طيف التوحد و وظائف الدماغ الجبهية


Neuropsychologie et remediation des….Boeck 2017

طيف التوحد وظائف الدماغ الجبهية
TSA et fonctions préfrontales

ترجمة يوسف العزوزي

تشير المعطيات المتعلقة بفيزيولوجيا نشأة التشابك العصبي. “synaptogenése ” إلى هشاشة نضج الفصوص الجبهية الموجودة في مقدمةالدماغ( Couchen et pièce 2008).،و تتكون من عدة باحات مجتمعة و مترابطة (connectés) بينها و بين باقي بنيات القشرة الدماغية و تحت القشرة الدماغية المخيخ و النواة المركزية و النواة الأميكدالية…
و يعمل ثراء و تنوع الترابطات العصبية القصيرة أو الطويلة المسافة، على جعل الفصوص الجبهية حوامل نورو-تشريحية-وظيفية Neuro anatomio fonctionnel للعمليات الذهنية السَّلسة بالميطا تمثلات ذات المستوى العالي.
و قد كشفت الدراسات النوروسيكولوجية عن أهمية دور القشرة الدماغية الجبهية في السلوكات القصيدة الموجهة نحو هدف ما ، و القدرة على تعديل السلوك و الأفعال و التفكير حسب مختلف التغييرات التي يفرضها المحيط و التي تضع الفرد في موقع يسمح له بحل مشكلاته.

الفصوص الجبهية و حل المشكلات:


يركز الوصف النوروسيكولوجي للأطفال و البالغين المصابين بخلل جبهي على اضطراب حل المشكلات اللفظية و غير اللفظية و العمليات التي تستوجبها: ليس فقط طرق التفكير و لكن أيضا تلك المتعلقة بإدارة الحكي على شكل ألفاظ نمطية، و كذا التنظيم الزمني للحركات.
و اعتُبرت هذه السيميولوجيا الجبهية إطارا مفاهيميا للوظائف التنفيذية مع تأويل التدبير لصالح المرونة المعرفية.
على المستوى النمائي تشكل الفصوص الجبهية و تنتمي للجزء الذي يستمر نضجه الفيزيولوجية لفترة هي الأطول(سبع سنوات). كما أن الكثافة التشبيكية synaptique في القشرة الدماغية الجبهية تزيد بحوالي 10%عن تلك المُلاحَظَة عند البالغ.
و على الرغم من بطء هذا النضج النوروسيكولوجي فإن القشرة الدماغية الجبهية معنية بحل المشكلات منذ نهاية السنة الأولى كما أكدت ذلك التجارب التي قام بها” . Diamond 1988″.
و تكتسي القدرة على حل المشكلات طابعا تكييفيا يسمح للفرد بتعديل سلوكه و أنشطته، وفق معطيات المحيط المتقلبة. و تحتاج هذه القدرة التكيفية إلى عمليات المعالجة المعروفة ب:”الوظائف التنفيذية” Shallice 1982 التي يمكن الإشارة إليها وفق ما يلي:
1 : القدرة على التخطيط التي تسمح بالتنبؤ أو التمثيل الذهني للهدف المراد تحقيقه.

  1. : الانتباه الانتقائي الذي يسمح بكبح المعلومات المشوشة و التركيز على النشاط قيد الإنجاز.
    3: المرونة المعرفية التي تسمح بتغيير الاستراتيجيات التي تحول دون تحقيق الهدف.

قاد مفهوم الوظائف التنفيذية بمختلف أبعاده إلى دراسات مهمة تهم الأطفال العاديين normotypique لوصف تطورهم حسب السن. و بالنسبة للحالات الباطولوجية العصبية و العصبية الوراثية (الصرع، الصدمات الرأسية، المتلازمات..) بالإضافة إلى مجال اضطرابات التعلم و المتلازمات النمائية العصبية، بما فيها اضطراب طيف التوحد، وصلت للدراسات التي همت الأطفال البالغين إلى نتائج متباينة حول قدرات الأطفال و البالغين فيما يتعلق بقدات التخطيط و المراقبة الانتباهية الكابحة. في حين تبدو نتائج الدراسات المتعلقة بالمرونة المعرفية أكثر تحقيقا للتوافق.

يعرف اضطراب طيف التوحد بقصور في المرونة المعرفية او طغيان التشنج المعرفي الذي ينعكس على الحياة اليومية، و هذا ما يفسر نزوع أطفال طيف التوحد إلى الارتباط المبالغ فيه بروتينهم اليومي و طقوسهم التي لا يتقبلون تغييرها.
و بالتالي فإن جودة التكييف الاجتماعي و علاقته بالمرونة المعرفية كانت موضوع بحث عدة دراسات من بينها تلك التي قام بها Roders et al 1993 و أظهرت لذى أطفال التوحد قبل سن التمدرس ترابطا متفاعلا بين مؤشر التنشئة الاجتماعية المنشودة بمساعدة الآباء و قدرة الأطفال على الاكتساب و الحفاظ على قواعد بديلة. كما أبانت دراسة للبالغين TSA ترابطا متفاعلا بين جودة الاندماج السوسيو مهني و معدل الحفاظ على ما حصلوا عليه من تعلمات فترة المراهقة.

الفص الجبهي و الاهتمام بالتفاصيل :

إذا قبلنا بأن الفصوص الجبهية تدعم الوظائف التنفيذية فَسنقبلُ أنها تدعم التدخل في الوضعيات المعقدة لحل المشكلات حسب القدرة الممكن تعبئتها لكل مشكل.
في هذا السياق أجرى Godestein 1944 دراسة على الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا على الجبهة الأوروبية و أصيبوا إصابات عصبية على مستوى الفص الجبهي و لاحظ عجزا في المواقف المجردة و استحالة أخد مسافة مع الواقع و صعوبة الانتقال تلقائيا من نشاط لآخر، و صعوبة في استخراج مجموعة اعتباطية من عناصر ذات خصائص مشتركة أو رؤية اتجاه مجموعة من التفاعلات المرتبطة بانطباعات حسية. نفس الصعوبات تمت ملاحظتها لذى الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد من طرف (Kanner1943) الذي اقترح تفسير البحث في الثبات (هذه الحاجة الملحة للحفاظ على نفس المحيط )، يتعلق الأمر إذن بنفس الصعوبة التي تسم اضطراب طيف التوحد.

التواصل الاجتماعي وحل المشكلات:

يتطلب فهم الوضعيات الاجتماعية في زمن واقعي عمليات ذهنية مماثلة لتلك المستعملة في حل المشكلات. في هذا السياق، يمكن للاضطراب الأساسي المسمى”تواصل اجتماعي” الذي يحدد اضطراب طيف التوحد أن يُفسَّر بقصور نوروسيكولوجي للوظائف الأساسية المعنية بحل المشكلات، كضعف المرونة المعرفية و ضعف رؤية المجموعة “l’ensemble”.
و قد أوضحت دراسات العلاقة بين جودة التكييف الاجتماعي المشروطة حتما بالقدرات التواصلية الفاعلة و درجة المرونة المعرفية.
و سلطت دراسة (Szatmari et al 1989) الضوء على العلاقة التفاعلية بين جودة الاندماج السوسيو مهني و معدل الاحتفاظ بالمرونة المعرفية التي تسمح للأشخاص ذوي TSA بالتواصل مع الآخرين و التمييز بين وجهات نظر الآخرين.


تتعلق القدرات المعرفية لنظرية الذهن بقراءة توجهات أفعال الآخر العاطفية عندما يتعلق الأمر بقراءة الانفعالات و بالتالي إظهار التقمص العاطفي” Empathie “و هذا ما شكل موضوعا لعدة أبحاث نورو-علمية حول تحديد القاعدة النورو-التشريحية.
و تظهر دلائل الترابط الوظيفي بين قدرات نظرية الذهن و الوظائف التنفيذية في حقل النوروسيكولوجي، و ليس في مجال سيكولوجية نمو الطفل العادي normotypique.

تدخل الانفعالات:
نجى Pheneas gage من صدمة رأسية بسبب اصطدام رأسه مع عارضة حديدية تحت تأثير انفجار برميل بارود. و كان “فينياس” قبل الحادثة رجلا حكيما، ودودا، رصينا، اجتماعيا ،مجدافي عمله.
لكن سلوكه و شخصيته بعد الحادثة تغيرا، و أصبح متمركزا حول ذاته، مندفعا، متقلبا،مزاجيا لا يمكن التنبؤ بتصرفاته التي تتراوح بين الغضب و التسلط و الطفولية.
كما تعرض السيد” Erv” لاستئصال ورم سحائي في قشرة الفصل الجبهي. و رغم أن اختبارا لERv بعد ثلاثة من العملية أبان عن نجاعة قدراته التنفيذية (قدرات جيدة في المراقبة الانتباهية الكابحة و المرونة المعرفية) تبين من جهة أخرى انه غير منسجم اجتماعيا، إثر تغير شخصيته، حيث أصبح باردا، منعزلا، محايدا، قادرا على حكي أحداث طراجيدية دون إبداء أي انفعال، غير قادر على تعديل إنفعالاته و توجهاته، غير قادر على التنبؤ بنتيجة تصرفاته، و لا إنفعالاته الآخر.
يبين وصف البناء النوروسيكولوجي لحالة ERV تفككا بين القدرات المنطقية و الوظائف التنفيذية التي تظهر فعالية في السياقات الغير اجتماعية (تمارين رياضية…) و قدرات عاجزة في السياقات الاجتماعية أو العاطفية.
كما أن التوصيف النوروسيكولوجي لحالة ERV يكشف عن خلل جبهي يشير إلى ضعف في التقمص الانفعالي، وعدم الاكثرات بالآخر، و هي نفس الأوصاف التي تميز حاملي اضطراب طيف التوحد.