العلاج السلوكي المعرفي للاكتئاب (نموذج “بيك”).
Guide clinique de thérapie comportrmental cognitive
Pr: Ovide Fontaine /Philippe Fontaine
(ReTZ_2011)
تطور نمودج ” بيك-Beeck”
P:36-37-38-39-4
ترجمة: يوسف العزوزي
تطور نمودج “بيك” Beck في البداية انطلاقا من دراساته حول الاكتئاب و امتد ليشمل عناوين مرضية نفسية أخرى.
نظرية ” بيك” حول الاكتئاب :
هو اضطراب في التفكير و عامل أساسي في معظم متلازمات الطب النفسي، و ركز “بيك في دراسته على ما يلي:
@ خطاطات الاكتئاب:
توجد الخطاطات النشطة داخل بنيات معرفية سابقة كامنة، و تجدد نشاط اشتغالها عندما يواجه المريض بعض المثيرات الداخلية أو الخارجية. و عندما تستعيد الخطاطات الاكتئابية نشاطها تعوض بشكل تدريجي الطرق الصحيحة الملائمة في تقييم المعلومة (…) فالاستجابات الوجدانية يتم تحديدها بالطريقة التي يُبنينُ بها الفرد تجربته.
و تعتبر المثيرات الخارجية التي يمكنها إثارة نشاط الخطاطة الاكتئابية هي تلك التي تعكسها كل وضعية (مجموعة من المثيرات) تشبه الظروف التي أرست و طورت هذه الخطاطة.
ففي الاكتئاب كيفما كانت وضعية المثيرات الراهنة، فإن الأمر يتعلق دائما بإدراك الذات للخسارة أو التراجع الملموس في المجال الشخصي.
برزت الحاجة إلى مفهوم الخطاطة أو البنية المعرفية نظرا لغياب نظرية للذاكرة من شأنها تفسير ثبات السلوك الفردي على امتداد الزمن، يتعلق الأمر بالتمثلات المُنظِمة للتجارب السابقة و المحددَة كقواعد عامة غير مرنة وضمنية للمسلمات الصامتة.
و يمكن لهذه الخطاطات أن تكون على درجات متفاوتة من التعقيد، و تتعدد طرق الاستدلال على وجودها :
_ الاستخراج المضمون التيمي للأحلام.
_فحص الارتباط الحر.
_الاستجابات للاختبارات السلوكية.
_ملاحظة الصيغ الاعتيادية لبناء التجارب و تركيز و تقييم مختلف المثيرات الداخلية، ثم الاستجابة التي سيفرزها.
_السؤال المباشر للمريض حول انتظاراته، قناعاته، مواقفه، أحكامه.
و تقوم الخطاطة بتجريد و تحويل المعطيات الخام في الأفكار و المعارف. و تنشأ الخطاطات الاكتئابية عبر سيرورة الزمن النمائي للشخص، و تجعله مستعدا لتطوير الحالة الاكتئابية، التي يمكنها تفسير الطبيعة المرحلية و الانتكاسات المتعددة للاكتئابات.
و عادة لا تمارس هذه الخطاطات الخاصة إلا أثرا صغيرا و مناسباتيا على تفكير الفرد، لكنها تصبح مفرطة النشاط و تعوض المهمات الأكثر واقعية عندما يتصدع التنظيم المعرفي، و هذا ما يظهر على سبيل المثال في الاكتئاب و حالات الهوس.
@ تعريف الاكتئاب :
في البداية عرف “بيك” المعرفة الاكتئابية كمفهمة(conceptualisation) غير ملائمة بمضمون اكتئابي. و وصف ثلاثية معرفية مسؤولة عن أعراض الاكتئاب، محددة بتكوين رؤية سلبية عن الذات و العالم و المستقبل).
و يمكن تفييء هذه المعارف بدلالة الأخطاء الدلالية المرتبطة بالمنطق، و يتم استشعارها من طرف الذات بشكل غير قصدي، أوتوماتيكي متكرر.
بعد ذلك عرف” بيك” المعرفة la cognition باعتبارها كل نشاط ذهني يحمل مضمونها لفظيا(أفكار، أحكام، نقد ذاتي، تعليمات ذاتية، أماني معبر عنها لفظيا.) . و أخيرا تم وصف المعرفة كمضمون للأفكار أو كمسلسل معني بفعل التفكير من خلال أشكال الإدراك و التذكر و مواقف و استراتيجيات حل المشاكل.
و يتعرض َمضمون الأفكار إلى إعادة تشكيل مستمرة بواسطة أنشطة الخطاطات المعرفية الخاصة المُثارة من خلال التفاعل مع الوضعيات الحياتية.
@ العلاقة بين المعارف و التحفيز:
إذا جاز الحديث عن وجود تلاحم بين الفكر و الوجدان فإن الاستجابة العاطفية تُنتَج و تُحددُ بالطريقة التي تَبني بها الذات تجربتها الذهنية. وتتوقف شدة التفاعل على الطابع المقبول للمعرفة الاكتئابية عند المريض. و كلما ازدادت شدة نشاط الانفعال الاكتئابي كلما أصبح التقدير العقلاني أصعب بالنسبة للمريض. بالإضافة إلى ذلك يزداد الطابع المقبول للتشوهات المعرفية الاكتئابية اللاحقة، و اعتبر “بيك” هذه العلاقة البينية كنموذج للتأثير التفاعلي الدوري.
و يمكن ملاحظة العلاقة بين المعرفة و التحفيز بوجود شرطين يتعلق الأول بمعرفة معارف الشخص التي تمكن من التنبؤ بآليات تحفيزه أو غيابها، ثانيا تغيير المعرفة يسمح بتغيير التحفيز.
@الأعراض الجسمية للاكتئاب :
ينطوي تفسير الأعراض الجسمية و البدائية (végétatif) – غياب الوعي بالذات و المحيط- للاكتئاب في إطار النموذج السيكولوجية على صعوبات جمة، فاختبار المتغيرات السيكولوجية يقود للخلط بين مستويات مفاهيمية مختلفة و ينتهي بالغموض بدل الوضوح.
ويرى “بيك” وجود علاقة بين المعرفة الاكتئابية و التأخر الحركي و الإرهاق بالإضإفة إلى الأعراض البدائية(Symptômes végétatifs) كمُصاحِبات سيكولوجية لاضطراب سلوكي خاص.
المبادئ الإبستيمية لنموذج ” بيك”:
نموذج” بيك” و التحليل النفسي:
يعتقد التحليل النفسي بأن التجربة الواعية تلعب دور الشاشة المقارنة مع دينامية اللاشعور. فيما يستعمل المعرفيون المنضوون تحت لواء نظرية “بيك” مقاربة فيمينولوجية حيث يمكن إثارةالميكانيزمات اللاشعور ية من خلال التأمل الذاتي ( الاستبطان).
بالإضافة إلى ذلك يعتبر” بيك”إسوة بالسلوكية التقليدية بأنه؛ إذا كان الماضي مهما لتفسير نشأة “la genése” بنية المعارف الحالية فإن مشاكل الذات تتموقع هنا و الآن. بالإضافة إلى ذلك يرى ” بيك” أن المعالجة مُبنينة و منظمة في اتجاه أهداف محددة يلعب فيها المعالج دورا نشيطا.
نموذج بيك و النظريات السلوكية الكلاسيكية :
كما هو الشأن بالنسبة للسلوكيين تقوم معرفية “بيك” على السلوكات المفتوحة بالبحث في التدخل المباشر في المواقف، الانتظارات، المعتقدات غير العقلانية ،على اعتبار أن هذه الآلية المعرفية تشتغل بشكل آلي و مستقل عن المحيط.
نموذج “بيك” و نموذج “إليس” :
خلافا للعقلانية الانفعالية العلاجية ل”إليس” الديداكتيكية التعميمية و الدلالية، تعتقد مدرسة “بيك” المعرفية أن التغييرات المعرفية تُشتق من المُعاش التجريبي لاختبارات الواقع المُنساب من نتائج إعادة البناء المعرفي.
القواعد الإجرائية لنموذج “بيك”:
تنطوي مجموع حقائق السلوكية و التحليل النفسي على الحذر من الوصف الذاتي الذي يقدمه الشخص.. و يقبل “بيك” بالتأويل الفردي كقاعدة انطلاق، لأهمية تحليل الشخص من أجل فهم ذاته.
و يمكن تلخيص القواعد الإجرائية التي تقوم عليها نظرية و ممارسة “بيك” كما يلي:
_
ترتبط تأويلات الواقع الموضوعي بالسيرورات المعرفية غير المعصومة من التشويه.
_تمثل معتقدات الشخص مجموعة من الفرضيات القابلة للتغيير.
للحصول على تغيير في نسق الفرضيات يجب أن يخضع سلوك الفرد إلى تجارب التعلم أكثر من انخراطه في نسق ديداكتيكي لفظي.
محاور العلاج عند “بيك” :
يندرج النموذج العلاجي لبيك في سياق ما ورد سالفا و يقوم العلاج على التعاون العلاجي الذي يجب من خلاله
أن يقتنع المريض بأهمية النموذج المقدم في شكل صياغة واضحة للمشكل.
و يقوم العلاج على التزام تعاقدي، لينخرط المريض في غمار التجربة الشخصية بناءا على مهمام متدرجة و لعب الأدوار “jeu de rôles “محاولة للكشف عن الفكر غير العقلاني. و علاقته بالأعراض الاكتئابية. و رغم ذلك يبقى هذا الرصد غير كاف، إذ يلزمه عدة تقنيات معرفية لتغيير المعارف السلبية، و تلافيا للعودة إلى الانتكاسة يتعلم المريض استعمال تقنيات معرفية احتسابا لأي ظروف غير متوقعة ليتصرف بشكل مستقل عن المعالج
A i