أليوس كوطسو
ترجمة يوسف العزوزي
في بداية القرن العشرين برز عدة علماء يهتمون بالذكاء ك thorndike الذي نحث مفهوم الذكاء الاجتماعي و wschler، و أشاروا إلى الجانب غير المعرفي للذكاء. حيث لم يكن الذكاء الانفعالي دارجا إلا بشكل مناسباتي، و كان يجب انتظار سنة 1990 حيث برز اسم العالمين Peter Salovey و John Mayer الذين نشرا أول مقال علمي مؤسِّس للذكاء الانفعالي، ألهم بعد خمس سنوات Daniel Goldman ليروج لهذا المفهوم الذي حقق أكثر الكتب مبيعا على المستوى الدولي حول “الذكاء الانفعالي”. منذ ذلك الوقت ازدهر مفهومي “المعامل الانفعالي” و” الذكاء الانفعالي” في سوق البحث العلمي كما في مؤلفات التنمية الذاتية و تكوين التدبير المقاولات.
نماذج الذكاء الانفعالي :
تم تطوير عدة نماذج لتعريف الذكاء الانفعالي و التعمق في مفهم الاختلافات بين الأفراد على مستوى الأسلوب الذي يدبرون به إنفعالاتهم. و توجد ثلاثة نماذج لتحديد الذكاء الانفعالي هي : نموذج الكفاءة و نموذج السمات و النموذج المزدوج.
نموذج الكفاءة :
ل Peter Salovey و John Mayer الذيْن اعتبرا الذكاء الانفعالي شكلا من أشكال قدرة الفرد للاستماع إلى إنفعالاته الخاصة و انفعالات الغير و تمييزها واستثمارها في قيادة الأفكار و الأفعال John Mayer et Peter Salovey 1990. و يصبح الذكاء الانفعالي وفق ذلك ذكاءا عاما يمكن قياسه باختبارات مؤسَّسة على الإنجاز.
نموذج السمات :
يحيل على كوكبة من الاستعدادات السلوكية و الإدراكات حول الذات تتعلق بالقدرة على تعرف و معالجة و استعمال المعلومات المفعمة بالانفعالات Petrides et al 2004 و يتكون من مفاهيم مختلفة مرتبطة بمجال الشخصية كالتعاطف و الاندفاعية و تأكيد الذات. و الذكاء الانفعالي في هذا السياق سمة تقاس باستثمارات التقييم الذاتي.
النموذج المزدوج :
يعتبر الذكاء الانفعالي مزيجا من القدرات المعرفية وومظهرا من مظاهر الشخصية. و يعتبر نموذج المعامل الانفعالي ل Reuven Bar-on 2006 من النماذج الأكثر انتشارا. يعتبر الذكاء الانفعالي و الاجتماعي مجموعة من المهارات و الكفايات و الميسرات الانفعالية و الاجتماعية المتداخلة التي تحدد الفعالية التي من خلالها نعبر و نفهم الآخرين و نبني علاقات معهم و ندير وضعياتنا اليومية.
و يستحسن إدماج هذه النماذج عوض مقابلة بعضها مع البعض Mikolajczak 2009. لأن كلا منها يثري الآخر، باعتبارها أوجها مختلفة للذكاء الانفعالي. و يقترح تقديم الذكاء الانفعالي من خلال ثلاثة مستويات “
أ) مستوى المعرفة :
يتعلق بما نعرفه على انفعالاتنا، كأن نعرف بأن العدوانية يسببها الغضب، و يمكنها أن تلحق ضررا بمكانة علاقاتنا. أو نعرف بأن القلق هو نتيجة لتقييم ذاتي لتهديد متوقع محيطنا.
ب) مستوى المهارات: يتعلق بقدرة الشخص على التصرف إزاء إنفعالاته كأن يكون قادرا على التعبير عن غضبه بطريقة مقبولة في السياق الاجتماعي. أو يكون قادرا على الاسترخاء عند إحساسه بالقلق.
ج) مستوى الشخصية (العادة) :
استعداد الشخص المنتظم بشكل اعتيادي لاستشعار و إدراك و التصرف التفكير ،إذ لا يجب أن يقتصر الأمر على امتلاك المهارة فقط، و لكن ممارستها بانتظام (مثلا ألا أكتفي بتملك مهارة الاسترخاء لإدارة التوتر بل أمارسها بانتظام عند كل حاجة) .
و لكن تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين هذه المستويات ليست أوطوماتيكية. اي ان امتلاك المعارف حول انفعالاتنا لا يمكن بشكل تلقائي من تنمية المهارات، كما أن امتلاك المهارات لا يجعلنا نمارسها بشكل تلقائي، و بالتالي يجب علينا أن نطرح الأسئلة الثلاثة الآتية:
1 هل يمتلك الشخص معارف حول اتفعالاته؟
2هل لذيه القدرة (يمتلك المهارة) في وضعية انفعالية ما على فهم و تعديل انفعالاته؟
3 هل يواظب على ممارسة مهارته في تعديل سلوكه بانتظام في كل وضعية تقتضي ذلك؟
تكتسي هذه الأمثلة طابع العمومية التي تحتاج إلى التبييء حسب خصوصية الحاجة سواءا تعلق الأمر بالتوتر أو القلق….
نموذج الكفايات الانفعالية:
تحيل عبارة الذكاء الانفعالي على صورة ثابتة و مستقرة، لذلك تُفضَّل عليها عبارة “الكفايات الانفعالية” التي تعكس تمثيلا لواقع أكثر مرونة و تطورا. و قد تم إثبات صحة هذه الأفضلية بالمعطيات العلمية التي تشير إلى إمكانية تنمية هذه الكفايات عند الطفل و الراشد.
و تشمل الكفايات الانفعالية قدرة الشخص على تحديد و فهم و التعبير و استعمال و تعديل إنفعالاته و انفعالات الغير.
و ينبثق عن هذا التعريف خمسة انواع من الكفايات الانفعالية موزعة على فئتين : اولا: الكفايات المتعلقة بانفعالات الشخص ، ثانيا : الكفايات المتعلقة بانفعالات الغير.
منذ 1993 ركزت منظمة الصحة العالمية OMS على هذه الكفايات تحت مفهوم الكفايات السيكو-اجتماعية (life skills) كمحددات لمحددات الصحة ، مستهدفة دعم الصحة بتفعيل رافعات الوقاية، و ليس فقط من أجل العلاج، و ذلك للرفع من إمكانية الأفراد في التصرف و الاهتمام بهنائهم. و قد تم توزيع الكفايات السيكو-اجتماعية على ثلاثة فئات (اجتماعية ،معرفية، انفعالية) ،علما أن ما يهمنا هنا هو الكفايات الانفعالية.
تقييم الكفايات الانفعالية:
يتيح تقيم الكفايات الانفعالية عدة مزايا :
- يسمح للشخص بفهم جيد لنفسه و ملمح كفاياته في زمن ما.
+إعطاء الطابع الشخصي للتدخل باستهداف الكفايات الأقل اكتسابا بالاعتماد على الكفايات المكتسبة.
+التقييم الدقيق للتطور لمقارنة قبل التدخل بما بعد التدخل.
أهمية الكفايات الانفعالية:
تلعب الكفايات الانفعالية دورا بارزا في كل المجالات المهمة في حياتنا من صحة نفسية و بدنية و كذا في العلاقات البين-شخصية و في الوسط المدرسي. و أكدت عدة دراسات مترابطة على هذه الأهمية:
الصحة النفسية و السعادة :
توجد علاقة وثيقة بين الكفايات الانفعالية و الصحة النفسية و ترتبط هذه الكفايات اضطرادا بالسعادة Schutte et al 2002 ، و بالرضا عن الحياة Gallaghe et Vellce-Brodrick 2008. عكس ذلك يقترن ضعف الكفايات الانفعالية بمستويات مرتفعة من القلق و التوتر و الاكتئاب و الاحتراق النفسي و العواطف السلبية بشكل عام Downey et al 2008.
الصحة البدنية:
ترتبط الكفايات الانفعالية بالصحة البدنية الجيدة. و قد أشارت دراسة حديثة بأن الذكاء الانفعالي ينبؤ بالصحة أفضل من المؤشرات الكلاسيكية كالسن و الجنس و الوزن أو السلوك الصحي Mikolajczak et al 2015. و أوضحت الدراسة أن البعد الذي ينبؤ أكثر بالصحة البدنية يتعلق بالقدرة على فهم الشخص لانفعالاته. و على العكس من ذلك يقترن القصور في الكفايات الانفعالية بارتفاع المعاناة من الشكاوى الجسدية Martin et al 2010 بمختلف الأمراض. كمرضى السكر Bastin et al 2004 و مشاكل الهضم Porcelli et al 2003 و أمراض القلب Suls Et AL 1995. بالإضافة إلى إمكانية تأثير إفراز الكورتيزول على نظام المناعة.
و تقودنا هذه النتائج إلى تجاوز التمثل الكلاسيكي الذي طالما اعتبر بأن النفس و الجسم مستقلين عن بعضهما البعض.
العلاقات الإجتماعية :
تنبؤ الكفايات الانفعالية بجودة العلاقات الاجتماعية مع الآخرين Lopes et al 2005 و بمستوى الرضا و الدعم الاجتماعي Ciarrochi et al 2001 و تلعب دورا إيجابيا في علاقات الصداقة Brackett و العلاقات الزوجية Schutte et al 2001.
الميدان المهني :
لم تتوقف الشركات عن إيلاء أهمية كبرى التدبير الكفايات المعرفية و التقنية. لكنها سلطت الضوء أخيرا على الكفايات الانفعالية لأنها معنية بسيرورة اتخاد القرار و القدرة على تحفيز الفريق و تدبير الصراعات. كما أشارت عدة دراسات عن دورها في الرضا الوظيفي Sy et al 2006 و تدبير التوتر و جودة العلاقات Lopes et al 2006 و رضا الزبون Beigi et Shirmohammadi 2011.
المدرسة :
لا يتعلم الطفل منعزلا لأنه يوجد في وسط مفعم بالتفاعلات الاجتماعية مع الأساتذة و الزملاء، كما تلعب الأسرة دورا مهما في عملية التعلم. وبالإضافة إلى العوامل الاجتماعية تؤثر العوامل الانفعالية على التعلمات سواءا بكونها ميسرة لها كالفرح و الفضول أو كابحة لها كالقلق و لإحباط المتكرر…..
هل يمكن تعلم الكفايات الانفعالية في مرحلة الرشد؟
سلطت عدة دراسات الضوء على إمكانية الاشتغال على الكفايات الانفعالية من خلال تمارين تطبيقية تراعي اختلاف خصوصية العوامل البيولوجية و الاجتماعية ، فهل يمكن تحقيق هذا الهدف بالنسبة لكل المراحل العمرية بما فيها مرحلة الرشد؟
نعلم اليوم بأن الكفايات الانفعالية تتأثر بالبيئة الاجتماعية التي نترعرع فيها و كدا استعداداتنا الوراثية Venon et al 2008.
الواقع أن تنظيم الخلايا و التشابكات العصبية في الدماغ غير محدد كليا بشفراتنا الوراثية، فهي مرنة قابلة للتعديل تحت تأثير تجاربنا. و تسمى هذه الإمكانية التي يمتلكها الدماغ بالمطواعية الدماغية و هي “الخصوصية الداخلية لدماغنا التي تخول له التحرر من قيوده الوراثية، إذ تتيح له التكيف مع إكراهات المحيط و التغيرات البيولوجية و التجارب الجديدة” Pascal-Leone et al 2005. و تسمح هذه الخصوصية بإنجاز تعلمات جديدة أي تطوير عادات و طريقة تفكيرنا و تصرفاتنا حسب سيرورة تجاربنا.
و قد أشارت دراسة ل Spalding et al 2013 إلى أن دماغ الراشد قادر على إنتاج خلايا عصبية جديدة بانتظام، و تسمى هذه السيرورة ب:” Neurogenèse “و تنشط لا سيما على مستوى l’hippocampe باحة دماغنا المعنية بالذاكرة و التي تشهد إنتاج 700 خلية يوميا.
الأبحاث و الدراسات المتعلقة بأثر التدخلات :
إلى وقت قريب كان من الصعب معرفة المستوى الذي يمكن أن يحرزه تعليم الكفايات الانفعالية للراشدين باعتبارهما أقل ليونة من الأطفال إلى أن أشارت مجلة Koutsou et al 2019 إلى دراسة تحليلية شملت 46 دراسة حول تدخلات استهدف تنمية الكفايات الانفعالية عند الراشدين و أكدت النتائج حصيلة المعطيات بأن نتائج 39 دراسة من أصل 46 كانت إيجابية.
إذ حملت التدخلات فوائذ على مستوى الصحة الجسدية (تراجع الشكاوى الجسدية و تحسن مؤشر نسبة السكر في الدم عند مرضى السكري ). و على مستوي الصحة النفسية (ارتفاع درجة الرضا عن النفس و تراجع أعراض القلق و الاكتئاب). فيما يتعلق بالوظافة المهنية (تحسن كفايات التدبير في العمل و تدبير الصراع و الرضا المهني و تحسين الإنجاز..). على مستوى الوِظافة الاجتماعية (تحسين جودة العلاقات الاجتماعية.
يوسف العزوزي /تازة /26 يناير 2024.
المرجع :
Ilios Koutsou et al 2022/
Développer lescompétences émotionnelles/
DUNOD/p:.29.. 42