا للعميل في تبيان تدبير و بحث و تطوير فكرة التعاون.
برنامج التربية العلاجية للعميل
يعتبر برنامج التربية العلاجية للعميل مجموعة من الأنشطة المنسقة و المبنينة المقدمة عبر مسار ينشطه مهنيو الصحة الحاصلين على تكوين jean-marie Revillot 2020 بمساعدة العملاء ذوو الخبرة و شركاء العلاج. يخصص للأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة و أقربائهم، و يرتكز على مشروع حياة العميل بدعم المعنيين في مجالات التدخل و الطرق البيداغوجية المتنوعة و الترفيهية.
و قد اقترحت السلطة العليا للصحة HAS سنة 2007 معالم لهذا البرنامج منها :
التشخيص التربوي (بيو-طبي) للوقوف على الحاجيات الأساسية.
تخطيط الحصص الفردية و الجماعية.
تنسيق تدخلات مهنيي الصحة.
إذن تهتم التربية العلاجية بالأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، و تهدف إلى تزويد العملاء بالمعارف ذات العلاقة بهاته الأمراض و إشراكهم في اكتساب مهارات تدبيرها، حيث يقوم مهنيو الصحة بدور الفاعل و الموجه و المنسق لإنجاز برامج التربية العلاجية لفائذة العميل و أقربائه. في حين تختلف التربية العلاجية النفسية La psychoéducation في موضوع تدخلها (صعوبات التكيف) حيث المتدخل ليس طبيبا أو ممرضا ،و إنما أخصائي مهني في التربية العلاجية النفسية.
التكيف مفهوم مركزي في التربية العلاجية النفسية.
في سياق مختلف عن الأمراض المزمنة و تنشيط ورشات الوعي المرتبطة بالتربية العلاجية Education thérapeutique تتجلى ممارسة التربية العلاجية النفسية La psychoéducation في تقييم صعوبات التكيف و القدرات التكيفية و تحديد خطة تدخل و تنفيذها و متابعتها لاستعادة أو تطوير القدرات التكيفية للشخص فضلا عن تطوير ظروف المحيط بهدف التكيف الأمثل للكائن البشري في تفاعله مع محيطه jocelyne Ponovost 2013.
و قد تطور مفهوم التكيف عبر تاريخ التربية العلاجية النفسية علاقة بمختلف المقاربات النظرية التي ساهمت كل من جانبها في فهم السلوك البشري من مختلف الزوايا.
التكيف حسب مختلف المقاربات النظرية :
يعتبر تكيف الإنسان نتيجة سيرورة معقدة و مركبة بشكل يستدعي البعد البيولوجي و الوراثي و السيكولوجي و الاجتماعي و الثقافي الذي يطبع محيط الحياة. و تساهم كل هذه الأبعاد في إرساء معادلة تحكم توازن العلاقة بين الفرد و محيطه.
المقاربة التطويرية :
استعمل مصطح التكيف في العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر لتفسير تطور الكائنات، و كان مرادفا لعبارة “الحفاظ على الحياة” اي القدرة على البقاء، و احتل التكيف مكانة مهمة في المنظور التطوري المستلهم من أعمال “داروين”. و اعتُبر الإنسان النوع الأكثر قدرة على التكيف باستعمال ذكائه في مواجهة إكراهات محيطه.
المقاربة الإيطولوجية. Éthologique :
تنظم الإيطولوجيا تحليل السلوكات وفق خمس أسئلة كبرى تستهدف فهم كيفية مساهمة السلوكات في التكيف و البقاء Kummer 1979. Tinber 1974 :
1 كيف تطور السلوك عند الكائن؟ phylogénése.
2كيف تم إرساء هذا السلوك عند فرد بعينه? Ontogenèse.
3ما هي الأسباب المباشرة أو غير المباشرة لهذا السلوك؟
4 ما هي الأحداث التي تسبق و تلي السلوك الملاحظ؟ تنظيم بنية السلوكات.
5 ماهي قيمة هذا السلوك في التكيف؟ الوظيفة.
المقاربة البنائية:
حسب هذا المنظور يستلزم نمو الشخص تكيفه مع إكراهات المحيط. و يرى بياجي أن الذكاء لا يرتبط بالفرد لذاته و لا بالمحيط لذاته بل يتشكل من خلال تفاعل الفرد مع محيطه.. نتحدث هنا عن تصور بنائي للتكيف يمر حسب بياجي من الاستيعاب و الملاءمة…
المقاربة السيكو دينامية :
أسس فرود نظريته للشخصية على فكرتين أساسيتين :من جهة السلوك البشري غير محكوم بالعقل فقط بل أيضا بالغرائز العدوانية و الجنسية، من جهةثانية فإن تأثير الوعي في افكارنا أقل من تأثير اللاوعي الذي يسيطر على جل سلوكاتنا.
هكذا تفسر النظرية السيكو دينامية السلوك البشري كنتاج لقوى محركة للنفس. و منه فإن التكيف هو ما يسمح بإرساء التوازن بين مختلف هذه القوى بفضل الميكانيزمات الدفاعية.
المقاربة السلوكية و السلوكية المعرفية. :
تعتبر المقاربة السلوكية بأن تطور السلوك يمر عبر سيرورة من التعلمات. فكل سلوك سواء كان عاديا (ملائم، إيجابي، اجتماعي) أو غير عادي (غير مرغوب، مزعج، منحرف) يُتعلم و يُحدد من خلال نتائجه أو توابعه” ses conséquences “. هكذا يتطور السلوك المنحرف بالتجارب السلبية للتعلم، و بالتالي فهو لا يمثل خللا وظيفيا أو اضطراب بقدر ما هو استجابة الشروط البيئة.
و بالتالي فإن التحليل السلوكي (ABA) ينطلق من ثلاث عناصر هي السوابق و السلوك ثم النتائج. هكذا تؤثر سوابق السلوك على احتمالية ظهور السلوك و تؤثر نتائجه على احتمالية إعادة إنتاجه (تكراره) Coutur et Nadeau 2006.
دور العوامل المعرفية:
حسب A. Beck 1976 فإن السيرورات المعرفية مسؤولة عن مشاكل التكيف من خلال المعتقدات و الصور التي نكونها عن أنفسنا و عن العالم. هكذا تؤثر التشوهات المعرفية و المعتقدات غير العقلانية و الأفكار التلقائية السلبية في الطريقة التي يدرك من خلالها الشخص و يؤول الأحداث، ما قد يسبب حالات سيكوباطولوجية.
في هذا السياق طور Beck نظريته لا سيما لتفسير الاكتئاب (الشعور بالذنب، التشاؤم، الإحساس بالذنب، الإحساس بالضعف و الرفظ….) فالإدراك السلبي للذات يسبب انتظارات سلبية إزاء المستقبل.
المقاربة الإيكونسقية :
لتفسير سيرورة التكيف استلهمت المقاربة الإيكونسقية النموذج النسقي و التفاعلي للسلوكات Von Bertalan1979 كما استلهمت النموذج الإيكولوجي و رؤيته متعدد العوامل و السوسيو محيطية للسلوك الإنساني Bronfenbre uner 1979 .
و تعتبر هذه المقاربة التكيف نوعا من الحفاظ على التوازن بين الفرد و محيطه من خلال التفاعل و التأثير المتبادل بينهما.
المراجع :
Jocelyne Pronovost et Danielle Leclerc 2013 /L’observation psychoéducation concept et méthode / Beliveau éditeur
Jean Marie Revillot 2020 /Manuel d’éducation thérapeutique du patient /2 ème édition DUNOD.