J. D Guefli
ترجمة :يوسف العزوزي.
الشخصية مفردة مشتقة من الكلمة اللاتينية “perssona”، و تميز عموما ما يوجد نسبيا من ديمومة و ثبات في التنظيم الدينامي للوظافة النفسية.
و تتسم أصول مفهوم الشخصية و الشخصية المرضية بالتعقيد و الازدواجية. و يمكن أن نتحدث أولا عن الأصل السيكولوجي (ق19) الذي أرخ لأول ظهور لمفهوم سيكولوجية الشخصية، من جهة ثانية يمكن العودة بالكلمة إلى الطب الإغريقي الذي اعتبر خصوصية بعض الأمزجة أعراضا يمكن وضعها في خانة المرض.
تعددت بعد ذلك النماذج النظرية التي نرجع لها لوصف الوِظافة السيكولوجية. كما تعددت المعايير التي ترسم الحدود بين العادي و الباطولوجي في هذا المجال.
سنتناول تباعا المشاكل المحتملة لتعريف الشخصية و كذا المصطلحات المجاورة لها كالطبع و السمة، ثم النماذج النظرية العامة التي يمكن أن نرجع لها لتحديد الشخصية، و أخيرا المعايير الأساسية لضبط الحدود بين اضطرابات الشخصية، علاقة بالشخصية و باقي الأمراض الذهنية.
@تعريفات و عموميات:
أوضح P. Pichot 2002 و هو طبيب نفسي و باحث سيكولوجي بأن استعمال كلمة شخصية في هذا التخصص أمر حديث ربطه بسنة 1885 التي نشر فيها T. Ribot اب السيكولوجية الفرنسية مقالة بعنوان “أمراض الشخصية”، و حسب الباحث فإن كل شخص “سليم” يمتلك كقاعدة عامة وعيا واضحا بنفسه و يتصرف تبعا لهذا الوعي. كما يمكن لشخصية أن تصاب بالمرض بسبب الوضع الباطولوجي لأي وظيفة أخرى.و عموما قبل الأخصائيون النفسيون هذا التعريف.
و مع ذلك اعتبر Pichot و سابقه. J. Delay بأن تعريف الشخصية المعنى بهذا الخطاب ليس أكثر من ” توضيخ خاطئ”. أضف إلى ذلك فقد حصر الكاتب الأمريكي G. Allport في مؤلفه المرجعي أكثر من خمسين تعريفا ممكنا لكلمة “شخصية” ، و حسب هذا الكاتب فإن الشخصية تمثل التنظيم الدينامي للأنساق السيكولوجية التي تحدد السلوكات المميزة للفرد و أفكاره.
بالنسبة للاخصائي النفسي الانجليزي H. J. Eysenk فإن الأمر يتعلق بالأحرى بتنظيم إلى حد ما مغلق و دائم الصفات و الطبع و الذكاء و الجسم لشخص يحدد تكييفه مع محيطه.
من جهته يعتبر P. Pichot 1965 الشخصية “تكاملا ديناميا للأشكال المعرفية و الإرادية و الوجدانية و السيكولوجية و المورفولوجية للفرد “، بعبارة أخرى تغطي الشخصية مجموعة الاستعدادات التي تساهم في تحديد السلوكات التي تختلف من شخص لآخر.
و يتميز التعريفين الأخيرين بذكر المكونات الأساسية التي تساهم في الوِظافة السيكولوجية للفرد و الإشارة إلى استقرار مجموعة ما يساهم في التكيف مع المحيط.
و رغم أن هذه التعريفات ذات طبيعة فردية، إلا انه لا يوجد شخص نسخة طبق الأصل من شخص آخر، لكن يمكن تنظيم و ترتيب مختلف مكونات الشخص التي تنسجم وفق بعض القواعد العام للوظافة.
و لعل اول مقاربة هي تلك التي تتعلق بسمات” الكاراكطير” الأكثر جالاءا عند الشخص. بالنسبة ل D. La gâche فإن “الكاراكطير ” هو مجموع الاستعدادات و القدرات التي تحكم طريقة وجود و تفاعل الفرد في علاقاته مع العالم الخارجي و مع نفسه.
إذا تبنينا هذا الرأي يمكن أن نَصف “كاراكطير” من خلال كوكبة محددة من سمات الكاراكطير التي تصف الطريقة الاعتيادية لتصرفات الشخص إزاء نفسه و إزاء الآخرين و إزاء الوضعيات أو المواقف التي يصادفها.
عندما نعتمد هذا الاختيار يصبح من الممكن وصف الوِظافة السيكولوجية لشخص بدقة بالشكل الكافي عندما نقوم بإحصاء غني و مفصل لسلوكاته و مميزاته و أفكاره الاعتيادية.
كما يمكن الاهتمام بمتغيرات أخرى كالصيغ الدينامية أو النمائية لبنية الشخص، و في هذه الحالة يمكن اعتماد باراديغمات متعددة.
مبدئيا يمكن اعتماد ثلاثة مقاربات هي البنيوية و الدينامية و الوراثية. تهم المقاربة البنائية دراسة إدماج مختلف العوامل المكونة للشخص. و تخص المقاربة الدينامية تحليل القوى التي تحدد التطور و التكيف مع المحيط. فيما تهم المقاربة الوراثية تاريخ الصيغ الفردية للتفاعل الوراثي البيئي. و يبدو من الضروري تقدير الأوزان المرتبطة بالعوامل المكتسبة و الوراثية في وظافة و أهمية التجارب المعاشة في مسار النمو.
و كيفما كان نموذج المقاربة المختارة يجب إرساء معايير للوضع الطبيعي إذا أردنا الاقتراب من ميدان الباطولوجيا.
@نظريات النماذج العامة للشخصية:
تختلف تصنيفات الشخصية فيما بينها حسب النماذج المرجعية التي تعتمد عليها و المعايير التي تستعملها. و تسعى هذه التصنيفات إلى تحديد الترابط الموجود بين مختلف مكونات الشخص، كما تستهدف تصنيف الأفراد حسب تشابهاتهم أو اختلافاتهم بدلالة التباينات في مجالات خاصة و ضرورية لفهم الفرد و سلوكه الاعتيادي.
و تعاني الأبحاث العلمية المتعلقة بالشخصية من غياب باراديغم مشترك و متفق عليه بين جميع المقاربات.
و قد تحدث H. Eyenck مطولا عن هذه العقبة على امتداد مسيرته من 1950 إلى 1980. كما اهتم بالموضوع نفسه الباحث و الأخصائي النفسي الأمريكي S. Clominger 1999.
بالنسبة لبعض الكتاب لا يمكن إدراج سيكولوجية الشخصية في خانة العلوم الحقة بما ان الفرضيات التي نصيغ من حولها (مثال التنبؤات حول السلوكات المستقبلية) لم يتم لحد الآن التحقق منها بانتظام باعتماد ملاحظات امبريقية.
عموما يقوم البحث العلمي على الوضعية المنطقية و على الطرائق الافتراضية-الاستنباطية، لأن الوضعية تقوم على الملاحظة كمصدر للمعرفة، لكن هنا، عندما يتعلق الأمر بالظواهر السيكولوجية حيث المعطيات ذاتية يصعب إخضاعها للملاحظة المباشرة.
و في غياب باراديغم متوافق عليه قادر على قيادة البحث السريري سنكتفي بعرض يثير المبادئ العامة للنظريات الأساسية للشخصية كالنظرية النيوسلوكية و السيكو دينامية و الاجتماعية الثقافية للشخص للمرور لاحقا على السمات السريرية للشخصية و على الآفاق التي يتيحها علم النفس المعاصر المشتق من المذهب القديم للطبائع Les tempéraments.
@ النظريات النيوسلوكية:
اشتقت النظريات النيوسلوكية من نظرية( مثير/استجابة) و تطبيق مبادئ النتائج السيكو-فيزيولوجية و الفيزيولوجية التجريبية على الشخصية. و تجمع ثلاثة تيارات “ريفليكسيولوجية” بافلوف و سلوكية واطسون و نظرية التعلم لتورندايك ، و تقوم على دراسة سيرورة التعلم حيث يلعب المحيط دورا بنائيا.
و تهدف هذه النظريات إلى بناء الشخص بعيدا عن أي ذاتية و تضع مفهوما للتحفيز في طلب دراسة السلوكات، حيث تتشكل علاقات (مثير/استجابة) و تقترن بتلبية الحاجة، و أثناء النمو يمكن لمختلف المكتسبات أن تتم من خلال تراكم التعلمات باعتماد التعزيز الإيجابي و التعزيز السلبي الذين يلعبان دورا أساسيا في التعلمات الاجتماعية.
كما يساهم الإحباط و الصراعات في تغيير ردود الفعل السلوكية بالكبح.
فالأشكال الأكثر اعتيادية لرد الفعل إزاء الإحباط أو خيبة الأمل هو العنف أو الهروب، كما أن كبح العنف هو مصدر لإحباط إضافي و تثير الإحباطات المتوالية و المتكررة سلوكات رد فعل يستعملها الشخص بعد ذلك بشكل غير ملائم و متشنج في الوضعيات الجديدة. و الشخصية إذن هي حصيلة العادات المكتسبة و التجارب الصراعية.
@ النظريات المعرفية للشخصية:
. اهتم باراديغم علم النفس المعرفي بمجال الشخصية انطلاقا من 1950. بعد خروج التصور الاولي لمثل هذا النموذج في أعمال Gakelly، و يميز هذا النموذج المسمى”مبنى شخصي” البنيات الافتراضية المشكلة من طرف الشخص حول المواضيع النفسية الاجتماعية للمحيط.
و ينحو هذا النوع من الأعمال إلى تفضيل تقنية الشبكات المرجعية التي تسمح بتحليل تمثلاث الذات و الآخر سعيا إلى وصف الأساليب المعرفية التي تحدث عنها M. Huteau1985، فبالنسبة لهذا الكاتب يمكننا عزل الثوابث الشخصية المعرفية و العاطفية الانفعالية
و ملامح مثل التشنج السيكولوجي أو اللاتسامح.. يمكن تفسيرها بالصراع العاطفي، و يمكن تفسيرها أيضا بالعمليات الذهنية و الثمثلاث.
و يمكن للانماط الإدراكية كالاتكالية أو الاستقلالية إزاء المجال أن تكون موضوع مقاربة تجريبية كما يمكن للمتغيرات البين فردية على مستوى الإدراك و التفييء أن تقود إلى تحديد الأبعاد المعرفية للشخصية.،
@اانظريةالسيكو-دينامية :
تقوم النظرية السيكو-دينامية على نظرية الغرائز حيث يتحول الاندفاع من أصل بيولوجي إلى قوة تدفع الفرد إلى إنجاز مهمة مشكَّلة قبلا في البنيات العصبية، و منه فإن تاريخ النمو يعود إلى الصراع بين القطب المظلم و الغريزي للشخص و عدة موارد للتوتر و المكتسبات التي تمثل الارتياح و الرضا و خيبات الأمل و الصراع..؛ إذن مجموع التجارب التي يعيشها الفرد و يستبطنها تدريجيا في سيرورة نموه.
تقوم إذن السيكولوجيا الدينامية التي أسسها S. Freud على النمو الوجداني و المفاهيم الاندفاعية للرغبة و الحواجز و الصراعات. و بالتالي فإن سِفر التكوين هو تاريخ الاندفاعات الأولية، يكون فيه الفرد فضاءا تُمارس فيه عدة قوى (جلها متناقضة) و تشكل نتيجة ذلك حالة توازن الشخص.
و من بين الدوافع الأولية الجوع و العطش و النوم و النشاط الجنسي) و يبقى الاندفاع الجنسي هو الذي يواجه أكثر الحواجز التي تمنع من إشباع الرغبة المباشرة، فتتعرض طاقة الليبيدو إلى عدة تغييرات أثناء النمو.
تتحمل وظيفة الأنا دورا أساسيا في حل الصراعات بين الهو و الأنا الأعلى. و لتدبير قلق الصراع يتوفر الأنا على عدة ميكانيزمات للدفاع اللاشعوري كالإسقاط و الإنكار و التحويل..
و لا تقتصر النظرية السيكو دينامية على التحليل النفسي الفرويدي إذ نجد سيكولوجية الأنا عند H. Hartman و المنظور السيكو اجتماعي عند E H. Eriksonو المفاهيم الإنسانية المتعلقة بالآخر عند C. Rogers.
@النظريات الاجتماعية الثقافية :
بما أن المفهوم الفرويدي يجعل من المجتمع حلا يمكن للناس أن يحملوه من اجل مشاكل ذات طابع فردي، فإن عدة مفكرين شكلوا تيارا في القرن 20 يعكس العلاقة بين الفرد و المجتمع. فأوضحوا إلى أي حد يمكن لمفاهيم الذكورة و الأنوثة و العلاقات البين أسرية و تراتبية القيم المتعلقة بالمال و السلطة و العمل و التمظهرات الإكلينيكية للقلق أو العنف أن تحدد ثقافيا.
@. سيكولوجية السمات:
إن في وصف الشخصية على مستوى السمات ما يميز الشخص و يحدد صفاته، و يرى Littré انه بإمكاننا تفييء الأشخاص حسب ردود أفعالهم إزاء المثيرات. و بالنسبة ل G. Allport يتعلق الأمر ببنية نوروسيكولوجية تمتلك القدرة على جعل أثر عدة مثيرات متشابها..
و بالنسبة ل A. Caspi فإن مجموع السمات تبين الاختلافات الفردية على مستوى السلوكات و الأفكار و المشاعر بطريقة نسبيا ثابتة.
و قد حافظت المقاربة السريرية للسمات على أهميتها منذ الأبحاث الأولية لG. Allport سنة 1930 رغم انتقادات G. Mischel سنة 1968.
كما واجهت سيكولوجية السمات صعوبة تحديد العدد التقديري للخصائص التي يجب اعتمادها للوصف الجيد للشخصية، و الطريقة الجيدة التي يجب استعمالها لتجميع السمات الكافية المنسجمة بينها (و نسبيا مستقلة عن السمات الأخرى).
بقي الأمر كذلك إلى سنة 1950 عندما تم تخصيص شعبة خاصة في السيكولوجيا لإرساء نماذج عامِلِية factoriels للوظافة.
وقد تم اعتماد تقنية لتقليص عدد السمات (كانت 17000 في أعمال G. Allport) إلى عدد معقول من خلال التحليل العامِلي الذي يقوم على اختبار الانسجام بين المتغيرات الذي يسمح بتقليص عدد الفئات المتمايزة في عدد أولي للعوامل الرياضية.
@ الدراسة التصنيفية و السيكولوجيا:
عكس الفكرة الشائعة فإن الدراسة التصنيفية للشخصية لا تعتمد على نموذج السمات، و تذهب عادة في الاتجاه البيو-سيكولوجي و تتموقع في التقليد الطبي و مذهب الطبائع Temperaments التي تمثل الهيكل البيولوجي للشخصية الغير مستقل عن الأشكال السيكولوجية.
و قد الهم هذا النموذج عددا من التصنيفات الراهنة كالدراسة التصنيفية ل E. Kitschener التي تفترض أن الأمراض العقلية ليست إلا مغالاة متطرفة للتصنيف العادي.
و إن لم يسبق التحقق من فرضية الاستمرارية بين الطبع العادي و الأمراض العقلية (ثنائي القطب، الفصام، الصرع) فقد حاولت عدة دراسات تصنيفية كالتي قام بها N. Sheldon سنة 1940 لتطوير وصف E. Kretschener، كما قام الطبيب النفسي الأمريكي C. R. Cloninger بإرساء نموذج أبعاد الشخصية سنة 1987 بطابع سيكو-بيولوجي و طرح وجود أربعة أبعاد مزاجية للشخصية.
@معايير الوضع الطبيعي :
تعاني دراسة اضطرابات الشخصية من مشكل لا يمكن السيطرة عليه، يتعلق باختبار المعايير التي تضع الحدود بين العادي و الباطولوجي و التي تميز بين اضطرابات الشخصية و المرض العقلي.
يتميز هذا المجال من التفكير بالتعقيد على اعتبار أن اضطرابات الشخصية المعزولة في التصنيفات المعاصرة لا تقيم نفس العلاقات مع باقي الأمراض العقلية.
في الحالة الأولى فإن مشكل التشخيص الأساسي يتعلق بالحدود مع الوضع الطبيعي و في الثانية فإن ما قد يبدو في الوهلة الأولى اضطرابا للشخصية ليس إلا شكلا خفيفا و مصغرا من اضطراب عقلي.
تاريخيا يوجد في “تأمل G. Cangnilham” ثلاثة أنماط من المعايير القابلة لوضع الحدود بين الشخصية العادية و الشخصية الباطولوجية :1الوضعية الطبيعية الإحصائية . 2 الوضعية الطبيعية المثالية 3 الوضعية الطبيعية الوظيفية.
@اضطرابا الشخصية و الأمراض العقلية :
بالنسبة ل D. Zagurg2008 فإن الأشخاص ذوي اضطراب الشخصية يحتاجون إلى العلاج و المواكبة رغم أن كلمة مرض لا تناسبهم، حيث أن تنظيم شخصياتهم يميزهم بوضوح عن الأمراض و هي البسيكوز les psychoses و اضطرابات المزاج.
إن التمييز بين الأمراض العقلية و اضطرابات الشخصية حاجز يجب الحفاظ عليه، فبالنسبة لهذا الكاتب الذي يواجه عدة ضغوط سوسيو-سياسية تمارس على الأطباء النفسيين لأن خطر التلاعب بهذا التخصص قائم.
و يفصل R. Kendell 2002 بدون أدنى شك بين اضطراب الشخصية و الأمراض العقلية موضحا أن اضطرابات الشخصية تمثل عوامل خطورة بالنسبة لعدة اضطرابات عقلية.
خلاصة :
يتجه النقاش الراهن حول الشخص إلي التخفيف من الضوء المسلط على النظريات العامة للشخصية مقابل رفع منسوب الاهتمام بتصنيف اضطرابات الشخصية نظرا لما تقدمه للأطباء من خدمات علاقة بالمقارنة التفييئية التقليدية.
و رغم عدم وجود باراديغم موحد لمختلف النظريات العامة للشخصية و ان مختلف المقاربات النظرية تطورت باستقلال عن بعضها البعض إلا أن هناك بعض الَمقاربات المنسجمة إلى درجة إمكانية تجميعها كما هو الشأن بالنسبة لسيكولوجية السمات و النورو-بيولوجيا.
كما يذهب الاتجاه الحالي لاضطرابات الشخصية إلى تبني نموذج مختلط تفييئي هجين أو تبني نموذج مرتكز على شدة الوصف السريري.