
الأسس البيولوجية و السيكولوجية للانفعالات و التيارات الثلاثة للعلاج السلوكي المعرفي.
Bases psychologiques et biologiques des émotions et les trois vagues de la TCC.
J. Cottraux
ترجمة : يوسف العزوزي
” لا نحصل على المشاعر القوية إلا من خلال المعتقدات القوية”
Honoré de Balzak. Le consi pons.
غالبا ما يشتكي الأشخاص الذي يسعون إلى العلاج المعرفي السلوكي من إحساس السقوط في فخ انفعالاتهم، و لا يمكنهم مواجهة مشاعرهم، ما يدفعهم إلى الهروب من وضعيات اجتماعية او وضعيات يومية تقتضي مواجهة المحيط. و تصبح حياتهم مليئة بغموض يلف انفاعالاتهم، و يعوق حل مشاكل علاقاتهم التي قد تشفطهم في دوامة فشل متوالي، و قد تنتهي بهم في مخالب الاكتئاب. يكررون نفس الأخطاء في العمل أو الحياة الشخصية، و هم يعرفون أن بإمكانهم التصرف على نحو أفضل، إلا أن انفعالات و افعالا اندفاعية تحاصرهم داخل دائرة مغلقة يصعب الخروج منها.
تتعدد المفاهيم العلمية للافعال، و يصعب الإحاطة بها كلها، لكن ذلك لا يمنع من التطرق بشكل تحليلي إلى الأسس العلمية الخاصة التي تقوم عليها الممارسة الحالية للعلاج المعرفي السلوكي. قبل ذلك يجب البدء من المغامرة الصعبة لتقديم تعريف للانفعالات.
ماهي الانفعالات ؟
أقترح تعريف الانفعال بوصفه استجابة سلوكية و فيزيولوجية قصيرة و شديدة تعكس المعاش الذاتي للشخص المعني بالانفعال من خلال حدث داخلي أو خارجي. و الانفعال من أصعب الظواهر السيكولوجية للفهم، و من ثمة للتعريف، و يستحسن تقديمها بدلالة مميزاتها الأساسية الخمسة:
1 : الانفعال إحساس و بناء ذهني :
يعكس الانفعال معاشا ذاتيا، و هو إحساس سلبي أو إيجابي، يمكن أن يكون مرغوبا فيه أو العكس، و يعكس معالجة للمعلومة و بالتالي فهو بناء ذهني وفق ما يرد من الخارج و /أو إحساس نفسي، و يمكن لهذه المعالجة أن تكون واعية أو غير واعية (المشكل المطروح منذ زمن بعيد).
2.للانفعال وظيفية للبقاء (survie) :
الانفعال كالألم ظاهرة تقدم قيمة للبقاء، فالخوف يدفع للهروب أو الهجوم أو الحركة. و الفرح يتيح تذوق اللحظة و السعادة… و بالتالي فإن الانفعال مكون أساسي للحياة، و يمكن للانفعال أن يكون أوليا مرتبطا بالغريزة أو ثانويا شكلته الثقافة، فيما يبقى جانب مرتبط بالثقافة و الغريزة معا و يمكن دراسته.
و يطبع الانفعال مميزات اجتماعية و يمكن أن يكون ملائما أو غير ملائم حسب خصوصية السياق الاجتماعي، و يمكن أن يعاش الانفعال أو يُؤول، و يسمح للأفراد و المجموعات البشرية و الحيوانات بالتواصل.
3. الانفعال ظاهرة قابلة للملاحظة :
عديدة هي اانصوص الشعرية و الافلام و الروايات و القطع الموسيقية التي تترك أثرا على الانفعال، و يمكن دراستها كوثائق في علاقتها بالانفعال، كما كانت لغة الجسد عالمية في لغة السينما الصامتة، و اقتربت الموسيقى من الانفعال، إذ لا السينما الصامتة و لا الناطقة و لا الميم أمكنهم تجاوز الانفعالات، و يستعمل المسرح الموسيقى و الكلمات.
و تتشكل العلاقة بين الفنون الجميلة و الموسيقى عند أشخاص يمتلكون القدرة على تحويل الانفعالات الموسيقية إلى إدراكات ملونة. كما تُستثار الانفعالات من خلال وضعيات أو مثيرات خاصة، و يمكن دراسة أثرها بالتفصيل في الحياة اليومية أوفي زمن العلاج النفسي الذي يسمح بملاحظة تكرار الانفعالات من خلال سيناريو حياة المريض.
و سمحت عدة طرق تجريبية بدراسة الانفعال في المختبر من خلال اعتماد وسائل مختلفة:
@ صور الوجوه و ملخصات انفعالية قصيرة.
@الموسيقى.
@سيناريوهات قصيرة.
@برنامج وقائع افتراضية.
سياقات اجتماعية مرتبة.
و يمكن تقطيع الانفعالات إلى مكونات عاطفية-معرفية و فيزيولوجية و سلوكية و دراستها باعتماد التصوير العصبي “Imagerie cérébrale ” لتحليل المناطق الدماغية النشطة و الغير النشطة أثناء تقديم مثير.
4. الانفعال وجيز : مقاربة علمية و أدبية:
الانفعال: L émotion
مدته بضع ثوان، و من أجل التحليل الدقيق يلزم استعمال فيلم العرض البطيء (Ekman 1994)، و يجب التمييز بين الانفعال و الشغف و الأحاسيس و المزاج.
أثبتت دراسة تجريبية للمعجم الفرنسي الذي يزخر بحوالي 237 كلمة ترتبط بالعاطفة و تحيل على الشدة، و ليست دائما ممتعة، بينما يمتد الإحساس في الزمن.
يمكن دراسة الرواية بطريقة تكميمية، و سأركز على مثال تبدو لي أهمية دراسته عن قرب لسفره بين كلمات : انفعال إحساس و شغف. يتعلق الأمر بالرواية المشهورة( Raison et sentiments) للكاتب البريطاني “جون أوستان” (1817-1775) الذي يقابل زواج الحب بزواج العقل، و يطرح ارتباط انفعالات الحب بمدة المشاعر الواضحة و ازدواجيتها المتأرجحة بين العقل المحافظ و مظاهر الزواج المثالي (انجذاب الحب و أصالته).
الشغف.. La passion :
للشغف مدة أقصر من مدة الإحساس، يغدي الانفعالات القوية، و يبلور رابطة التعلق الذي قد تضعف شدته مع مرور الزمن، و يمثل الشغف حلقة بين الانفعال و المشاعر، إذ تنطلق شرارة قصة الحب بالانفعال و قد تُستكمل بشغف في مفترق طريق بين الاستهلاك أو التحول إلى مشاعر مستمرة، كما يمكن أن يضيع في بركة اللامبالاة.
المزاج.. L ‘humeur :
يشير مفهوم الانفعال إلى مفهوم الحالة الانفعالية التي قد تستمر لبضعة أيام، أو بضعة أسابيع… أو كل الحياة. و يعكس المزاج الطبع أو الشخصية، و قد سبق لأبوقراط أن وصف الطبع و الطباع الرديئة و العاطفة السلبية، و يمكن للمزاج أن يشكل الشرط الأساسي الذي تُبنى عليه الحركة الانفعالية:(الغضب، القلق، الحزن، الفراغ العاطفي..).
5. الانفعالات في قلب العلاقة العلاجية النفسية:
يمكن تقييم التغيير في الانفعالات على امتداد مرحلة العلاج النفسي، و يعكس المريض من خلاله مزاجا سلبيا : قلق، غضب، اشمئزاز يتناسب مع الحركة الانفعالية التي قلما تتسم بالفرح، و لهذا فإن تقاسم الانفعالات السلبية يصبح خبزا يوميا للمعالجين النفسيين.
الانفعالات و التيارات الثلاثة للعلاج المعرفي السلوكي:
عرف العلاج المعرفي الوظيفي ثلاثة تيارات متتالية وصلت أمواجها إلى الشاطئ فتراكمت و امتزجت :
التيار السلوكي:
ظهر التيار السلوكي بين 1950 و 1980 و لم يتحدث حينها عن الانفعالات نظرا لاستناده على النموذج السلوكي الأصلي لسكينر الذي يعتمد أساسا على التحليل التجريبي للسلوك من خلال دراسة احتمالية” contingence ” التعزيز و التحفيز، و لم يكن للانفعالات و التفاعلات الفيزيولوجية و المعارف أثرا في احتمالية التعزيز التي تشكلهم من الخارج، لأن الترتيب الجيد للمحيط يكفي لإحداث التغيير باستعمال التعزيز (Skinner 1962-1974) و كانت حدود هذا النموذج واضحة لأن المعززات تفسر التعزيز.
على المستوى العلمي لم يعر سكينر اهتماما للإكراهات الوراثية في التعلمات و لا لسيرورات الوسائط بين المثير و الاستجابة، عكس المعالجين المعرفيين و و الباحثين في العلوم العصبية المعرفية،و هذا ما شكل موضوع نقد اللساني نعوم تشومسكي (1970).و رغم ذلك لم يعر سكينر اهتماما للانفعالات رغم أنه كان شاعرا. و ما بقى اليوم هو مقاربته المنهجية لتحليل السلوك بدلالة توابعه، بطريقة موضوعية و إجراءات التعلم اعتمادا على مبادئ بقيت صالحة و حافظت على راهنيتها.
و بالتالي فإن الاهتمام بالانفعالات هو ما جعل العلاج السلوكي علاجا نفسيا. لهذا تعرض سكينر لانتقادات المهتمين بالعلاج المعرفي السلوكي بأنجلترا، فيما كان” Hans EYsenk”هانس ييسينك تلميذ بافلوف الذي كان يدير معهدا للأمراض النفسية يبحث في العلاقة بين الاستجابة الانفعالية و الفيزيولوجية الغير الملائمة مع مثير مزعج، و هذا ما أطلق عليه سيرورة الاحتضان. و هكذا اقترح المنتقدون عدم إشراط الاستجابات الانفعالية و اعتماد مقاربة علاجية نفسية ، من خلال نموذج يقوم على ركائز تقتضي التعرض للوضعيات المُتجنبة لها، و التعود على الاستجابات. و إلغاء تجاهل الاستجابات السلوكية للتهرب و ترسيخ العلاج المعرفي السلوكي في الممارسة اليومية و في العلوم العصبية.
التيار المعرفي.. La vague cognitive :
تزامن التيار الثاني مع الثورة المعرفية (1990-1970)التي أكدت على أهمية المعرفة الواعية ، في هذا السياق بحث ألبير إليس (1962) في أنظمة المعتقدات الغير العقلانية الواعية أو القبل-واعية للمريض لتغييرها و توصل إلى خلاصة عامة مفادها أن السلوك العصبي هو سلوك تم إرساؤه من طرف شخص ذكي، و ينبعث هذا الشذوذ من صورة مضخمة عن الذات، و يهدف العلاج إلى التقبل الغير المشروط للذات، إذ يجب على المريض عدم عدم تحميل نفسه أحكاما تخص جوهره، كأن يقول علـى سبيل المثال :”أنا فاشل” و أن يعتبر بالمقابل أن الحواذث المرتبطة به نسبية، بأن يقول أنا فشلت في يوم كذا أو امتحان كذا…. و اقترح إيليس مقاربة نفعية لإعادة البناء المعرفية، تُوجت بالنجاح في عدة أبحاث و ممارسات استشفائية.، و اقترح معالجة التشوهات المعرفية عبر مراحل حسب نسق لخصه في الحروف أ ب ج د ه :
أ). تنشيط المعتقدات بحدث و عزل الوضعيات التي تنشط نسق المعتقدات.
ب) نسق الغير العقلانية : المحددة لأنساق المعتقدات الغير العقلانية.
ج) التوابع السلوكية و المعرفية : تشكل أنساق المعتقدات الغير العقلانية للاستجابات الداخلية إزاء الأحداث وتخلق أفكارا.
د) تغيير المعتقدات: يساعد المعالج المريض لتصحيح نسق معتقدات الغير العقلاني.
ه) النتيجة هي إرساء مفهوم عقلاني للوجود يكون مقبولا و مرضيا للمعنى بالأمر.
شكلت العقلانية الرواقية المفرطة سوقا لتعقيدات الحافزية الإنسانية معتبرة الانفعالات عقبة أمام الحياة، في هذا السياق يعتبر” إيليس” أن وضعية المعالج النفسي دائمة المواجهة مع الذوات في دروبها الوجودية، الخاضعة لمنطق السؤال كلما زاغ الاتجاه نحو وضعية مستفزة للانفعالات السلبية الدائمة.
ترك هذا النموذج التاريخي تدريجيا المجال أمام نموذج معرفي أكثر تطورا و تكاملا (Mahony1974) مبني على التحليل التجريبي لمعالجة المعلومة و الدراسة الإكلينيكية النقية للخطاطات المعرفية، و مختلف المتلازمات و اضطرابات الشخصية (Beeck et coll 1974).
في بداية السبعينات كذلك ظهر الاهتمام بالسيرورات الانفعالية ووصف” بيك و كول1947″ بشكل واضح المنهجية التي سمحت لهما ببناء نسق علاجي نفسي يرتبط بالانفعالات السلبية. فعند فحص العلاج المعرفي للاكتئاب نجد الحصص الأولى تترصد الكشف عن الانفعالات و العواطف و ربطها بالأفكار و السلوكات.، و على المعالج أن يشرح للمريض ماذا نقصد بالأفكار الآلية، أي أن الأمر يتعلق بفكرة أو صورة ذهنية قد تكون خارج الوعي و تؤثر بشكل قهري من خلال مضمونها السلبي.
نحتاج إذن إلى تحيين الأفكار الأوطوماتكية من خلال أسئلة مباشرة و يمكن للمعالج أن يستعمل أيضا لعب الأدوار لخلق وضعيات أو تقنيات استبصارية بالخيال.
و تتمثل إحدى هذه الأسئلة الكاشفة للأفكار الأوطوماتكية في الطلب من المريض بماذا يفكر عندما يغمره الانفعال السلبي و أن يركز على حواره مع ذاته من أجل مساعدته في تغيير هذا التفكير الأوطوماتكي، و قد أخدت هذه التقنية اسم” Sonde cognitive “. و أنتج العلاج المعرفي عدة أعمال تهم كل المشاكل المرضية- النفسية و النفسية
التيار الانفعاليla vague émotionnelle :
بدأت الثورة الثالثة في التسعينات متوافقة أساسا مع العلاج الجدلي السلوكي ل”لينهام” (Linham2000) ، بالإضافة إلى علاج الوعي الكامل ل(زيكال و كول 2002) و علاج الخطاطة ل(يونغ)، و خصصت كلها مكانا مهما للانفعالات و تعديل الخلل الانفعالي من خلال العلاج المعرفي و اضطرابات الشخصية، و يمكن إضافة علاج التقبل و الالتزام ACT الذي شكل تركيا بين العلاج السلوكي و العلاج الإنساني و بين العلاج المعرفي.
علم السلوك الحيواني و الانفعالات من داروين إلى إكمان:
قدم داروين أول عمل علمي وازن في كتابه “التعبير عن الانفعالات عند الإنسان و الحيوان” طرح من خلاله دراسة الشخص و محيطه و الحيوانات.
أعمال داروين:
رأى داروين أن الدهشة و الحزن و الغضب و الفرح و الازدراء و التقزز و الحشمة و الخوف ثمانية إنفعالات أساسية، مع وجود إنفعالات أخرى كالإحساس بالذنب و الخدعة و العناد و الحيرة و الغيرة و غيرها، كما أن هز الكتف و حركة الرأس للتعبير عن النفي سلوكيات عالمية.
إكمان و تحيين الانفعالات الأولية البين-ثقافية:
طور “بول إكمان” عمله المنتصر للكونية البيولوجية لداروين في تصادم مع الانتروبولوجيين النسبيين ك”ميغاراتي مياد” لأن هذا الأخير اعتبر أن الانفعالات تتشكل بالثقافة و أن العوامل الوراثية لا تكتسي أهمية كبيرة، فكلما. تعددت الثقافات تنوعت الانفعالات. و احتفظ “بول إكمان” المؤمن بالطرح الدارويني بخمس إنفعالات أولية هي الحزن و الغضب و التقزز و الخوف و الفرح معتبرا إياها نسيجا محكوما بالوراثة، فالانفعالات الأولية تتمثل في مميزات دقيقة تظهر بشكل سريع و تلقائي و غير إرادي، و يصعب السيطرة عليها بواسطة الإرادة.
وظائف الانفعالات:
يعتبر التكيف الوظيفة الأساسية للانفعالات، و توجهنا الأنساق الداخلية من خلالها نحو الحفاظ على الحياة، فالخوف ينشط مثلا في الوضعيات الغامضة التي تتطلب اتخاذ قرار سريع (صديق/عدو) أو (ثعبان/حبل) و دور الانفعال هو رفع الانتباه و تحذير الوعي… كما أن الانفعال الإيجابي يُيسر الحياة داخل المجموعة و إرساء علاقات إيجابية تنعكس على السلوك الجمعي للجماعة المنسجمة، كما تساعد الانفعالات على التواصل من خلال التعاطف (Empathie).
المعنى و الحساسية.. العلاقة بين الانفعال و المعرفة:
الحساسية هي الاستجابة لمثير ذي شدة ضعيفة، و تمييز مثير بين مثيرات مجاورة، و هذا ما يميز الحساسية الفنية في التعامل مع الغموض و الاستيعاب و تجميع ذلك في عمل فني قادر على تحريك مشاعر الآخر. و يرتبط المعنى بالتأويل الذي يمكن أن نخلعه على التغييرات البسيطة على ضوء الانفعالات الغير مُعبر عنها و العابرة التي يحاول الفنان إرساءها في أشكال دائمة.
توجد على الأقل 150نظرية للانفعال كما ورد عن “ألان بيرطوز” في كتابه”القرار2003″ و هذه بعض النماذج التاريخية:
نموذج ويليام جيمس:
بدأ ويليام النقاش بمقال “ما هو الانفعال1984” و حمل الانفعال على كل ما هو استجابة جسدية ( تشنج عضلي…) و كل المعلومات التي ترد عن الجسم و تبعث الانفعال، فبعد ورودها على الدماغ يعطي إشارة خاصة لكل انفعال سواءا تعلق الأمر بالخوف أو الغضب أو الفرح أو الحزن أو الاشمئزاز. و بالتالي فإن التعرف على الانفعال يتم من خلال تغدية راجعة مصدرها الجسم.
نموذج التقييم المعرفي للازاريس Lazarus :
يتجلى الانفعال في هذا التصور كظاهرة مادية مُحدثة من خلال وضعية معاشة تأخد تسمية معرفية. و بالتالي فهو تأويل لعلاقة الجسمي مع ما يسببه، و يمكن تحويل ذلك إلى خطاطة تمثل النموذج الكلاسيكي الذي يوضح العلاقة بين الانفعال و المعرفة. و أوضح ” لازاريس” أن بعض الانفعالات يمكن إثارتها بشكل غير واع (أوطماتيكي) مؤكدا على أهمية الوعي في الوقت نفسه.
نموذج “زاجونك” للانفعالات:
سجل مجموعة من الكتاب أن جانبا مهما من الانفعالات لا تمر عبر الوعي فاقترحوا عدة نماذج للقبل-وعي و الوعي، مرجحين أن الوعي ينسجم مع نشاط المنطقة الجدارية الدماغية و الصدغية مع معالجة تنازلية للمعلومة top down ، لكن باقي الدماغ يشتغل بشكل آلي وينفلت عن سلطة الإرادة.
تسمح طرق التصوير الدماغي بالاقتراب من معالجة الدماغ للمعلومة في زمن واقعي، سريع للدخول إلى الوعي، و يمكن إثارة معالجة المعلومة بتنشيط مثيرات تحت عتبة الوعي، و يمكن إثارة إنفعالات و سلوكات بإظهار وجوه فرحة، أو غاضبة أو محايدة لم يتم إدراكها من طرف الوعي لأن تقديمها كان سريعا( بواسطة طاكسيسكوب) .
و قد أبانت دراسة (Berridge winkelman) أن العرض التحت عتبة الوعي للوجوه السعيدة يرفع ب 50% من استهلاك عصير الفواكه عند المشاركين العطشى، في حين أن عرض الوجوه الغاضبة يقلل من هذه النسبة، علما أن المشاركين لا يظهرون أي انفعال واعي على امتداد مدة التجربة.
تساهم الاستجابات الانفعالية في أن نفضل أو لا نفضل وضعية أو وجها أو عبارة. و يتسم استعمال سيرورة الاختبار اللاشعوري من من طرف التسويق و الإشهار، فمثلا يتم استعمال رسالة تحت عتبة الوعي الجنسي من خلال صورة تجد طريقها عند المتلقي بشكل يستعمل الجنس بشكل غي واعي لبيع المنتوج.
و ينسجم هذا المفهوم مع نموذج التفضيلات العاطفية ل(زاجونك 1980)الذي ذهب إلى أن الأحكام العاطفية تكون قبل معرفية و غير لفظية و أوطوماتكية و حتمية.
و حسب زاجونك فإن العاطفة و المعرفة تنتميان إلى نسقين منفصلين و متصلين فيما بينهما، فالأحكام الانفصالية تشكل تفضيلات تشتغل بشكل أوطوماتيكي لحظي و حتمي و لا تراجع عنها، و هي تشبه الحب في أول نظرة Le foudre amoureux.
نموذج داماسيو :الانفعالات و المشاعر:
توجد إنفعالات غير واعية لا يستطيع من يعيشها أن يربطها بأي حدث سبب أثرها، و توجد على الأرجح كذلك معارف غير واعية تُقيم هذه الانفعالات، و قد يوجد وعي يحول الانفعال الخام إلى إحساس منقح أو جياش عندما يتعلق الأمر بالتعبير الفني. و يذهب داماسيو (1999-2003)إلى أبعد من اختزال الانفعال في بعده البيولوجي الدارويني، معتبرا الشعور le sentiment إدراكا لحالة جسم (واقعي أو مُثار) و تيمات سيكولوجية.
تختلف الانفعالات عن مشاعر، و لهذه الأخيرة علاقة بالوضعيات التي سببتها، لأن الأفكار حول موضوع الانفعالات الميطامعرفية هي التي تضبط الحياة العاطفية و يظل الانفعال ظاهرة قصيرة و لحظية.
نموذج لودو ledoux. :
سمحت أعمال لودو (1996) بتحقيق تقدم مهم في بيولوجيا الانفعالات في علاقتها مع العوامل المعرفية، فالوعي يلعب دورا صغيرا في هذا النوع من التعلمات الذي يجد مكانه في البنيات النورولوجية المنتمية للبنيات الأولية للدماغ :” الطلاميس و الأمكدال” و الجدع العصبي.
فتعلم الخوف و تفاعلات القلق تحدث في الطلاميس و الأمكدال عبر مسار يتجاوز القشرة الجبهة الأمامية، و يستعمل هذا المسار عندما يتعلق الأمر باستجابات تضمن البقاء _ الحفاظ على الحياة_، كالهروب أو المواجهة أو المصارعة..، و بالإضافة إلى هذا المسار المختصر يوجد مسار يسمح بالمعالجة الواعية للمعلومة لكن بسرعة أقل من سرعة المسار الأول لأنه يمر عبر الباحة الدماغية الجبهية الأمامية.
فالأشخاص الذين يعانون من مشاكل انفعالية مهمة يستعملون أساسا المسار القصير الآلي و اللاوعي، و هذا ما يفسر غضبا أو عنفا أو خوفا غير مناسب مع الوضعية التي سببته.
العلاج المعرفي السلوكي و التصوير العصبي الوظيفي :
تمت دراسة العلاقة بين الانفعالات و السلوكات و المعارف بالتفصيل من طرف التصوير الوظيفي:
بعيدا عن الشبح في الآلة :
سيطر النموذج الديكارتي و الثنائية التي قابلت الروح مع الجسم، و حسب وجهة النظر هاته لا يمكن ترسيخ العلاج النفسي في الدماغ لأن تمثل موقع الروح من الجسد يشبه موقع الشبح في الآلة ، و ظلت هذه المعتقدات موجودة لذى فئة من المعالجين النفسيين. إلى أن استعملت طرق التصوير الوظيفي منذ بدايته لاختيار فرضيات علم النفس المرضي و تقييم أثر العلاج النفسي و تفسير سيرورتهما ، و أوضحت عدة دراسات أن التغييرات متطابقة أو متقاربة عندما نقارن أثر العلاج الطبي باستعمال عقاقير مضادة للاكتئاب و النتائج المحصل عليها في العلاج النفسي.
الخطاطة المعرفية الشخصية و الانفعالات، نموذج “بيك” و العلاج المعرفي السلوكي:
يتمثل أحد حلول مشكل علاقة المعارف بالانفعالات في اعتبار الانفعال حالة خاصة من المعرفة، لأن كليهما يفعل في الأغلب بشكل غير واعي. و يمكن تمييز المعارف الباردة و المعارف الساخنة، فالمعارف الباردة تنسجم مع المعرفة الإجرائية و الذاكرة الدلالية من خلال مجال التعلمات وردود الأفعال المشروطة بالبنيات التي تدبر مظاهر الواقع و المنطق بشكل آلي و غير واعي.
و يمكن مقابلتها بالمعارف الساخنةالتي يمكن ربطها بالذاكرة الأبيزودية و الأوطوبيوغرافية و الانفعالات و إعادة تشكيل الخطاطات المعرفية الموجودة داخل الذاكرة الدلالية. و يمكن أن تتمظهر المعارف الباردة أو الساخنة بشكل واعي أو غير واعي.
و يسمح مفهوم الخطاطة المعرفية بالخروج من هذا النقاش بطريقة براكماتية، و يمكن تنشيط هذه البنية العميقة و الغير الواعية بإِثارات انفعالية.
إن العلاج المعرفي( Beeck et coll1979) يقوم على فكرة مفادها أن تغيير الخطاطة المعرفية و الانفعالات المرتبطة بها يلعب دورا مركزيا في سيرورة العلاج النفسي.
و تعتبر الخطاطة المعرفية بنية مطبوعة بالتجربة حول المنظومة التي التي تستدعي معالجة خاصة للمعلومة عن العالم الخارجي و الحالات المرضية.
و يمكن إجمال النموذج المعرفي لاضطرابات المرضية النفسية في أثنى عشر مُقترحا.:
1 .تمثل الخطاطة التأويلات الشخصية للواقع، و هي أوطوماتيكية و تنشط بشكل غير واعي.
2 تؤثر الخطاطات على الاستراتيجيات الفردية للتكيف.
3. و تمثل التفاعل بين السلوكات و الانفعالات.
4. تتمظهر من خلال تشوهات معرفية و أشكال خاصة لكل نوع من الأنواع السيكوباطولوجية كأحكام و مواقف و معتقدات غير عقلانية.
5.تترجم من خلال هشاشة معرفية فردية.
6.كل اضطراب نفسي مرضي هو نتيجة لتأويل غير ملائم حول الذات أو المحيط الحالي أو المستقبل، و منه توجد خطاطات خاصة:
خطاطة التأويل السلبي للأحداث (الاكتئاب).
خطاطة الخطر (الرهاب، هجوم الفزع).
خطاطة الفرط-مسؤولية (اضطراب الهوس القهري)
7الخطاطات التي تترجم انتباه انتقائية اتجاه أحداث تؤكدها و تمثل تنبؤا يتحقق.
8.الخطاطات المرضية هي بنيات منتقاة من المحيط تصبح غير ملائمة لمحيط آخر.
9يتم ربط الخطاطات ببنيات نورولوجية (شبكات)، تدير في الآن نفسه الانفعالات و المعتقدات المنتقاة من خلال التطور الطبيعي. يتم تخزينها في الذاكرة البعيدة المدى ( الذاكرة الدلالية) و هي غير واعيةو قابلة للتنشيط في وضعيات مناسبة لتلك التي أنتجتها.
10تقتضي الطريقة الأفضل لولوج الخطاطات إثارة الانفعالات (الانفعال هو الطريق الملكي للمعرفة). و يُنصح المعالج النفسي في حالة التعبير الانفعال في الحصة العلاجية بالبحث في التفكير الأ طوماتيكي المرتبط بالانفعال(Beeck et coll1979.
11يمكن لهذه الخطاطات أن تُبنى على قاعدة الشخصية، و بالخصوص الخطاطات المعرفية المُبكرة الاكتساب في التجارب الطفولية.
12 يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى تغيير الخطاطات بطرق معرفية، سلوكية انفعال بين-شخصية.