اضطراب الوظائف التنفيذية عند أطفال طيف التوحد


ترجمة :يوسف العزوزي

1مقدمة
أصبح الدور الهام الذي تلعبه الوظائف التنفيذية معروفا خصوصا بالنسبة للنمو السيكولوجي للطفل من خلال فسح الطريق أمام التعلمات و تكييف السلوك و إدماج المعارف الاجتماعية.
و غالبا ما ترتبط الوظائف التنفيذية بمهارات المراقبة و الضبط أو الميطا معرفة و تجمع عادة سيرورات معرفية مختلفة تُمسى ” عالية المستوى” “haut-niveau” كالكبح و و المرونة الذهنية (أو المعرفية) و التخطيط بالإضافة إلى قدرة الذاكرة العاملة (MDT) ، و بالخصوص تحيين المعلومات في ذاكرة العمل.
و بالإضافة إلى هذه المظاهر المسماة معرفية فإن الوظائف التنفيذية معنية كذلك بالضبط الذاتي للانفعالات، و بشكل شمولي في الوضعيات التي يكون فيها المكون العاطفي الانفعالي أو التحفيزي في الواجهة (يمكن أن نتحدث عن الوظائف التنفيذية الساخنة).
و سمح تعدد أبحاث نوروسيكولوجية للطفل في السنوات الأخيرة بتحديد أفضل للخصوصيات النمائية العادية “typique ” و المضطربة للوظائف التنفيذية. فرغم أن السيرورات السيكولوجية للمراقبة تنمو مبكرا إلا أن اكتمال النضج يتأخر (حتى قبل البلوغ).
و توجد عدة نماذج نظرية خاصة بالطفل (Diamot2013) و تفترض دينامية نمائية معقدة وفق جدول زمني نمائي خاص و مرتبط بباقي واجهات الوظائف التنفيذية و يقترب الملمح النمائي الخاص و مهاراته ذات المستوى العالي و سيرورات النضج الفيزيولوجية (مبكرة و لكن ممتدة) من الشبكات الجبهية تحت القشرة الدماغية التي تأوي المركز التشريح-الوظيفي للوظائف التنفيذية.


من وجهة النظر السريرية فإن احتمالات الخلل الوظيفي واردة و مرتبطة بعدة سياقات خاصة بطب الأطفال، يأتي من خلالها الخلل النمائي نتيجة تلف مكتسب ألحق ضررا بإرساء الشبكات الجبهية للدماغ و تشابكاتها.
و يزداد تطور المعارف في هذا المجال بازدياد نوعية وسائل التقويم الدقيقة التي تسمح باستيعاب مختلف أوجه الوظائف التنفيذية و كدا تداعياتها على الحياة اليومية.
علاوة على ذلك فإن التعرف على الصعوبات التي يواجهها الأطفال و أسرهم و التحديد الجيد للاضطرابات و المراقبة التنفيذية للطفل يشكل رهانا سريريا محددا لأنه يسمح بالاستهداف الجيد للمرافَقَة و تقييم نجاعته.

2 الخلل التنفيذي عن لذى الأشخاص ذوي طيف التوحد:
1-2 الوصف السريري للاضطرابات التنفيذية لذى TSA. :
يوجد تشابه في الوظائف المعرفية بين المرضى المصابين بتلف (دماغي) جبهي و الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد حسب وصف “Damatio et Mauser1978” و ألهمت هذه الملاحظة عدة أبحاث أكدت لاحقا وجود اضطراب في الوظائف التنفيذية عند المصابين بطيف التوحد (Osonoff1996) .
إذا رجعنا إلى المعايير التشخيص الحالية و تصنيفات الدليل التشخيصية و الإحصائي DSM5 يمكن أن نقوم بقراءة بمنظار الخلل الوظيفي لعدة خصوصيات نمائية سلوكية تتعلق باضطراب طيف التوحد.
و يتميز المستوى التواصلي و الاجتماعي بوجود الإيكولاليا، الكلام المتكرر و التحفظ اللفظي، صعوبة التأقلم مع مختلف السياقات الاجتماعية، اضطراب الضبط الانفعالي ، ضعف التقمص العاطفي، و كل ذلك يمكن أن يشكل قصورا في المرونة و الكبح.
و على مستوى اللعب و الأنشطة و حضور السلوكات المتكررة. و تفترض صعوبة التوقف عن نشاط لتدبير المستجدات و الاهتمامات المتكررة اضطرابا في الوظائف التنفيذية مع ضعف المرونة و التخطيط و الكبح.
و يمثل حاليا اضطراب المراقبة التنفيذية فرضية تفسيرية متميزة لتسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهها الأشخاص الحالمين لاضطراب طيف التوحد.

2-2تقييم الوظائف التنفيذية لذى اضطراب طيف التوحد:
تستحضر دراسة Hill2004 الأكثر استعمالا لثلاثة مجالات فرعية شكلت موضوع دراسة الباحثين حول الوظائف التنفيذية لذى اضطراب طيف التوحد ، يتعلق الأمر بالتخطيط و المرونة و الكبح ،و خلصت إلى نتائج منسجمة مع القصور في التخطيط و المرونة و متباينة فيما يتعلق بالكبح valeri et speranze 2009.


و قد تقود الأبحاث في هذا المجال أحيانا إلى نتائجة متناقضة، فلا يوجد إجماع حول خصوصية المجالات الفرعية التنفيذية المتضررة في اضطراب طيف التوحد.
و بالفعل تصف بعض الدراسات القصور الخاص الذي يصيب وظيفة واحدة (المرونة مثلا) أو عدة وظائف (المرونة و التخطيط مثلا) و يتم وصف هذه الاضطرابات اعتمادا على اختبارات تقليدية ك ” La tour de londre” بالنسبة للتخطيط و اختبار”stroop“ بالنسبة الكبح و اختبار” wisconsin” بالنسبة للمرونة.

3-2 إسهامات السجل السلوكي:
تعتبر طبيعة الاختبارات المستعملة إحدى مصادر تذبذب النتائج الإكلينيكية، فالباحث السيكولوجي يتوفر على اختبارات تقليدية تناسب الوضعيات التي من خلالها ينفذ الطفل مهام (إنتاج أجوبة لفظية أو حركية) و في سياق موحد (Standarisé) و زمني حقيقي محدد. و يمكن أن نلاحظ أن الصعوبات السلوكية التنفيذية التي يأتي بها المحيط غير موجودة دائما في هذه الاختبارات. و يفسر جانب من هذا التباين نفسه من خلال شكل الوسائل المستعملة، لأن الوضعيات التقييمية الكلاسيكية تبتعد عن الحياة “العادية” لأن سياق التمرير أكثر بنينة، بشكل يبعد المشوشات “Distracteurs” و يستعمل الحوامل البصرية المتطورة الغير متوفرة في الحياة العادية و بالتالي فإن الأطفال و البالغين (TSA) الذين يمتلكون مستوى وظافة معرفي جيد و قدرات لفظية يمكنهم اعتماد هذه الوسائل لحل مشكل الاختبار، بالمقابل يجدون صعوبة في حل نفس المشاكل في الحياة اليومية الغير المبنية بالإضافة إلى ذلك فإن الخصوصيات العاطفية و الانفعالية التي تطبع اضطراب طيف التوحد (بُعدُ الدفء الاجتماعي و الوظائف التنفيذية) تظل دون مستوى حجم الدراسات المطلوبة و يصعب تقييمها بالاختبارات الكلاسيكية المتاحة في الوقت الراهن.
و تشير عدة دلائل أن تقييم الوظائف التنفيذية لا يمكن اختزالها في اختبارات تقليدية مؤسسة على الإنجاز. إذ من الضروري الاستعانة باستثمارات تقييمية للسلوك في الحياة العادية التي تمثل سياق المقاربة المتكاملة.

4-2 المعالجة المعرفية للوظائف التنفيذية عند الطفل الحامل لTSA:

إن تطور نسب العلاج و التأهيل المقترحة لفائذة اضطراب طيف التوحد في سن مبكر و الإمكانيات المقدمة لهم لمتابعة تمدرسهم في الوسط العادي أو الوحدات المحلية للدمج المدرسي يقود إلى توجيه أكبر عدد ممكن من المراهقين نحو التعليم الإعدادي، علما أن التمدرس في المدرسة يستلزم الوظائف التنفيذية على مستوى الذاتية و التنظيم و التخطيط. و ما نقترح من تفكير يستجيب لضرورة التحديد و التكفل باختلالات المراقبة التنفيذية التي يواجهها تلاميذ الإعدادي الحاملين لTSA ، لاكتساب قدرة لفظية بدون قصور فكري.
يتعلق الأمر بشكل خاص بمساءلة إمكانية نجاعة المعالجة المعرفية للوظائف التنفيذية لفائذة هؤلاء الأطفال و المراهقين.
في مؤلفه المرجعي حول المعالجة المعرفية حدد Nicolas franck2012 الأهداف و الوسائل : فالهدف من المعالجة المعرفية la remediation cognitive هو الوظافة المعرفية للمريض بتمرين وظائفه المختلة من خلال تمكينه من اكتساب استراتيجيات لاستثمار وظائفه المتبقية كما تستهدف هذه المقاربة التطوير الملموس للحياة اليومية، أخدا بعين الاعتبار الموارد و هشاشة الشخص لأجل هذا تجمع المعالجة المعرفية عدة إجراءات علاجية تقوم على ممارسة التمارين الترفيهية Ludique التي تسمح بالتدريب أو التعلم Franker2012.
تتطور المعالجة في المجال المعرفي في إطار TSA و تقترن عادة بمجموعات التدريب على المهارات الاجتماعية.
علما أن الاهتمام باستهداف المعالجة المعرفية للوظائف التنفيذية عند الأطفال و البالغين الحاملين لTSA توجه حديث، استلهمت بداياته الأولى من المؤلفات الغزيرة حول اضطراب تشتت الانتباه مع/أو بدون فرط الحركة، باعتباره المجال الأكثر استئثارا لدراسة حل المشكلات، إذ أبان التدخل في هذا هذا الحقل عن نجاعته بالنسبة للأطفال الحاملين لاضطراب طيف التوحد اعتمادا على ممارسة لعب الأدوار jeux de rôles ، و استعمال تقنية التشكيل ” Modeling” بالاعتماد على حامل فيديو أو سيناريو، “scripts ” لحل المشكلات ، و تفرض حصص للتدريب على حل المشكلات نفسها بشكل أساسي لتطوير الحفاظ على على الكفايات.
و تشير المعطيات حول معالجة الكفايات في ذاكرة العمل لذى حاملي TSA إما استفاذة ضعيفة على مستوى القدرات المستهدفة أو تأثير التعزيز الإيجابي على إنجازات الأطفال في مهمة اختبارية.

  1. .مثال توضيحي سريري : “ريمي” 14 سنة:

لجأ ريمي و هو في عامه الخامس إلى مركز طبي نفسي بسبب تأخر اللغة و التعلمات الحركية (النظافة المتأخرة، تأخر حركة الخط، ضعف الاتزان الحركي..) بالإضافة إلى ما لاحظته الأسرة و المدرسة من بطء.
وقد أظهر البيان السيكولوجي “Bilan “الذي تم إنجازه في الإطار المدرسي تأخرا نمائيا. و خلص تشخيص طبيبة الأطفال التي تمت استشارتها في المركز الطبي النفسي إلى وجود توحد نمطي، لأن اضطرابات ريمي تستجيب لمعايير DSM4 أو CIM10، أي خلل في التواصل و اضطراب في التفاعلات الاجتماعية و حركات نمطية و اهتمامات محدودة “intérêt restreint “. و قد جاء الوصف السريري لاضطرابات ريمي الذي أجراه مهنيو المركز الطبي التقني كالآتي:
” لا يستعمل ريمي إلا بعض الكلمات و ليس دائما بغرض التواصل، قد يلجأ إلى عزل نفسه، مُقِل في علاقاته الاجتماعية مع أقرانه، لا ينظر إلى العينين، و لا يتظاهر باللعب، و يمكن أن يقوم بمائة خطوة في البهو، يتمايل، و يتقبل التغيير بصعوبة و يمكن أن يقوم بحركات عنف-ذاتي).
اقترح المركز الطبي النفسي مُرافقَة شاملة و خاصة لريمي من طرف الأخصائيين ، مع تكفل تقويم النطق، حسي حركي ثم العلاج الوظيفي..
استفاذ ريمي من التمدرس بالوحدة المحلية للدمج المدرسي للتوحديين ثم انتقل إلى القسم العادي في المستوى الإعدادي مع مرافقة الحياة المدرسية الفردية AVSI..
و بتعاونها ساهمت الأسرة في حسن تدبير التكفل المقترح لترتيب المحيط و لم يكرر ريمي في مشواره الدراسي، فأصبح شغوفا بالعلوم، واستطاع النسق المدرسي دمجه بشكل جيد.

3-1 الملمح المعرفي:
إن استمرار الاضطرابات المشوشة على التكيف و التعلمات المدرسية التي يمكن أن تعقد التمدرس المستقبلي يقودنا إلى اقتراح بيان جديد (nouveau bilan) منسجم مع ريمي و اسرته، إذ تُسائلنا بعض خصوصياته المتعلقة بوِظافته حول قصور وظائفه التنفيذية، لا سيما أن ريمي يستقبل الأحداث الغير المتوقع بصعوبة، و يظهر القلق أمام تغيير الفصل الدراسي. و يجد صعوبة في بدأ نشاط أو إنجاز اختيار، و في الفصل لا يستطيع التركيب (synthèse) و لا يمكنه استخراج العناصر الأساسية في النص.
و أثناء الواجب يكون حضور الأم ضروريا لمساعدته على التنظيم. و لريمي ردود فعل انفعالية مفرطة و غير لائقة اتجاه أحداث ثافهة. لذيه قلة من الزملاء، و يجد صعوبة في فهم العلاقات الاجتماعية و المشاركة في المجموعات و هو يعي صعوباته و يتعاون أثناء إنجاز البيانات (les bilans).

2-3 تقييم الكفايات المعرفية باستعمال ويسك4. Wisc. 4 :

اعتمدت الاختبارات المستعملة لاكتشاف الوظائف التنفيذية لريمي على برنامج متعدد التمركز multucentrique FEE ” يستهدف وضع وسائل لتقييم الوظائف التنفيذية المكيفة حسب الأطفال في سن التمدرس ،و تقدير حساسيتها السريرية، و بالخصوص الأطفال ذوي TSA.
بعض من هذه الاختبارات هي وسائل كلاسيكية (Stroop par exemple) و تم تعديلها أخدا بعين الاعتبار حدودها المنهجية حسب النسخ المتوفرة (voir Roy et all 2016) و بعضها الآخر اختبارات تجريبية أصيلة (par ex: Barre-joe) ، و تهدف إلى تقييم مختلف أوجه الوظائف التنفيذية (كبح، تخطيط، مرونة، ذاكرة العمل) حسب بعض الصيغ النظرية الحالية(Diamot2013)، و المهام ذات طبيعة لفظية أو بصرية – فضائية بهدف تقدير مختلف صيغ التقيم و ضلوعها في السيرورات الغير التنفيذية في الإنجازات.

و قد سلط تقييم الوظائف التنفيذية الضوء على قصور في اختبارات التخطيط و الكبح الحركي، و الانتباه الانتقائي البصري. ثم كشف اختلالا في المرونة و استنتاج القواعد في إحدى الاختبارات الثلاثة لتقييم هذا المجال(Brixton junior) و كدا في مهام الذاكرة العاملة البصرية المكانية (التحيين: la mise à jour ) و بالمقابل فإن ذاكرة العمل اللفظية سليمة و لا يوجد أي قصور في المهام المزدوجة.
و تم تسليم استمارات BRIEF ( السجل السلوكي لتقييم الوظائف التنفيذية) إلى الوالدين و الأساتذة،. و كانت النتائج منسجمة فيما بينها و تشمل الكبح و المرونة و المراقبة الانفعالية و المبادرة و الذاكرة العاملة و التخطيط و تنظيم الوسائل و مؤشر الضبط السلوكي و مؤشر الميطا-معرفة و نتيجة المكون الوظيفي العام.

4-3.خلاصة البيان:


و قد شكلت مختلف هذه التقنيات (FEE et BRIEF, Wisc) و مطالب الحاجيات الأولية لريمي و اسرته و محيطه المدرسي قاعدة لبناء حصص المعالجة المقترحة من أجل “ريمي”.
و سينصب الهدف على تطوير نقاط الضعف (القدرة على التخطيط و تنظيم الانتباه الانتقائي و المرونة و ذاكرة العمل البصرية-الفضائية و الكبح و المراقبة الانفعالية). بالاعتماد على نقاط القوة (قدرات الفهم، تجاوز الصعوبات مع طلب المساعدة في المُعاش اليومي).
و قد تمت صياغة أهداف خاصة لريمي و أسرته حسيب السلوكات المنتظرة، مثال تنظيم إنجاز الواجبات، تحسين التعبير و تدبير الغضب، أن يكون قادرا على الاختيار.
المرجع:

Neuropsychologie et remediation des TSA
Deboeck. 2018