التحليل الوظيفي في العلاج السلوكي المعرفي


Guide clinique de thérapie comportrmental cognitive
Pr: Ovide Fontaine /Philippe Fontaine
(ReTZ_2011)

P:70-71-72-73-74-75-76-77-78-79-80-81-82-83-

التحليل الوظيفي في العلاج السلوكي المعرفي:

ترجمة يوسف العزوزي:
أضحت طرق التشخيص في العلاج المعرفي السلوكي إجرائية،من خلال عدة أشكال و تحت مسميات مختلفة: التحليل السلوكي، التحليل الوظيفي، التحليل الكلي، مفهمة الحالة.. و قد فضلنا استعمال التحليل الوظيفي لدقته و اشتماله على باقي التعابير و خصوصيته في تحليل و شرح وظافة شخص متفرد في سياق خاص.
في نهاية الستينات اقترحت عدة تصورات لإضفاء الطابع الرسمي، لكننا سنستعمل تلك التي استجاب لها المعالجون الفرنكوفونيون، ثم سنتطرق إلى مفاهيم و منهجية نموذج الأثر الرجعي “le modèle rétroactif”.
نموذج كانفر و ساسلو kanfer et saslow :

يتبع نموذج كانفر و ساسلو ثلاثة أهداف:
1.: تحديد السلوكات التي يجب تعديلها.
2: تحديد الشروط التي أدت إلى اكتسابها.
3: تحديد العوامل الحالية التي تسبب الاحتفاظ بها.
و تسمح المعطيات المُحصل عليها باختيار و تخصيص الإجراءات العلاجية المناسبة، و يقترح المختصون استخراج المعطيات من خلال سبعة أبعاد :
1. بحث المشكل الخاص” spécifique ” لتحديد الأحداث و الوضعيات ذات العلاقة بالمشكل (طوبوغرافيته، التردد، الشدة، الزمن.) و استخراج أهداف الفعل العلاجي.
2. توضيح الوضعية المشكل بتحديد المتغيرات السابقة و التوابع التي تُبقي و تحافظ على السلوك المشكل.
3 تحليل تحفيزي بهدف تحديد كل ما من شأنه أن يشكل تعزيزا للسلوك بدلالة التاريخ الشخصي.

4. تحليل نمائي للماضي البيولوجي و السوسيو ثقافي و الشروط الخاصة التي طورت المشكل على امتداد حياة الشخص.
5. تحليل المراقبة الذاتية الهادفة إلى التعرف على الوسائل التي يتوفر عليها الشخص على مستوى المراقبة في حياته اليومية.
6تحليل العلاقات الاجتماعية المتعلقة يالاندماج الاجتماعي بشكل عام و خصوصا علاقات الشخص بمحيط الاجتماعي.
7.تحليل المحيط السوسيو ثقافي و المادي بهدف اختبار إمكانيات و حدود الشخص بدلالة النظم التي ينمو فيها.
شبكة “بازيك-إ د. La grille de Basic. ID
يستهدف نموذج لازاريس Lazarus المُسمى BASIC-ID استخراج ملمح الفعل العلاجي الذي يسمح بالتدخل المتعدد الطرق ، و تجتمع معطيات كذالك في سبعة أبعاد”
1  السلوك المفتوح (b)
2الوجدان(a) و المشاعر( s) المرافقة لهذا السلوك.
3التصوير الذهني (i) و علاقته بهذا السلوك.
4المعرفة (c) المرتبطة بالأفكار و المعتقدات ذات العلاقة بهذا السلوك، و إمكانية التغيير.
5العلاقة البين-شخصية ( i) و ارتباطها بهذا السلوك.
6 المخدرات (d) و تحديد الحالة الجسمية و استهلاك الأدوية أو المخدرات.
7و أضاف كوطرو cottraux بعدين آخرين:
العلاقة (e) مع انتظارات الشخص.
الوظيفة العلاجية (a) إزاء الشخص.
الحلقة المفرغة le cercle vicieux :
أقترح Cugni تحليلا وظيفيا مبسطا للوضعية المشكلة التي يمكن للمعالجة استعمالها أو للمريض في طور العلاج، و تقوم على :
1 الوضعية المستفزة.
2المعرفة: في ماذا أفكر؟
3الانفعال: في ماذا أحس؟
4السلوك : ماذا أفعل؟
5 التوابع.

 

نموذج الأثر المرجعي. Le modèle rétroactif :
النموذج الأولي:
أقترح فونتين و يليف “Fontaine et Ylief” سنة 1981 نموذجا للتحليل الوظيفي يسمح باستيعاب التفاعلات بين السلوكات المدروسة و المتغيرات المحتملة حسب الخطاطة S-R-C :   استقبال الأحذاث المُلاحظة ذات العلاقة بالسلوك R. ثم دراسة الأحداث السابقة (S) و التوابع ( C). لكن باندورا أدخل متغير الناس و الأحداث في الماضي و أصبحت الخطاطة كما يلي: S Ô R C و تقترح علاقات سببية بيونفسية اجتماعية متعددة العوامل و ذات آثار رجعية توجه لأجل تدخلات متعددة الطرق و الجوانب.
تطورات النموذج :
لكي يبدأ تحليله الوظيفي يطرح المعالج ثلاثة أسئلة بسيطة:
1 كيف تم ذلك؟
2في أي ظروف يتم ذلك.؟
3ماهي النتائج(التبعات)؟.
و تسمح له هذه الأسئلة بجمع المعطيات و تجميعها حسب ما يعنيه من وصف للسلوكات التي تشكل مشكلا و الشروط الداخلية و الخارجية التي تتمظهر من خلالها السلوكات و كذا التبعات الداخلية و الخارجية التي سببتها. و تسمح قيمة و عدد المعطيات بالانفتاح تدريجيا على تحقيق الأهداف الخمسة الآتية:
1.الوصف الدقيق للسلوك المشكل.
2تعريف المتغيرات السياقة المساهمة في ظهورها.
3تحديد التبعات المساهمة في الاحتفاظ بها.
4الكشف عن العوامل العضوية و أحداث التاريخ الفردي المفترض أن تشرح نشأته.
5 انتقاء أهداف المعالجة.
بعد مقابلتين أو ثلاثة يستطيع المعالج المتمرس الحصول على معطيات كافية لأهدافه، و يبقى متيقظا للحصول على معطيات يمكنها إغناء أو إكمال تصوره، و يكون مستعدا للمرور إلى مرحلة التركيب التفسيري لمشاكل الشخص، ووضع استراتيجية المعالجة التي سيخضع أثرها للتقييم.

توضيح أو وصف السلوكات المشكلة:
يسمح توضيح و وصف المعالج باحتواء و إقامة جرد للسلوكات التي تمثل مشكلا. و تلك التي لا تطرح أي مشكل. و يجب وضع أهداف التدخل و مناقشتها مع المعني بالأمر، ثم مراقبة بعض السلوكات و تقييمها بشكل دقيق لإرساء “خط أساسي” une ligne de base ” لاستعماله كشاهد.
أ) السلوكات:
قد يعتري القصور تعريف السلوك عندما نحصر دلالته في الأنشطة القابلة للملاحظة المباشرة، فحينئذ نستثني حالات الوعي و الأفكار و المشاعر و التمثلات و أنشطة داخلية. لأن السلوك يمتد لتغطية العمليات الداخلية و يميز كل نشاط ذي معنى قابل للملاحظة المباشرة و غير المباشرة.
ب) المشاكل:
يحيل لفظ المشكل أولا على ما يعتبره الشخص مزعجا فيما يقوم به أو يفكر فيه أو يحس به، و بسببه يطلب مساعدة خاصة، و يمكن للطلب أن يكون محدودا أو كليا. صريحا أو ظمنيا مباشر أو غير مباشر.
و يستوجب التوضيح التحديد و الاعتراف بمجموع المشاكل المعاشة باستعمال تقنيات تواصلية (توجيه، إعلام، استرخاء ، مساعدة، تثمين…) و يمكن لهذه المساعدة أن تعمق القراءة الأولية للشخص و تعديل طلبه و توجيهه.
ج) السلوكات المشكلة:
يعكس ” السلوك المشكل” تصرافا أو أكثر محددا و معترفا به من طرف الشخص و المعالج بأنه مشكل يجب تعديله.
و يسمح الحوار التوضيحي بتحديد طبيعة المشاكل الأساسية و وضع جرد لها، و ينتهي بإفراد أهداف التدخل.
تقييم السلوك المشكل :
مبدئيا يجب أن ينسجم وصف بعض التصرفات مع معايير دقيقة (طوبوغرافية، التردد، الشدة، الزمن.. و يمكن لهذا التصرف أن يصطدم بعدة عراقيل مرتبطة بطبيعة و عدد السلوكات و الشروط الوجودية للشخص و انخراطه في التفاعلات المُثارة.
و عادة يتم وصف طوبوغرافية المشكل من طرف الشخص، و يكون الوصف مُيسِرا عندما يتعلق الأمر بالسلوكات الحركية، و قد يكون مضنيا عندما يكون مظهر السلوك معرفيا، أو له تمظهرات انفعالية أو عندما نكون بصدد حصر مضمون الأفكار أو تمييز المظاهر السيكولوجية التعبيرية و الذاتية للانفعالات.
و من أجل التقييم الدقيق لتردد و شدة و زمن السلوك يجب على الشخص أن يقوم بمراقبة ذاتية، حسب معايير محددة طيلة المرحلة المتفق عليها، مع تحديدالسلوكات المراد مراقبتها، و لا يجب أن تكون هذه المهمة مفروضة بل متفق عليها. و يمكن في بعض الحالات أن ينتج عن المراقبة الذاتية تغيير في السلوك المستهدف تقييمه.

تحديد المتغيرات السياقية:
تتموضع المتغيرات السياقية في المحيط المادي و الاجتماعي الذي في بحره يغوص الشخص في مشاكله و يعني كل الأحداث و الظروف التي تؤدي إلى ظهور أو غياب السلوك المشكل، و تلعب دور المثير الفاعل SD.

و يمكن لهذه الأحداث أن تكون داخلية أو خارجية، تصطف في سيرورة من العناصر الملموسة إلى كوكبة أكثر شمولية و تجريدا. و يؤي تجاورها مع السلوك المشكل حلولها في مقام المثير الفاعل stimulus discriminatif   . علما أن تحديد المثير الفاعل sd يساهم في صياغة الفرضية التفسيرية على مستوى: كيف يظهر أو لا يظهر السلوك المشكل.
و قد تلعب متغيرات سياقية أخرى دورا غير مباشر أو أقل ثباتا لأنها تشكل سياقا خاصا تمكنت من خلاله مثيرات أخرى أن تكتسي دلالات تضعها في خانة المثيرات المُيسرة.
تحديد التبعات :

للسلوك المشكل عدة تبعات بالنسبة للشخص، و قد يلجأ لسلوك التجنب/أو التهرب من وضعية مثيرة للقلق “phobogene” تلافيا لتمظهرات القلق، و البحث عن الارتياح(تبعات إيجابية). لكن بالمقابل فإن التهرب من القيام بنشاط مستهدف يسبب انزعاج المحيط و يمثل ذلك (تبعات سلبية). و لهذه التابع أثر تعزيز (تثبيت consolidation) إيجابي أو سلبي على السلوك المشكل حسب إن كان يزيد أو ينقص احتماليته، و تحديد هذا الأمر مهم لتفسير كيف يحافظ السلوك على مستواه و تردده و شدته و زمنه.

دراسة السوابق (الفطرية و المكتسبة) :

يحيل مفهوم السوابق الفطرية و المكتسبة على المعطيات التاريخية و البيولوجية و النمائية و الأسرية و الاجتماعية الممكن الاعتماد عليها لتفسير نشأة المشكل و طبيعة محدداته الحالية، و تساعده دراسة ذلك في الأخد بعين الاعتبار عوامل كالخطاطة المعرفية الكامنة وراء الشخصية المعرفية. و يمكن تعريف هذه الأخيرة باعتبارها دليلا لمجموع السجلات السلوكية المعرفية، الانفعالية الفيزيولوجية، التي يمتلكها الشخص في لحظة من حياته.

انتقاء أهداف المعالجة:

عند توضيح المشاكل فإن طلب و انتظارات الشخص تناقش و تستخرج الأهداف المشتركة التي تعبر عن التغييرات الملموسة، المأمولة بالمقارنة بما يفكر أو يحس به، بالإضافة إلى التغييرات المرجوة من من وجهة نظر المعالج، تلك المتعلقة بالنجاعة و المراقبة الذاتية، و تنظيم الذات لتقبل احتمالات الانتكاسة.
و تعتبر المتغيرات السياقية و التوابع أهدافا “تقنية” و منهجيات خاصة تروم مراقبتها و تغييرها أو حدفها. و يمكن للعوامل المستخرج من تحليل السوابق الفطرية و المكتسبة أن تقود إلى تدقيق و توضيح أهداف المعالجة بدلالة الأثر المفترض على الصيغ و القبول و مشاركة الشخص في المنهجيات المعتمدة.

التركيب التفسيري:
عند نهاية المقابلات الأولى يجب على المعالج أن يكون فكرة كافية عن الشخص، ما يقوم به وما لايقوم به. بماذا يفكر و يحس؟: الطوبوغراغيا، التردد، الشدة، السلوكات المشكل المنتقاة بوصف دقيق. ثم المحددات الداخلية و الخارجية (المتغيرات السياقية و التبعات) و كذا تأثير العوامل المتعلقة بالتاريخ الفردي، حينها يمكن إجراء تركيب synthèse المعطيات المُحصل عليها.

أ) نموذج السببية بأثر رجعي :
من المنظور البيو نفسي-اجتماعي يعتمد التركيب على نموذج السببية “بأثر رجعي” الذي يدمج مجموع المعطيات المعنية بنشأة و الحفاظ على السلوك المشكل. و يؤكد هذا النموذج بأن أي معطى ينتمي إلى نسق مكوَّن من عدة عناصر تتفاعل مع بعضها البعض، و تقود إلى صياغة فرضيات تأخد بعين الاعتبار التفاعل بين مختلف المتغيرات سواءا كانت سياقية، توابع تاريخية داخلية أو خارجية.
مثلا يسلط أي خلل وظيفي جنسي ذكوري الضوء على السوابق التاريخية، و تاريخ حياة الشخص المحكوم بإكراهات أخلاقية (قد تكون قاسية بشكل يفوق التحمل) .
و تشير المتغيرات إلى الحياة الجنسيةالتي تطرح أصلا مشكل القلق و التوتر لدى “الزوج couple” على مستوى التشنج العاطفي للشخص و كذا المعارف و الأفكار، فلكل عنصر انعكاساته على مستوى النسق بأكمله. فإذا كان التواصل يسود العلاقة فإن ذلك يخفف من المشكل.
ب) النظرية و الممارسة:
تقوم الفرضيات على النماذج النظرية المقترحة من طرف الأبحاث السريرية لكنها تأخد بعين الاعتبار الخصوصية الفردية.
لكن بعض المتغيرات المتجاهلة أو التي تكتسي دورا حاسما بالنسبة لشخص بعينه، و هذا ما يغذي النقاش حول علاقة النظرية بالممارسة، فالبعض يؤكد أن الصرامة النظرية ضرورية في المعالجة و يرى البعض الآخر أن هذه الصرامة ثانوية.

و بعيدا عن هذا النقاش يجب على المعالج أن يصيغ تفسيراته حول كيف؟ و لماذا؟ المتعلقة بالمشاكل، قبل اقتراح الحلول، كما يجب أن تعتمد تفسيراته على منطق صريح و معارف علمية.

وضع استراتيجية الَعالجة:

تَعتبر روح المنطق التجريبي المعالجة “traitement” تجربة تسمح بمراقبة الفرضيات المطروحة و المستخرجة من نموذج سببية الأثر المرجعي الموجَّه نحو عمليات متعددة البؤر و متعدد الصيغ، تستهدف بالتوازي و التوالي كل محددات السلوكات المشكلة بدلالة خصوصية كل حالة.
ففي حالة الخلل في الانتصاب مثلا فإن الاستراتيجيات يمكن أن تتجه إلى المنهجيات السلوكية، و التحسيس المنهجي و إعادة البناء المعرفي للزوج couple أخدا بعين الاعتبار السن و الثقافة و الحالة الزواجية و الحالة الصحية للشخص، و أي تغيير في هذه المتغيرات يمكن أن يجر تغييرات بباقي العناصر و يدفع بإمكانية تغيير السلوك المشكل.

أهمية متغير “المعالج”
لا تقوم استراتيجية المعالجة فقط على الفرضيات و المنهجيات، لكن أيضا على بعض المتغيرات المهملة و المُتجاهلة، و منها المُعالج، لقدرته على الإبداع و التجديد و البراعة معتمدا على أدواته المفاهيمية و المؤطرة بمعالم علمية منهجية لاستكمال مرافقة المريض إلى بر الأمان النفسي.

تقييم أثر المعالجة:
ينتمي تقييم أثر المعالجة إلى منهجية التشخيص المبنية على العقل التجريبي، كما يقوم على تقدير المريض لنفسه، بالإضافة إلى الخطوط الأساس “les linges de base” المنجزة في بداية التكفل.
و يشكل تأثير المعالجة أو التغييرات المُلاحظة معطيات جديدة للتحليل و مساءلة الفرضيات المطروحة و المنهجيات. و لا يعني غياب التأثير التخلص من الفرضيات المطروحة لكنه لا يؤكد ملاءمتها.
خلاصة :
يشكل التحليل الوظيفي بأثر رجعي وسيلة مفهومية و منهجية تيسر فهم الشخص كفرد، ووصف مختلف مظاهر وِظافته و تعريف المحددات الداخلية و الخارجية و التاريخية لسلوك المشكل. انطلاقا من التفاعلات المحتملة بين تلك المحددات، و يساهم في تحديد أهداف التدخل و الاستراتيجيات العلاجية الممكنة.