مفاهيم قاعة الموارد 4: مشاعر “émotions” التلميذ و التعلم.


يوسف العزوزي :أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم بمديرية تازة

تستوجب مستجدات التربية الدامجة الدخول في علاقة دينامية مع الأستاذة و المربين و أولياء أمور التلاميذ و تصميم جسر تواصل بين الفاعل التربوي التعليمي و العلوم العصبية و مختلف المستجدات العلمية ذات الصلة.، مع النأي بالنفس عن محاولة إثبات علمية هذا المنهج أو ذاك لأن هذا الدور من اختصاص هيئات علمية متخصصة، فالأهم هو استثمار الفهم العلمي و الاكتشافات الحديثة في تطوير المنتوج البيداغوجي و تكييفه مع خصوصيات المتعلمين و البحث في ملاءمة وضعيات التعلم.
أنا لست متخصصا في العلوم العصبية  و لكنني أستاذ مشرف على قاعة الموارد للتأهيل و الدعم ، مهمتي تنسيق العلاقة بين ما يتعلق بمهنة البيداغوجي التربوي (أستاذ التعلمات الأساس) و مهنة الطبيب و الأخصائيين و الأخصائيين النفسيين على اختلاف ابعادهم العلمية، و في هذا السياق تبرز الحاجة إلى مواكبة آخر الأبحاث و العلوم ذات الصلة (العلوم المعرفية، علم الاجتماع التربوي ،علم النفس ، العلوم العصبية، علم النفس العصبي، علم النفس السلوكي ، تحليل السلوك التطبيقي علم النفس الايجابي…..)

 

4 مفاهيم قاعة الموارد : مشاعر التلميذ “émotion” و التعلم.

تقديم :
“الحمار، الكلب، البغل، الحولي، المعاق، البليد، المكلخ، الكسول، الحيوان، المعوق، المعتوه….” بعض من رصيد أوصاف العنف اللفظي الذي يمارسه بعض الآولياء والمدرسون و يردده الأقران، بالإضافة إلى العنف الجسدي الممارس  عليهم(بحسن النية) و دون التفكير في وقع هذا العنف على التلميذ و مشاعره وأثر ذلك على حياته الدراسية و الاجتماعية و تكوينه” ontogenèse “و نموه و مستقبله برمته.

يولد العنف مشاعر الخوف أو الغضب أو الحزن…. و يتم تخزين  أثرها في الدماغ لتصبح عائقا أمام النمو السليم، و بما أن الحديث عن  المشاعر “Émotions ” يكتسي هذا القدر من الأهمية فقد خصصت هذه الكتابة لهذا الموضوع.
يُذكر أن الترجمة الأقرب إلى مفهوم “Émotion” من الناحية العلمية هي “انفعال“، و لكنني فضلت استعمال كلمة مشاعر لقربها من التداول التواصلي تسهيلا لفهم الموضوع لتعم فائدته  أوسع شريحة من المتلقين.

ماهي المشاعر “émotions”؟ :
المشاعر جمع لشعور (بمعنى انفعال و ليس بمعنى وعي) و هو استجابة سلوكيةو فزيولوجية وجيزة و شديدة تعكس و تظهر المعاش الذاتي الناتج عن حدث داخلي أو خارجي، و تعتبر المشاعر من الظواهر السيكولوجية الأكثر صعوبة في الفهم و التحديد.
المشاعر و الوظيفة الوجودية:
الشعور كالألم ظاهرة تقدم قيمة حياتية، فالخوف شعور يدفع إلى الهروب أو الهجوم… للحفاظ على الحياة… و الفرح شعور يسمح بتذوق لحظة سعادة، و للمشاعر وظيفة أساسية و هي  مكون ضروري للحياة، و هي إما أساسية أولية مرتبطة بالتكوين الجيني كالخوف و الحزن و الغضب و الاشمئزاز.. أو ثانوية تشكلت في المجال السوسي ثقافي كالحشمة.

الشعور ظاهرة قابلة للملاحظة :

المشاعر تُحدثها وضعيات أو مثيرات خاصة و يمكن دراسة أثرها بالتفصيل أثناء ممارستها للأنشطة اليومية أو أثناء العلاج النفسي. و سمحت عدة طرق تجريبية بدراسة المشاعر في المختبر و تفتيتها لمكونات وجدانية و معرفية و سلوكية و فحص أثرها بواسطة التصوير العصبي أثناء تقديم المثير الانفعالي.

المشاعر و التيارات الثلاثة للعلاج المعرفي السلوكي TCC :
1. التيار السلوكي (1950_1980) :
لم يتحدث كثيرا عن المشاعر لأنه كان يعتمد على النموذج السلوكي لسكينر الذي يقوم أساسا على التحليل التجريبي للسلوك من خلال احتمالية (ABC :السوابق /السلوك/التوابع) و ما المشاعر الا أثرا لهذه الاحتمالية.
و لم يرق العلاج السلوكي إلى علاج نفسي إلا بعد اهتمامه بالمشاعر بعد أن كان يتحدث عن تغيير السلوك.
2.التيار المعرفي :
يرتبط هذا التيار الثاني بالثورة المعرفية (1970/1990) التي  ركزت على المعرفة الواعية، حيث ظهر سنة 1970 الاهتمام بالسيرورة الانفعالية و الوصف الدقيق لها، في هذا السياق وصف كل من “بيك” و”كول” بشكل واضح المنهجية التي سمحت ببناء نظام سيكولوجي من خلال دراسة الأفكار الآلية المرتبطة بالمشاعر السلبية، فكانت المشاعر المسار الأفضل نحو المعرفة.
التيار الشعوري “Émotionnelle” :
انطلق التيار الثالث سنة 1990 مع العلاج المعرفي السلوكي للينهام “lineham ” و العلاج بالوعي الكامل لزيكال “zegal” و علاج الخطاطة ليونغ “young” التي أفرزت حيزا مهما للمشاعر و التعبير عنها و ضبطها في العلاج المعرفي لاضطراب الشخصية،  دون إغفال علاج التقبل و الالتزام ( ACT) التي تعد نظريته تركيبا بين العلاج السلوكي و العلاج المعرفي.
و لازالت الأبحاث المتعلقة بدراسة أثر المشاعر الإيجابية و تدبيرها في بدايتها، و هي إذ تؤكد أن زرع الفرح و الاحترام و تقدير الذات و الإعجاب و الأنبهار ضروري من أجل حياة سعيدة تحفز الطفل للانفتاح على التعلمات و التواصل و العطاء و التحكم في أهدافه.
كما أكدت الدراسات إمكانية اكتساب المشاعر الإيجابية و تنشيط القشرة الدماغية اليسرى بالتمارين ( لأن القشرة الدماغية اليمنى مسؤولة عن المشاعر السلبية). فالمشاعر تلعب دورا أساسيا في تكيف التلميذ و إعداد و تطوير قدراته و توجيه تفاعلات مع الآخرين.
علاقة المشاعر بالتعلمات في التصور النوروعصبي:
يكتسي رهان تدبير  المتعلم الجيد لانفعالاته و أخد المدرس مشاعر التلميذ بعين الاعتبار أهمية كبيرة في الرفع من جودة التعلمات حسب التصور” النورونفسي عصبي” ،  و يركز هذا التصور على أهمية فهم دور المشاعر في المراحل الأولى لأن سرعة النضج العصبي في المناطق العصبية المسؤولة عنه ( النظام اللمبي) تختلف  عن سرعة النضج في المناطق العصبية التي تضبطه (القشرة الدماغية القبل جبهية).
و بالتالي فإن اختيار المدرس لرد فعله الموجه للتلميذ (إيجابي أو سلبي) يكتسي أهميةكبيرة لأن طبيعته يمكن أن تساهم في اكتساب الكفايات أو تحول دون ذلك، و عموما فإن الوعي بأهمية المشاعر في التعلمات كفاية مهنية يجب أن تبرمج في تكوين المدرسين.
النضج العصبي ، نمو المشاعر و المراهقة :
إن نضج الباحات العصبية المعنية بالمشاعر (النظام اللمبي تحت القشرة الدماغية) يتم بوتيرة أسرع من نضج المناطق المعنية بالضبط (القشرة القبل جبهية الموجودة بالجزء الأسفل).
و لذلك تتميز مرحلة المراهقة بصعوبة ضبط المشاعر بسبب الفارقبين سرعة النضج بين الشبكات العاطفية و شبكات ضبط المشاعر في الدماغ، و هذا ما يفسر جانبا من السلوكات – المشكلة في هذه المرحلة و يجعل من المشاعر رهانا مهما في التعلمات..
التغذية الراجعة “feedback ” الإيجابية و السلبية والتعلمات:
يتأسس الفعل التعليمي على التعديلات التي نقوم بها على إثر التغذية الراجعة التي نعطيها للمتعلم حسب نوع النشاط و خصوصية المتعلم، و تذهب عدة دراسات إلى أن التغذية الراجعة الإيجابية feedback positive تؤثر إيجابا على اكتساب التلميذ (أقل من 11سنة) كما تؤثر تلك السلبية سلبا على عملية الاكتساب. أما بالنسبة للراشدين فإن النضج ينعكس إيجابا استيعاب التغذية الراجعة.
التوتر و التعلم:
يؤثر التوتر على القدرات المعرفية و الكفايات التي يحركها التلميذ في وضعية تعليمية، دون أن تكون العلاقة بين التوتر و النجاح خطية، فالقليل من التوتر مفيذ لتحقيق النجاح لكن ارتفاع منسوبه يشكل عقبة أمامه.
كما يؤثر التوتر على التخزين في ذاكرة التلميذ بعيدة الأمد، و يكون التأثير إيجابيا على التخزين في الذاكرة بعيدة الأمد و سلبيا على استرجاع المعلومات المخزنة في الذاكرة.
الإحساس بالشعور بالخطأ و التعلم:
عندما يخطئ التلميذ يكتشف دماغه ضمنيا الخطأ و في أغلب الحالات يكون هذا الاكتشاف ذي طبيعة الفعالية، و يقود نوع التغذية الراجعة في المتعلم  إلى اختيار استراتيجيات حول المشكل بشكل مغاير للأسلوب الذي قاده إلى الخطأ السابق.
يجب إذن على المدرس أن يدرك أهمية أثر المشاعر المرتبطة بالتغدية الراجعة للمدرس لأن من شأنها أن تكون لبنة أساسية في التعلمات بالمدرسة و خارجها.

أهمية المشاعر الإيجابية :
كشفت الباحثة “باربارا فريدريكسون” بأن وظيفة المشاعر الإيجابية تختلف عن وظيفة المشاعر السلبية، فهذه الأخيرة تركز انتباهنا على وضعيات خاصة، إذ تقتصر سلوكاتنا على تلك المتعلقة بالحفاظ على سلامتنا و حياتنا (الخوف، الغضب، الحزن…..) ، بالمقابل توسع المشاعر الإيجابية أفق تفكيرنا و سلوكاتنا فالفرح و الحب و تقدير الذات و الثقة في النفس تبين أن كل شيء على ما يرام و تفتح المجال أمام الخلق و الإبداع و الاجتهاد، هكذا تؤثر المشاعر الإيجابية على التلميذ و تساعد على نموه نموا جيدا.

المشاعر الإيجابية و تنظيم المعرفة:
تحفز المشاعر الإيجابية التلميذ على القيام بتشبيك الأفكار (تطوير الكفايات المستعرضة) و إدماج تنظيم المعلومات و إبداع حلول للمشاكل التي تواجهه على عكس من يخضع للمشاعر السلبية.
المشاعر الإيجابية و سلوك التلميذ:
ترفع المشاعر الإيجابية من  الرغبة في الاشتراك في مختلف الأنشطة المدرسية منها و غير المدرسية، فالفرح و السعادة و تقدير الذات تدفع التلميذ إلى اللعب و التفاعل و تكسبه الحافزية لاكتشاف محيطه و الانخراط في الأنشطة الاجتماعية و الرياضية و الترفيهية.
كما تيسر المشاعر الإيجابية سلوك التعاون و مساعدة الآخرين، و ترفع من قوة الصمود في مواجهة التجارب الصعبة و القدرة على استيعابها.
المشاعر الإيجابية و العلاقات الاجتماعية :
تقدم المشاعر الإيجابية عدة فوائد جمة  على المستوى الاجتماعي، فالتلاميذ الأكثر فرحا هم الأكثر أن اندماجا في محيطهم المدرسي و الاجتماعي. كما أن التعبير عن المشاعر الإيجابية يدفع الآخر إلى الدخول في علاقة صداقة و يشجعه على الاقتراب.
المشاعر الإيجابية و الصحة:
تعزز المشاعر الإيجابية قدرة نظامنا المناعي، فالاشخاص المبتهجون المبتسمون  يتمتعون بمناعة صلبة و صحة جيدة و يعيشون حياة أطول.