أنواع الانتباه وعلاقته بالانفعالات


يوسف العزوزي

مقدمة
يتدخل الانتباه في التعرف على الأشياء كما هو الشأن في عدة أنشطة معرفية، فجانب مهم من نجاعتنا المعرفية يقوم مباشرة على قدراتنا الانتباهية.
و قد تم تعريف الانتباه بطرق مختلفة تسمح للإحاطة بكل مظاهره و ذهب عدد منها إلى ربطه بقدرتنا على انتقاء مثير حاضر في محيطنا، أو إلى اعتباره شكلا من الطاقة التي تسمح بالتركيز الذهني، و هناك من اعتبر أن الانتباه يسمح بالولوج الواعي المضمون ذاكرتنا.
تتعد الأسئلة التي يطرحها الباحثون، و تختلف فمنهم من حصل على أجوبة جيدة، و منهم من لازالت أجوبته غير نهائية؛ ماهو الانتباه؟ ما هو عددالمثيرات التي يمكن أن نركز عليها انتباهنا في نفس الآن؟ ما هي الموارد الانتباهية التي نحركها خدمة لمهمة معرفية؟ كيف نوزعها؟… كثيرة إذن هي الأسئلة التي أثارت الفلاسفة منذ القدم و لا زالت تحافظ على راهنيتها.


attentio كلمة من أصل لاتيني بدورها مشتق من de attendre و يعني إعادة الروح إلى (tourner l esprit vers). يعتبر الانتباه قدرة لتركيز نشاط ذهني على موضوع ما. و يظل الانتباه سيرورة يصعب إيجاد إجماع حول تعريفها، و حسب عدة أبحاث فإن الانتباه هو نتيجة تفاعل مجموعة من السيرورات المعرفية و النورو-بيولوجية التي تدفع للحديث عن نظام انتباهي متعدد الأبعاد.
و من وجهة نظر معرفية فإن الانتباه نسق منظم يستدعي تنشيط بنيات مختلفة (johnson et protocor 2004) يرتبط بعضها مباشرة بالنظام الانتباهي و البعض الإخر بالنظام الفيزيولوجي و الحسي، يتم استدعاؤها لتنشيط الانتباه. و حصل الإجماع على ثلاثة أنواع من الانتباه هي الانتباه المتواصل، الانتباه المتقاسم، الانتباه الانتقائي:

1الانتباه المتواصل Soutenu :

يحيل إلى القدرة على الحفاظ على الموارد الانتباهية المعبأة خدمة لموضوع واحد لمدة طويلة بدافع إرادي لمعالجة المعلومات، و تشتغل هذه القدرة منذ الولادة و تكبر مع نمو الطفل بفضل نشاط الوظائف التنفيذية كالكبح الذي سمح للفرد بتجنب الإلهاءات و الحفاظ على التركيز على المعلومة الأساسية، في حين تدعم المرونة المعرفية قدرات الانتباه المتقاسم.


2 الانتباه المتقاسم Divisé :


قد تستحضر أول مرة قدت فيها السيارة و انت تعتقد استحالة إجراء محادثة و أنت بصدد القيادة، كما أن السائق الخبير قد يضطر إلى التوقف عن مخاطبة من يرافقه في لحظات صعبة.
يوضح هذا المثال أن الانتباه لا يوجه كلية أو يتوقف كلية، لأنه عبارة عن خزان يوفر الطاقة حسب الحاجة و قد يوفر ليترك ما يكفي لتقاسمه قصد القيام بمهمة أخرى.
و قد اعتبر الباحثون تدبير الموارد الانتباهية مسألة بالغة الأهمية. و بحثوا في شروط قيام النظام المعرفي بتنفيذ مهمتين متزامنتين أو أكثر، و كذا شروط القيام مهمتين بشكل آلي “automatique “.
و للإجابة على هذه الأسئلة استعمل الباحثون “باراديكم” المهام المزدوجة، للتمكن من إنجاز مهمتين في إن واحد، و قد سمحت هذه الميطودولوجيا بدراسة توزيع الموارد الانتباهية أثناء تنفيذ المهام المعرفية و إمكانية تحويل عملية التنفيذ إلى عملية آلية automatisé.
إذن يسمح الانتباه المتقاسم للفرد بإنجاز مهمتين في الآن نفسه، إذ عوض تبئير المجهود الانتباهي على نفس الموضوع يحيل الانتباه المتقاسم على تناوب المجهود الانتباهي من أجل المعالجة المتزامنة لمثيرين أو أكثر.

الانتباه الانتقائي l’ attention selective:

للانتباه وظائف أهمها تلك التي تساعدنا على أن نركز على مثير خاص من المحيط و إهمال باقي المثيرات التي توجد فيه. بالفعل تستقبل حواسنا بشكل دائم أعدادا من المعلومات، فعندما نستمع إلى كلام الشخص الذي نتحدث معه فإن اذنيك تستقبلان كذلك ضجيج الشارع و أصوات محادثات مجاورة، و في نفس الآن قد يستقبل انفك روائح من نفس المحيط، كما أن جلدك قد يستشعر الأشياء المادية التي توجد في اتصال بجسمك (الكرسي الذي تجلس عليه مثلا)، رغم كل هذه المثيرات فإنك تتمكن من الاستماع إلى الشخص الذي يتكلم معك و لا تصغي إلى ضجيج المحيط و تتجاهل باقي المثيرات الغير المناسبة.
من هنا تبرز أهمية السؤال الذي يطرحه الباحث السيكولوجية لمعرفة الآليات التي تدعم الانتباه لمثير خاص ضمن عشرات المثيرات و هذا ما يسمونه الانتباه الانتقائي.
فهل يوجد الانتباه الانتقائي؟ أغلبية الباحثين السيكولوجيين يقرون بوجوده.، و قد ينحصر اختلافهم حول مستوى أو درجة الانتقائية.
كما درس الباحثون سؤالا لا يقل أهمية عن الانتباه الانتقائي و يتعلق بمرحلة معالجة المعلومة و النظام أو المكان الذي تتم فيه عملية الانتقاء. و توجد ثلاثة نظريات للانتباه الانتقائي و هي نظرية المصفاة الانتقائية و نظرية التخفيف و نظرية الانتقاء المتأخر.

أ) نظرية المصفاة الانتقائية :
إذا كانت بعض الدراسات التجريبية حول الانتباه تعود إلى نهاية القرن 19( maquestiau) فإن الأعمال التي أنجزها Broadbent بأنجلترا تشكل انعطافة مهمة في حقل الدراسات، لتركيزها على بعد انتقائية الانتباه بهدف يتجلى أساسا في تحديد ما إذا كنا قادرين على الانتباه إلى عدة رسائل متزامنة، و إذا كانت كل الرسائل التي نستقبلها تدخل النظام المعرفي و تستدعي موارد انتباهية و تحديد مستوى النظام المعرفي الذي يتم من خلاله انتقاء المعلومات من طرف النظام الانتباهي لأجل معالجتها بعذ ذلك بعمق.
و اقترح 1958 Broadbent نموذجا أسماه المصفاة الانتقائية لعرض فكرته المتمثلة في أن المعلومة تتدفق في النظام المعرفي عبر ثلاثة مراحل :
أولا: يقوم السجل الحسي بتشفير المعلومة بشكل حرفي دون أي تغيير مادي أو دلالي.
ثانيا: مباشرة بعذ ذلك تنجز المصفاة الانتباهية ما أسماه Neisser1967( الشدة أو تردد الصوت) للمعلومات التي ستخضع للمعالجة لاحقا.
ثالثا: في المرحلة الثالثة تمر المعلومة إلى جهاز للرصد لإجراء تحليل دلالي يستهدف استخراج معنى المثير قبل إحالة المعلومة إلى الذاكرة القصيرة.

و تتجلى أهمية نظرية المصفاة الانتقائية المقترحة من طرف Broadbent في عدة مستويات، أولا لأنها أولى النظريات التي تمت صياغتها على شكل مراحل لمعالجة المعلومة، ثم لأنها ركزت على ظواهر الانتباه الانتقائي المتوفرة آنذاك، و أخيرا لأنها سمحت بصياغة تنبؤات جديدة.
… و قد ساهمت معطيات أمبريقية إلكتروفيزيولوجية لاحقة في مناقشة دقة و صحة نموذج المصفاة الانتقائية و خصوصا الأبحاث التي قام بها Martinez Etal 1999.


ب) نظرية التخفيف théorie de l’atténuation :

أمام هذا اللاتجانس بين النموذج و الوقائع اقترح Anne Treisman 1960 نموذجا آخر يحتفظ بنفس روح نموذج Broadbent و همت مقترحاته مكان النظام المعرفي المفترض أنه معني بالانتقاء الانتباهي.
و يتجلى الاختلاف الكبير بين النموذجين في أن Broadbent اقترح انتقاء المعلومات بينما اقترح Treisman التخفيف منها، أي أنه في نموذج Broadbent فإن المعلومات التي تشكل موضوعا للتركيز الانتباهي هي فقط التي تمر عبر حاجز المصفاة الانتقائية. بالمقابل في نموذج Treisman يمكنها أن تتجاوز الحاجز إلا أن مصفات التخفيف تسمح بمرور عدد أقل من الرسائل؛ فهناك الرسائل التي تمر و هناك الرسائل التي لا تمر و منها من تمر بجودة ناقصة.

ج) نظرية الانتقاء المتأخر Théorie de la sélection tardive:

يدافع النموذج المقترح من طرف deutsch deutsch 1993 على فكرة وجود انتقاء مبكر للرسائل لكن دور الانتباه يأتي بعد دخول المعلومات إلى النظام المعرفي، و حسب الباحثين فإن المثيرات تدخل النظام المعرفي لحظة الدخول إلى الذاكرة القصيرة المدى و تتم عملية الانتقاء لتخضع للمعالجة بشكل أعمق.
و كمثال، عندما نكون أمام حوارين في نفس الآن فإن نظامنا المعرفي يحلل معناها و لكنه لا يرسل إلا أحدهما.
و تبنت مجموعة من الدراسات الأمبريقية نموذج الانتقاء المتأخر. فهذاLewis1970 أخضع أشخاصا لمهمة سمعية “Dichotique” و طلب منهم ترديد الرسالة الأساسية و الرسالة الثانوية، و تتضمن الرسالة الثانوية مفردات متضمنة في الرسالة الثانوية و لاحظ أن الأشخاص يستغرقون زمنا أطول عندما يتعلق الأمر باستحضار الرسائل الثانوية

الانفعالات و الانتباه الانتقائي عند الطفل ،تأثير الحث الانفعالي بالألوان :

في سنة 2016 أنجز Benintendi وSimoes-Perlant دراسة تستهدف فهم تأثير الانفعالات على الانتباه الانتقائي عند الطفل العادي typique في سن التمدرس توخت استيعاب تأثير الانفعالات الناجمة عن الألوان على الإنجازات الانتباهية للأطفال بين 4و 11سنة، باعتبار الألوان مثيرات مقترنة بالانفعالات (Wang Shu2014) لأنها تشكل أدوات حث “induction “ مهمة تسمح بتغيير الحالة الانفعالية للأفراد ( Riolat 2003).
و استلزمت هذه الدراسة مرحلتين، شملت الأولى 400طفل ما بين 4 و 11 سنة، و استهدفت تحديد ثلاثة ألوان مقترنة بانفعالات” مريحة” أو” بغيضة” أو” محايدة”، من أجل تحضير مهمة إقران appariement لربط وجوه تعبر عن حالات انفعالية à Valence émotionnelle بأجساد ملونة.
و انتهى تحليل إنجازات الأطفال إلى تسليط الضوء على ربط الأطفال بين الأصفر و الانفعال المريح، و الرمادي و الانفعال البغيض، و البنى و الانفعال المحايد. وشكلت نتائج المرحلة الأولى قاعدة لاختبار المرحلة الثانية من الدراسة، و شكلت الألوان المقترنة بالحالات الانفعالية (مريحة، بغيضة، محايدة) مهمة ستسمح بالبحث الانفعالي l’induction émotionnelle.
و تمت مراقبة الألوان حتى لا تخضع لتأثير الإضاءة أو القتامة أو الإشباع لتفادي تأثير ذلك على إنجازات الأطفال.

و قد تم استلهام مهمة المرحلة الثانية من مهمة تتكون من 126 عنصرا ضمنها 25 هدف (قطط)، و طلب من الأطفال التشطيب على أكبر عدد من الأهداف(القطط) دون أي خطأ في أقل من 45ثانية krkman kirk2003. و تدعم النتائج المحصول عليها أثرا واضحا لنسبة الأهداف الصفراء المقترنة بالفرح كيفما كان المستوى الدراسي، إذ تمكن الأطفال الذي خضعوا في مهمتهم إلى أهداف صفراء من تحقيق أفضل الإنجازات بالمقارنة من أولئك الذي اختيرت لهم أهدافا بنية التي كانت نسبة اختيارها مساوية للأهداف الرمادية.
تبين النتائج إذن بأن انفعال الفرح مُيسِّر لهذا السيرورة كما يوضح دور الانفعالات المريحة على السيرورة المعرفية الانتباهية لأن الفرح يوسع الحقل الانتباهي و يسهل الإدراك و معالجة المعلومات.
المراجع :
Émotions et apprentissages (DUNOD 2021)
Introduction à la psychologie cognitive (deoeck 2018)