العلوم العصبية المعرفية في القسم المدرسي : 1


 العلوم العصبية المعرفية في القسم المدرسي : 1

Les neurosciences cognitives dans la classe.
Préface :d Olivier houdé
P:41-42-43-54

 

ترجمة: يوسف العزوزي. 

العلوم العصبية المعرفية، عن ماذا نتحدث؟
تعتبر العلوم العصبية المعرفية مادة علمية و مجالا للبحث يستهدف تحديد و فهم دور الميكانيزمات العصبية المعنية بمختلف المجالات المعرفية (الإدراك، اللغة، الذاكرة، التفكير،التعلمات،الوظائف التنفيذية، الحركية…).
فسحت الاكتشافات العلمية الجديدة(الثلاثين سنة الأخيرة) المجال أمام صقل فهمنا لمعرفة وظيفة الدماغ و اختلالاته الوظيفية.

و بحكم موضوع دراستها و الإشكاليات المنهجية التي تحركها، يتضح أن العلوم العصبية المعرفية متداخلة التخصصات من خلال واجهات علم النفس العلمي و علم النفس المعرفي(المعني بكل الأنشطة المعرفية) و العلوم العصبية و العلوم الحاسوبية و الذكاء الاصطناعي.

و تجتمع العلوم المعرفية حول كل هذه التخصصات بالإضافة إلى كل تخصص يعالج اكتساب المعارف عند الإنسان أو الحيوان (الفلسفة، اللسانيات، المعلومات، علم السلوك الحيواني..).
و تشكل العلوم العصبية المعرفية ثورة بالنسبة لعلم النفس لأنها تفسح المجال أمامه ليستعمل لأول مرة تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي-IRMF-للدماغ في حالة نشاط – in vivo-أثناء إنجاز مهمة أو حل مشكل.
سمحت هذه التكنولوجية الجديدة ليس فقط بتصوير الشبكات العصبية المعنية بإنجاز المهام من خلال دراسةتركيز الأوكسجين في الدم في مختلف باحات الدماغ، و لكن امتدت إلى البنية المتعلقة ب(حجم، مساحة، أبعاد) مختلف أجزاء الدماغ
تنسج *النورو-تربية” أو العلوم العصبية المعرفية للتربية وهي نسق فرعي من العلوم العصبية المعرفية ، روابط مباشرة مع علم النفس التربوي للتعلمات و النمو..و تسعى إلى فهم و وصف السيرورة السيكولوجية و الميكانيزمات العصبية التي تشكل أساس التعلمات المدرسية الأساس ( القراءة ، الكتابة، الحساب، التفكير، احترام الآخر..).
إذ يذهب ملايين التلاميذ إلى المدارس، و يفسحون المجال أمام إمكانية المقارنة بين: قبل التعلمات و بعدها، و كذا التغييرات العصبية و السلوكية الناتجة عن مختلف أنواع التعلمات و البيداغوجيات.
هكذا يسمح علم التعلمات الجديد(النوروبيداغوجيا أو علم النفس البيداغوجي) للباحثين بفهم جيد للميكانيزمات النورومعرفية التي تشكل أساس قوانين التعلم داخل الدماغ الإنساني.

ماذا يمكن أن تقدم العلوم العصبية المعرفية للبيداغوجيا؟

رغم أن اتساع دائرة الاهتمام بالمعارف المتعلقة بوظافة دماغ المتعلم و تعلماته في السنوات الأخيرة، فلايمكن حجب المساهمات السابقة، لأن فكرة التقريب بين العلوم العصبية و علم النفس المعرفي و التربية ليست جديدة، لكنها تستوجب التحيين المستمر المواكب لمستجدات البحث.
لم يعد إذن الجدار الذي ساد بين العلوم العصبية المعرفية و العالم المدرسي محكما و عازلا، فجادبية العلوم العصبية المعرفية الممارَسة على  رجال التعليم خير شاهد على تزايد الندوات المهنية و تراكم المقالات حول الموضوع و ارتفاع الطلب على التكوينات بشكل ملحوظ.
لم يعد إذن من الممكن التقليل من أهمية الأبحاث حول الدماغ على الممارسات البيداغوجية، فهل كنا قادرين على تخطيط المكتسبات في الذاكرة مع الأخذ بعين الاعتبار إيقاعات النسيان و ضرورة تثبيت المكتسبات الذهنية؟ و هل كنا نمتلك فكرة واضحة عن نمو ميكانيزمات الانتباه و مراقبة التفكير؟ و هل كنا نعرف القواعد الأساسية لوظيفة الذاكرة؟ و كيف كان الخطاب الذي كنا نواجه به التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم و قدراتهم و ذكائهم. تنضاف إلى ذلك أسئلة أخرى شكل تفاعل العلوم العصبية المعرفية فرصا لتحسين فهم تعلمات التلميذ بناءا على نتائج أبحاث هذا التيار.
لا… لم نكن نتصرف بشكل صحيح في السابق.:

هل كان الأستاذ قادرا على أن يحدد بدقة ما كان ينتظره من التلميذ عندما كان يطلب منه “أن ينتبه”.؟ هل كان بإمكانه تعريف الانتباه، أو شرح كيفية تطويره؟ هل كان يميز بين الممارسات البيداغوجية التي تنمي الانتباه أو تشتته؟. نفس الأسئلة يمكن طرحها حول الفهم و التذكر.. و هل يمكن للأستاذ أن يجد حلا لعقدة التلميذ عندما يقول :”أنا لا أفهم/أي شيء.”.
إذن : دون الادعاء بوجود ثورة في العالم المدرسي، جاء تيار العلوم العصبية المعرفية بمعلومات مصادق عليها من طرف الهيئات العلمية حول وظافة الدماغ الذي يتعلم، و اتبثت هذه المعطيات العلمية نجاعة الممارسات العلمية بشكل يتيح للأساتذة تعميق فهم ممارستهم. كما سمحت بمساءلة الممارسات التقليدية، و العمل على تجديدها، و  التأسيس لممارسات بيداغوجية تواكب التطور العلمي.

تطوير ممارسات بيداغوجية ناجعة… الكرة في ملعب الأساتذة:
يُنتظر من العلوم العصبية المعرفية أن تساهم في تحسين القَدَر المدرسي للتلاميذ الذين يعانون من الصعوبات، و الرفع من نجاعة التعليم و سلك الطرق الأفضل للتعلم، من خلال تكوين الأساتذة في هذا المجال ليتمكنوا من وضع وسائل بيداغوجية مكيفة حسب خصوصية التلاميذ، ليتعلوا و هم مُستمتعين بتواجدهم بالمدرسة.. إذن الكرة في ملعب الأساتذة.

مجالات العلوم المعرفية الكبرى للتعلمات التي تشمل كل التلاميذ:

لأننا كائنات تتذكر و حياتنا مبنية حول مكتسباتنا، يتموقع التذكر في مركز اهتمام العلوم المعرفية للتعلم، فحاضرنا و مستقبلنا رهين بذاكرتنا، التي تخزن تعلماتنا، في هذا السياق تتضح أهمية الحاجة إلى معرفة كيفية اشتغالها للنظر في طرق بيداغوجية مكيفة.
يجب إذن أن نعرف لكي نفهم، و نطور كفاياتنا، لأن الفهم مفتاح مهم و هدف كبير. يجب أيضا أن نتعرف على إيقاعات الدماغ الذي يتعلم بطريقة تلقائية أو العكس، بشكل واعي أو العكس، كيف ينسى؟ و كيف يتدارك النسيان.؟
تتعدد دروب البحث و الدراسة و تقود إلى إدراك أهمية القدرة على الانتباه كأولوية لتحقيق النجاح الدراسي من بدايته إلى نهايته، دون إغفال أهمية الكبح، لنتعلم المقاومة من أجل مراقبة التفكير و السيطرة على ردود الأفعال و الانفعالات. يجب كذلك أن ننكب على تدبير حدود ذاكرة العمل لتيسير معالجة المهام و المعلومات.

العلم يشرح و يلهم، و لا يفرض أي شيء بشكل دغمائي:
لا تفرض المعرفة العلمية أي شيء، إنها مجرد طرح و شرح. بفضلها نعلم اليوم أن كل تعلم يقترن بتغييرات بيولوجية في الدماغ بفضل الخاصية العجيبة للدماغ التي تسمى اللذونة العصبية، فالعصبونات تتغير تحت تأثير المحيط كما تتغير ارتباطاتها و تتضاعف و تتطور ميكانيزمات المراقبة، و تشتغل إعادة التدوير العصبي في حالة الحاجة.
فكيف يستثر المعلم و المتعلم هذه المعطيات؟. إذ بناءا عليها يمكنهم أن  يعرفوا الآن سلطة كل فرد على بنية دماغه في معرفته بخصوصيته. لم يعد للقدرية مكان، و أصبحت تعبيرات: ” أنا لا أحفظ.. أنا فاشل/في الرياضيات… لا يمكنني التركيز..” مجرد عوائق سيكولوجية أمام تعلم الدماغ الذي يمكنه أن يتعلم في أي سن بفضل لدونته و في إطار حدودها.

تعليق واحد على “العلوم العصبية المعرفية في القسم المدرسي : 1”