نظريات أنماط التعلمات من Piaget إلى Luria.


فرانسين لوسيي وومن معها
ترجمة يوسف العزوزي (بتصرف).

وسمت أعمال بياجي حول تكوين الذكاء Ontogenèse سنة 1967، أجيالا من علماء النفس و المدرسين رغم الأسئلة التي ساقها بعض المهتمين بخصوص صدقية الاستنتاجات. و نجح بياجي بامتياز في تسليط الضوء على تتابع الخلخلة المعرفية و إعادة تنظيم بنيات التفكير اللتين تطبعان سيرورة نمو الطفل، من ما بعد الولادة إلى المراهقة ،و هذا ما اطلق عليه اسم المراحل.
و رغم أن الاستنتاجات كانت قبل بداية علم النفس العصبي، إلا أن وزنها يغري بمقارنتها مع نموذج يهم نمو الذكاء و المعرفة ،و يمثله أخصائي علم النفس العصبي Alexandre Luria 1970 /1973 على ضوء التطور الذي عرفه الفهم المتزايد للنضج العصبي.
و رغم أن هذه المقارنة أو الموازاة تخص مفاهيم مختلفة تتعلق الأولى بعلم النفس و الفينومينولوجيا، و تهم الثانية الاعتبارات النورولوجية إلا أن هذا اللقاء يشكل إضاءة تكاملية.
فبالنسبة لبياجي فإن الدماغ” مُعالج، Processeur” نشيط يعيد تنظيم التجارب المعاشة حسب مستوى نضج الدماغ، و يندرج ضمن بنية. أما بالنسبة لLauria 1970 فإن النضج العصبي يتحقق من خلال انبثاق أنظمة وظيفية تشتغل في مواقع عصبية “neronaux ” خاصة يترتب عن عملها إرساء شبكات للرباط العصبي تسمح بالإدماج المتدرج للمعلومات الواردة من مختلف الحواس بشكل أكثر تعقيدا.
و حسب Lauriaفإن تطور النضج العصبي يُمْكن متابعته من خلال خمسة مراحل متتالية ، كما توصل إلى أن النضج هو نتيجة لتطور “التَّمَليُن la myélinisation (المادة البيضاء أو” myéline” تُمَكن خلايا الدماغ من إرسال و استقبال الرسائل بسرعة كبيرة كما تهم صحة الدماغ و تحسين القدرات الذهنية و الإدراكية) بالإضافة إلى الرفع من الكثافة العصبية la neurodensité

المرحلة الأولى : تهم نمو قدرات النشاط و التركيز الانتباهي، يتعلق الأمر أساسا بمنطقةتحت قشرية Bulbe rachidien تصبح مؤهلةللعمل قبل الولادة و تلعب دورا أساسيا في كل التعلمات اللاحقة.

المرحلة الثانية: تسمح بالتنسيق المتزايد بين الباحات الحركية و الحسية الابتدائية ثم الثانوية للدماغ. و يفسر التكوين المتدرج لشبكاتها العصبية انفتاح الذكاء الحسي الحركي الذي يعوض ردود الفعل les réflexes الأولية.

المرحلة الثالثة:

تهم النمو المتسارع للباحات الحركية و الحسية الثانوية لمعالجة المعلومات الواردة من المناطق التحت قشرية و المناطق القشرية الأولية. و يسمح نضجها ليس فقط بتسجيل و لكن أيضا بتحسين الإدراكات و إرساء المعطيات بالذاكرة.

المرحلة الرابعة. : تهم نضج الباحات tertiaires. على تخوم الباحات occipitair, parietaux, temporaux. و بفضل إغناء و توسيع الدارات العصبية بين هذه الباحات يتم إرساء مرحلة العمليات الإجرائية عند بياجي، و بفضلها يمكن الربط بين مختلف خصائص الشيء.

المرحلة الخامسة: تسمح بالولوج إلى مرحلة العمليات التجريدية من خلال النضج التدريجي لسيرورة التفكير الفرضي-الاستنتاجي و الضبط الذاتي للسلوك.
إذن بالنسبة لبياجي كما” لوريا” فإن نمو الوظائف المعرفية يتم عبر حلقات محددة المراحل، تستدعي الدارات العصبية و تقود إعادة تنظيم سيرورة التفكير.

و لا يمكننا استعراض أعمال Luria دون التنويه بمفهومه للثلاث “وحدات الوظيفية” للدماغ البشري luria 1973 التي يمتد نضجها على المراحل الخمسة السالفة الذكر.

الوحدة الأولى:
تتموقع على مستوى الجدع العصبي و النظام اللمبي، و هي مسؤولة عن يقظة (رقابة) الشخص المتعلم و قدرته على الانتباه المدعم (Soutenu).

الوحدة الثانية: و تجمع باحات الدماغ الخلفية temporaux, occipitaux, parietaux ،و تؤمن الاستقبال و الإدماج و تخزين المعلومات حسب سيرورات يصفها Luria بالمتسلسلة أو المتزامنة. و بالتالي فإن هذه الوحدة هي التي تتحمل تدبير كل المعلومات. هكذا عرف. Luria الطريقة المتسلسلة بالمعالجة المتناوبة tour à tour لكل عنصر من المعلومة و كأنه ينتمي إلى متتالية خطية يستقبله الشخص بدلالة ما قبله و ما بعده دون أن يكون المجموع متاح بشكل كلي.
و بالعكس فإن الطريقة المتزامنة تتم عندما يعتبر الشخص عناصر مُميزة في علاقتها البينية و يتميز مجموعها بخصوصية واضحة رغم اختلاف العناصر. و اعتبر Luria أن هاتين الطريقتين تتبعان عن سيرورتين مختلفتين متكاملتين تتموقعان في مناطق مختلفة من القشرة الدماغيةfronto temporale بالنسبة للطريقة المتسلسلة و parieto occipale بالنسبة للطريقة المتزامنة.

الوحدة الثالثة:
تتموقع في الجزء الداخلي للباحة الجبهية، و تؤمن القدرة على البرمجة و التخطيط و التصرف حسب القصد، لاعبة بذلك دورا فوق-بنيوي يخدم مجموع الأنشطة الدماغية، و بالنسبة لluria فإن اي نشاط ذهني يستوجب الانخراط المشترك للوحدات الوظيفية الثلاث.

منظور جديد للأنماط المعرفية:

هذا النموذج الذي تم إرساؤه انطلاقا من ملاحظة سريرية دقيقة واعدة فيما يتعلق بفهم وِظافة الدماغ البشري و خصوصا في علاقته بالتعلمات. إذن لم يكن من المستغرب اهتمام فريق من المعرفيين kiby et jorman 1975 الذين صمموا نموذجا يقوم على احترام السيرورات المتوالية و المتزامنة في التعلمات، حيث يرجع الباحثون المعالجة المتوالية إلى الطبيعة المتسلسلة للمثيرات التي تردنا عبر المسار السمعي.
فيما تحيل المعالجة المتزامنة مباشرة على الطبيعة الكلية للمثيرات التي تردنا عبر المسار البصري. اهتم ثلاثة باحثبن كنديين عن قرب بدور هذه النظرية في المسار الذي يسلكه الشخص لإنجاز التعلمات ،و وصفوا نموذجا معرفيا يوضح صيرورتها و سيرورتها بين مداخل input و مخارج output الاستجابات.

أنماط التعلم :
تشير عبارة learning styles في المراجع العلمية إلى ما يمكن ترجمته بعبارة نمط التعلم أو أسلوب التعلم. و بناءا على عدة مقالات نشرت أخيرا بالولايات المتحدة الأمريكية و أستراليا و الصين و إسرائيل، طورت مفاهيم بناءا على إجابة أشخاص على استبيانات معقدة ترصد أنماط التعلمات عوض تحديدها على قاعدة النتائج و الاختبارات ذات العلاقة بتقارير نوروسيكولوجية.

1 نموذج Felder:

يتعلق سجل أنماط التعلم (Ils index of learning styles) الذي أعده Felder و Silverman سنة 1988و جدده Soloman و Felder سنة 2001، باستمارة تتكون من 44 بندا تغطي أربعة أبعاد مميزة للتعلم :

أ) نوع إدراك الشخص (حسي، حدسي)
ب) اسلوبه المفضل (بصري أو لفظي).
ج)أسلوب معالجة المعلومة المستقبَلة (متسلسل أو كلي)
د) الطريقة المتبعة حسب فهمه (متسلسة أو كلية)

و يزود الملمح المحصل عليه بمؤشرات غنية تهم نقاط القوة و نقاط الضعف التي يمكن أن تساهم في فشله في مساره الدراسي، و ويساهم بالمقابل في اختبار أداة سهلة التمرير و تحقق شرط الصدق.
في الصين درس Guojenthwang نفس الاختبار مع أطفال صغار لاختبار نوعين من ألعاب jeux de vidéo ، ايهما يناسب نمط تعلماتهم و تم التوصل إلى أهمية الأبعاد الأربعة Felder أي التمييز التسلسلي – الكلي، ووهو التمييز نفسه الذي سلط عليه الضوء من طرف Luria.

نموذج Zull :

آثار Duman 2010 نموذجا آخر تتجلى قوة أهميته في تحديد أنماط و أخدها بعين الاعتبار من طرف الأخصائيين و المدرسين وتحدث Duman عن مقاربة واعدة لفهم الوِظافة المعرفية التي تسمح بالرفع من منسوب النجاح الأكاديمي و تحسين طرق التعلم و التدريس و تحقيق تكافؤ الفرص أمام مختلف أنماط تعلم المتعلمين.
و حسب هذا النموذجالذي يرى أن التجربة تنشط القشرة الدماغية الحسية، فإن الملاحظة الانعكاسية ترتبط بالقشرة الدماغية المندمجة ،و التجربة النشطة بالقشرة الدماغية الحركية. وبالتالي فإن الدورة الناتجة عن سيرورة التعلم تولَد من رحم بنية الدماغ نفسها. كما اوردها البيولوجي Zull.. و يقترح الطريقة الديداكتيكية التالية :
أولا، يقرأ التلميذ نصا أو يَسمع عرضا ثم يكتب بمفرداته الخاصة ما فهمه، ثم يلتحق بمجموعة صغيرة لتقاسم ما تم فهمه ليخلصوا إلى أفكار موحدة خاصة بالمجموعة، و بعد ذلك يقوم متحدث باسم المجموعة بإلقاء ما تم الاتفاق بشأنه و الاستماع إلى تفاعل المدرس و باقي التلاميذ، بهذه الطريقة يعزز التلاميذ الروابط الشبكية بين مختلف مناطق الدماغ كما برهن على ذلك عدة باحثين في العلوم العصبية معتمدين على تقنية IRM.

نموذج. Sterberg et Zhang

في الولايات المتحدة الأمريكية اقترح Sterberg 1997 في نظرية mental Self-goverment منظور مفهومه الخاص حول الأنماط المعرفية Thinking Styles و حسب هذا المفكر فكل شخص يعبر بطريقته عن أفضلياته المعرفية، ما مكن من تصنيف 13نمط مختلف لمعالجة المعلومة. من جهته سعى Zhang من كلية التربية بجامعة Hong Kong سنة 2003 إلى اقتراح تقليص 13 نمط إلى 3 أنواع من المتعلمين، نجح في حصرها من خلال استبيان لفائذة الطلبة الجامعيين، و حسب Zhang يفضل البعض التفكير الإبداعي فيما يتمسك البعض الالتزام بالنظم الموحدة، فيما يذهب الآخرون إلى الانفتاح على كل أشكال التدريس.

نموذج Kolb:

بالاعتماد على نموذج Zull قدم Kolb2005 اربع أساليب modes للتعلم و اربع أنماط مختلفة لمعالجة المعلومة ، و تناسب الأساليب الاربعة 4 مراحل يتوجب على كل دارس المرور منها تباعا أثناء بحثه عن تطوير كفاياته :1 التجربة النشطة، 2 مفهمة المجرد،3 التجربة الملموسة،4الملاحظة الانعكاسية.

تقييم الأنماط المعرفية:

عند تمريره لاختبار الذكاء باستعمال WISCيصادف الأخصائي السريري عدة مناسبات لملاحظة أنماط التعلمات التي يفضلها الشخص ، و قد يستشعر الأخصائي الحاجة إلى توضيح حدسه بالاستعانة باختبارات تشخيصية معدة خصيصا لتسليط الضوء على المهارات التسلسلية أو المتزامنة للشخص و استكمال تقييم أنماط التعلم.

لمزيد من الاستفادة يمكن العودة إلى المرجع الأصلي الآتي:
Neuropsychologie de l enfant et l’adolescent (troubles développementaux et de l’apprentissage)
3ème édition. 2017