الوظائف التنفيذية سيرورات تيسّر التعلمات


 

 

بنعيسى زغبوش ،حكيمة الحجار                                       مختبر العلوم المعرفية -كلية الأداب و العلوم الإنسانية –ظهر المهراز                                                                            جامعة سيدي محمد بن عبد الله –فاس –المغرب

 

ملخص : تنصب الورقة الحالية على دراسة العلاقة بين الوظائف التنفيذية  والتعلم، انطلاقا من الدراسات التجريبية التي تعمل على قياس الوظائف التنفيذية، و تتبع نموها،  والدراسات النورولوجية التي تعمل على تحديد مناطق الدماغ المسؤولة عنها، ليكون هدفنا كيفية الاستفادة من هذا التوجه العلمي لتطوير نظام تعليمي، يستمد أسسه التربوية من ثوابت اشتغال الدماغ، ويعمل على تطوير هذه  الوظائف التنفيذية .

الكلمات المفتاح : الوظائف التنفيذية ،الكبح،المرونة الذهنية ،التخطيط ، التعلم

Abstract : The present paper focuses on the study of the relationship of executive functions and learning, based on experimental studies that measure the executive functions, follow their growth, and the neurological studies that determine the regions of the brain responsible for them, to be our goal of how to benefit from this scientific approach to the development of educational system, his educational foundations are the constants of brain activation and he develops these executive functions.
Key words: Executive functions, inhibition, Mental flexibility, planning, learning

1-مقدمة :

تعدّ الوظائف التنفيذية حجر الزاوية  في علم النفس العصبي، حيث تمثل كتابات Luria  ما بين 1950 و 1970 التأسيس الأولي والفعلي لمفهوم الوظائف التنفيذية، من خلال وصف مجموعة من الوظائف المعرفية ذات المستوى العالي، التي تتيح مراقبة المهام المعرفية المختلفة. و منذ ذلك الحين لم يلبث هذا المفهوم أن يتطور ويحدد بشكل أدق، إلا أنها لم تحظ بالإهتمام اللازم إلا في العقود الأخيرة، حيث أصبحت منذ أكثر من 30 سنة موضوع  اهتمام عديد من الأبحاث، والدراسات، و التخصصات ،بعد أن سيطرت دراسة الذاكرة في السابق.

وتستخدم حاليا  الوظائف التنفيذية لوصف مجموعة من العمليات المعرفية المسؤولة عن :المرونة الذهنية ،والكبح ،وذاكرة العمل، والتخطيط؛ باعتبارها مسألة مركزية في علم النفس العصبي للطفل، بالنظر إلى دورها الأساس في سيرورات التعلم، وضبط السلوك، واستدماج المعارف الاجتماعية، وتيسير التكيف مع الوضعيات الجديدة للمحيط  وقد أظهرت دراسات عديدة أن هذه الوظائف لها دور أساس أفضل من الذكاء في تيسير التعلم و التكيف لدى الأطفال ،ولاسيما بعدما أثبتته الدراسات المختلفة من انبثاق مبكر للوظائف التنفيذيةRoy ;2015) )

يرى كل من vanderlinder Seron et Andreson 1999  ان دور الوظائف التنفيذية يتجلى في تسهيل تكيف الفرد مع وضعيات جديدة لاسيما عندما تصبح  روتينيات الأفعال غير كافية .و بهذا تعمل هذه السيرورات على تسهيل تكيف الذات مع المتطلبات و المتغيرات المفاجئة للمحيط عندما لا تكفي روتينيات الأفعال ،فهي تقوم بوظائف حقيقية لضبط السلوك و الإنفعالات (الزاهر ،2008 ) وهو ما يفسر المكانة المركزية لها في  الدراسات المتأخرة ، إنها تحيل على سيرورة للمراقبة بمستوى عال تمكن الطفل من التكيف مع الوسط و تنظيم سلوكاته في الحياة اليومية ، و خاصة في المدرسة .

إلا أن الوظائف التنفيذية معرضة بشكل كبير للإصابة  في الصغر ما يجعل تأثيرها يكون كبيرا على عديد من أنشطة الفرد ،سواء  تعلما كانت أم تكيفا، وقد أثبتت دراسات متعددة وجود علاقة بين الإضطرابات النمائية ذات الأسس العصبية و خلل الوظائف التنفيذية (Barkley ; 2001) .

و بهذا نهدف من هذا  المقال مقاربة الوظائف التنفيذية للطفل، حيث سنركز فيه من جهة على  الوظائف التنفيذية؛ ومن جهة ثانية، على علاقتها بالتعلم، من هنا يمكننا صياغة الأسئلة التالية: إذا كانت الوظائف التنفيذية مهارات محددة بدقة لتحقيق هدف ما، فما علاقتها بالتعلم؟ هل تؤثر الوظائف التنفيذية على التعلمات؟ وبصيغة أخرى، هل التوفر على وظائف تنفيذية جيدة يضمن تعلما جيدا؟ وهل اضطراب هذه الوظائف يعيق عملية التعلم؟

للجواب عن الأسئلة السالفة، سنعمد أولا إلى ضبط الوظائف التنفيذية: بناء ووظيفة قبل مناقشة علاقتها بالتعلم .

من خلال ما سبق، سنفترض أن: التوفر على وظائف تنفيذية سليمة  يضمن تعلما أفضل، و أي خلل فيها الوظائف التنفيذية يؤدي بالضرورة إلى صعوبات في التعلم أي كلما كانت للطفل وظائف تنفيذية جيدة كلما كان التعلم ميسرا. و كلما كان الطفل لديه عجز في أداء الوظائف التنفيذية  كان لديه صعوبة في التّعلمات .

2.الوظائف التنفيذية :

يطلق على الوظائف التنفيذية عدة تسميات: الإشتغال التنفيذي، المراقبة التنفيذية،   الوظائف التنفيذية ،الوظائف الجبهية(في علوم الأعصاب)…ويحيل هذا المفهوم، في علوم الأعصاب، على وظائف الإدارة التي تضم مجموعة من المهارات ذات المستوى العالي، الضرورية لإنجاز سلوك موجه نحو هدف معين، أثناء انجاز مهمة  معينة تمكّن هذه الوظائف من تحديد الهدف المقصود كما تحدد الاستراتيجية لإنجاحه ومراقبة تنفيذ هذه الاستراتيجية فيما بعد و نتائجها ( Allain P. et le Gall2008)

وبهذا تكوّن الوظائف التنفيذية عمليات التحكم ذات المستوى العالي التي تنظم حياة الفرد وذلك من خلال مجموعة من القدرات

ويستخدم علماء النفس الوظائف التّنفيذية لوصف وتحديد مجموعة من العمليات المعرفية المسؤولة عن التخطيط، والمرونة الذهنية، و التفكير المجرد، واكتساب القواعد، و اختيار القيام بالأفعال، و التصرفات المناسبة، و الامتناع عن القيام بالتصرفات غير المناسبة، و انتقاء ما يرتبط بتلك العمليات من معلومات حسية.وتنظم الوظائف التنفيذية عمليات ووظائف الانتباه، أو النظام الذي يضبط العمليات المعرفية بصفة عامة .

2.مكونات الوظائف التنفيذية وقياسها

تضم الوظائف التنفيذية مهارات عديدة متباينة ضرورية لتحقيق مهمة موجهة نحو

هدف  ما، جرد هذه الآليات مختلف فيه بين الباحثين، فحسب دايمنDiamond;2006 ;2007 ;20011 ;2013)) تتمثل في ثلاث مكونات أساسية: الكبح، وذاكرة العمل، والمرونة الذهنية، ثم التخطيط باعتباره ينبثق في مرحلة متأخرة .يعدّ الكبح مجموعة من الاليات التي تسمح بمنع المثيرغير ذي أهمية، استجابة لمقاومة الرغبات الملحة و المغريات و المشوشات .أما ذاكرة العمل فهي نظام فرعي  للقدرة على مناولة المعلومات الضرورية غالبا لإتمام نشاط معرفي، و الإحتفاظ بالمعلومة أثناء تحقيق الهدف، سواء كانت سمعية، أو بصرية،.أما المرونة الذهنية فتتمثل في القدرة على تعديل ردود الأفعال ،والإنفعالات ،و السلوك؛ و أيضا وجهات النظرو الأفكار بصورة متواصلة لتحقيق الهدف، و بشكل آخر هي تغيير المعا لجة والتناوب على المعالجة بطريقة مراقبة. فهي القدرة على التكيف مع المتطلبات و الوضعيات الجديدة، والقدرة على المرور من مهمة إلى أخرى بسهولة. وبذلك تعدّ هذه المكونات أساسية تنبثق بشكل مبكر يضاف إليها التخطيط الذي ينمو و ينبثق فيما بعد.

ويمكن اعتبار التخطيط تصور عقلي، و تنفيذ سلوكي لإنجاز هدف مستقبلي؛ أي: القدرة على تنظيم سلسلة من الإجراءات في التسلسل الأمثل لتحقيق هدف ما. وهذا  يستدعي تخيل المراحل،وترتيب الخطوات والأولويات،والتصنيف،واستنتاج القواعد و استخلاصها، مع ضرورة احترام التوقيت.

اعتبرت النماذج الأولى كل المكونات وحدة واحدة لمعالجة المعلومة ، لكن التوجهات الموالية خلصت إلى نموذج تكون فيه كل المكونات المختلفة في نفس الآن متمايزة ومرتبطة باعتدال فيما بينها(Miyake, Friedman & al ;2000).

ثم تطوير عدة اختبارات لقياس الوظائف التنفيذية كل وظيفة على حدى ، بهدف تشخيص اشتغالها وأدائها . ويمثل اختبار ستروب أهم الأدوات لقياس آلية الكبح، أما ذاكرة العمل ، فلها اختبارات متعددة منها ما يقيس المذ كرة البصرية المكانية (اختبار كورسي )و ما يقيس المذكرة اللفظية (التكرار) ما يقيس  المنفذ المركزي ( اختبار المهمة المزدوجة ،و اختبار الأعداد المعكوسة).

كما  توجد اختبارات لتقييم المرونة الذهنية، منها  اختبار ورق اللعب و اختبار فرز البطاقة Wisconsin، إضافة إلى العديد من الإختبارات التي تقيس القدرة على التخطيط،، مثل اختبارات المتاهات مثل متاهة بورتيوس  Porteus MazeTest(PMT)، ومتاهة مقياس وكسلر لذكاء الأطفال(WISC)، ومتاهات اختبار ستانفورد بينيه ، فالأداء على المتاهات مشبع بعامل التخطيط و أنه يرتبط بمهام بصرية ـ مكانية، و بصرية ـ حركية ،كما أنه مسل و غير ممل، إضافة إلى إلى اختبارات أخرى كبرج لندن، و اختبار شكل Rey …..

يمكّن قياس الوظائف التنفيذية من تشخيص الوظائف التنفيذية و بالتالي اتخاذ التدابير اللازمة في حالة العجز لتبني طرق تقويمية و علاجية .

 4.الوظائف التنفيذية  و الدماغ :

عندما نقيس الوظائف التنفيذية فإننا نقيس بذلك اشتغال  البنية المسؤولة عنها، أي نقيس اشتغال الدماغ .فكيف يمكن اعتبار الدماغ بنية تحتية للإشتغال الوظيفي؟

 بالرجوع لكتابات Alain et Le Gall(2008)،نلاحظ أن الوظائف التنفيذية تستمد جذورها من الدراسات النوروعصبية لإصابات الفصين الجبهيين و خاصة دراسة مرضى الإصابات الدماغية، حيث  شكلت حالة Phinéas Gage ( أحد العمال في السكك الحديدية ) نقطة انطلاق الدراسات حول الوظائف التنفيذية ،فقد مكنت الملاحظة التشريحية -الإكلينيكية  لحالةGage من طرف Harlow سنة 1868 المذكورة (Alain et Le Gall(2008))من الكشف عن الدور الذي يحظى بهما الفصين الجبهيين في تنظيم السلوك والإشتغال الإنساني . كان Phinéas Gage عاملا يتميز بالجدية إلى اليوم الذي أصابه قضيب من الحديد ،عَبَر جمجمته من الأسفل إلى الأعلى، و أصاب المناطق الجبهية و الباطنية –المتوسطية .وبالرغم من حدة إصابته، إلا أنه بقي على قيد الحياة، محتفظا باشتغال معرفي عادي، لكن حصلت له تحولات جذرية على مستوى الشخصية، و السلوك، نتج عنها تمظر البداءة ،عدم الإستقرار، وعدم القدرة على إنجاز مهمة طلب منه  القيام بها.

وقد أوضحت حالات أخرى متماثلة، دور الفصين الجبهيين  في الإضطرابات السلوكية حيث لاحظ Welt (1888) أن الإصابات الجبهية ، تؤدي إلى تغيرات في الشخصية ، كما لاحظ Ferrier  (1876)في دراساته على الحيوان،ةجود تراجع المزاج والشخصية و قصور فيهما؛ و أيضا، فقدان قدرات الانتباه و الملاحظة عند القردة الذين يعانون من إصابات على مستوى المناطق الجبهية .وبما أن الحرب العالمية الثانية قد خلفت العديد من المصابين ،فإن ذلك سمح بمعاينة كثير من الإضطرابات الناتجة عن قصور المناطق الجبهية، خاصة الإصابات على مستوى القشرة الجبهية، والتي أدت إلى صعوبات في تنسيق مهمات جديدة و مركبة، في حين لم يسجل عجز على مستوى القيام بالمهمات الروتينية. وقد فصّل Feuchtwanger(1923)  بشكل دقيق في إضطرابات ضحايا الحرب و سجّل اضطرابات الانتباه،اضطرابات المزاج ،وعدم الألفة ،والإندفاعية .

من جهة أخرى، رسم Kleist (1934)خريطة للدماغ حيث قسمه إلى مناطق، و حدد لكل منطقة وظيفة خاصة ،وستكون الإصابات الجبهية االيسرى مرتبطة بالتفكير، والتعبير اللفظي، بينما تؤدي الإصابات، إلى نقص االمبادرة بشكل عام، وأيضا المصابون في المناطق الجبهية يعانون من تغيير في الشخصية.

وبداية من القرن العشرين،  ظهرت كثيرٌ من الأبحاث التي سمحت بتفصيل الاضطرابات السلوكية المرتبطة بالإصابات الجبهية، وقد ساهم تطور تقنيات التصوير العصبي للنمو العصبي و النفسي  المعرفي، من رفع بعض الغموض النظري عن الوظائف التنفيذية، وأتاح فهم دور الفص الجبهي، وبالتحديد القشرة أمام جبهية في العمليات المعرفية العليا.

إن ارتباط الوظائف التنفيذية بالفصين الجبهيين، جعل الباحثين يطلقون عليها الوظائف الجبهية  نسبة إلى البنية المسؤولة عنها خاصة في علم الأعصاب ،ثم تم الانتقال من التسمية المستمدة من البنية إلى تسمية ترتبط بالنتائج الوظيفية

بناء على ما سبق، لايتأتى البحث في الوظائف التنفيذية إلا بدراسة البنية المسؤولة عنها ، أي الفصوص الجبهية. فإصابة البنية تؤثرعلى الوظائف التنفيذية و تعيق نموها و تطورها. فقد أبانت دراسات مختلفة  أن هناك علاقة بين القشرة الأمامية الجبهية، وخلل الوظائف التنفيذية؛ لكن هذا لا يعني أن القشرة الأمامية الجبهية وحدها المسؤولة عن هذه العمليات المعرفية المعقدة، لأن دراسات أخرى أوضحت أن هذه الوظائف المعرفية تنمو مع نمو الدماغ الذي يكتمل تقريبا في العقد الثالث من عمر الإنسان؛ ما يجعلها معرضة بشكل كبير للإصابة  في الصغر.

5.نمو الوظائف التنفيذية :

أكيد أن الثورة المعرفية و التقدم العلمي، خاصة التصوير الدماغي ،ساهما في توضيح كثير من خبايا العلبة السوداء: بنية و إشتغالا . فقد كشفت الأبحاث في هذا الباب عن الإنبثاق المبكر للوظائف التنفيذية لدى الرضع ، و أطفال  قبل التمدرس، وهذا الأمر جعل الوظائف التنفيذية مؤخرا تحظى بالكثير من الإهتمام في علم النفس النمائي، حيث رسمت العديد من الدراسات مسارا نمائيا لأداء الأطفال في عديد من المهام (انظر Diamond, 2002; Zelazo & Muller, 2002, for reviews.

تظهر الوظائف التنفيذية ابتداء من ستة أشهر،  و تنمو هذه المهارات بشكل متسارع إلى أن تصل ذروتها عند سن الخامسة، ويعد الكبح أول الوظائف انبثاقا، ويعتبر النجاح في الأداء “Aليس B” الذي عبر عنها بياجي، انبثاقا للوظائف التنفيذية حيث يصبح الأطفال قادرين على كبح مثيرات متعددة بشكل آلي مع نهاية السنة الأولى، وتستمر هذه الآليات في النمو حتى ثلاث سنوات، و يصل الكبح مستواه الأقصى بشكل ملحوظ بين 3 و7 سنوات،كما أنها تستقر نسبيا لتعاود التسارع في النمو حوالي سن إثنا عشر سنة ثم تستقر بعد ذلك في الثلاثينيات ، لتبدأ في الـتراجع. ويبدو أن الأطفال في سن التمدرس يكونون قادرين على المرونة، كما أن النمو المهم للمرونة يكون بين  ثلاث وأربع سنوات

يتضح مما سبق، أن النماذج النظرية و المعطيات التجريبية قد أثبتت الإنبثاق المبكر للوظائف التنفيذية و النضج المتأخر لها، ما يجعلها تتأثر، خاصة عند الطفل ،بالإضطراب النمائي العصبي (التوحد ،متلازمة داون ،جيل توريت،اضطراب  الإنتباه وفرط الحركة ….)، والإتلاف المكتسب للبنيات الجبهية تحت القشرة للدماغ الناتج عن الصدمات والحوادث المختلفة.

6.الوظائف التنفيذية و التعلم:

بعد أن سيطرت في دراسات عديدة فكرة ارتباط التعلم بالذكاء، باعتباره قدرة على إدراك العلاقات، وأنه كلما كان معامل الذكاء (QI)مرتفعا كلما كان التعلّم أفضل، فإن هذا التصورقد تم تجاوزه في القرن الحالي .فلم يعد التعلّم مجرد تلقين لمعارف جاهزة ومعطاة في برامج مهيكلة و تبليغها، ولم يعد الدماغ جهازا ينبغي حشوه بالمعلومات،  مادام الاكتساب المعرفي لا يختزل فقط في الإضافة المعرفية ،بل أيضا في تحويل التمثلات القبلية، وتطوير البنيات الذهنية عبر الإنتقال بها من حالتها البدائية والعفوية إلى حالتها المكتملة والعلمية. وبذلك تتعين سيرورة التعلم كتحول للمعارف، تحول يشكل الكبح، و ذاكرة العمل، و المرونة الذهنية، و التخطيط؛  مرتكزاته. فالوضعيات التعليمية التي يوضع فيها المتعلم هي وضعيات ليست روتينية تستدعي اعتماد سيرورات واعية تتمثل في الوظائف التنفيذية، فهي تندرج ضمن الاستراتيجيات التكيفية مع الوضعية التعلمية التي تواجه التصورات الجديدة المقترحة من طرف المدرس، وتشكل موضوع مواجهة مع تصورات المتعلمين وإن كانت من المفترض أن تتعايش مختلف أنماط التصور داخل رأس المتعلم . فبواسطة هذا الصراع إذن يجد المرء نفسه مدفوعا نحو إعادة توزيع وتكييف المعارف المكتسبة قبليا في إطار بنية معرفية قصد إدماج معارف فيها.
فأمام التصورات والحجج التي يقدمها الآخرون، يشعر المتعلم بضرورة تغيير تصوراته الخاصة . لذلك، فإن وعي المتعلمين بتمثلاتهم وبنياتها ، بل وبتناقضها أحيانا مع النماذج العلمية , يمهد لإجراء مواجهات، ومن تم التأسيس لمعرفة دالة، عبر بناء وإعادة بناء معارفهم الأولية. فعندما يصطدم المتعلم بمعطيات مغايرة لما يملكه، يضطر أن يعيد النظر في التمثلات، الروابط، السيرورات والبنيات المعرفية…حيث يقوّم تصوراته ليصل بها على حد تعبير ”بياجي” إلى الملاءمة  أي التكيف مع الوضعيات الجديدة : تعلما أو ضبطا للسلوك ،أو إدماجا للمعارف الإجتماعية ، التي يرجع إليها تنظيم سلوكه في الحياة اليومية ، خاصة في المدرسة، وهنا يتجلى الكبح  أما ذاكرة العمل فلها حضور كبير في التعلّمات، وذلك من خلال التذكر، والقدرة على استدعاء الحاضر، و الاحتفاظ بالأحداث في الذهن، وكذلك التقيد بدقة بالوقت  والحكم عليه،أمّا المرونة الذهنية فهي  أساسية للتعلّم، إذ تمكّن الطّفل من عدم تكرار نفس الخطأ.والتخطيط له مكانة أساسية

حسب دايمن (2017)Adel Diamond  فأطفال يتوفرون على وظائف تنفيذية جيدة يكون لهم ميزات تسهل تعلم القراءة، والكتابة و الحساب، من هنا تأتي أهمية تدريب هذه الوظائف و تحفيزها  منذ سن مبكرة خاصة، و تحفيز نموها خلال الطفولة والمراهقة باعتماد الطرائق البيداغوجية الخاصة ( Diamond ,2015 ) يؤيد هذا أبحاث عديدة اهتمت بنمو الوظائف التنفيذية عند أطفال مرحلة  قبل المدرسة، والتي توصلت إلى أنه من ثلاث إلى خمس سنوات يطور الكائن البشري بطريقة سريعة الوظائف التنفيذية في علاقة بنشاطه اليومي (2016,Celine Alvarez)  و هنا يلعب الأباء والمربيين دورا أساسيا لمنح الطفل فرصة لتطوير و تنمية مهاراته في البيت و المدرسة، فهذه الفترة هي فترة حرجة تستدعي التعامل معها بجدية، وهي  توازي المرحلة التي يلج فيها الطفل إلى رياض الأطفال (مرحلة التعليم الأولي)، وهذا يفرض التعامل مع هذه المرحلة بشكل أكاديمي وعلمي، هناك تجارب متعددة ورائدة تعتمد طرق و برامج تشتغل على تطوير هذه القدرات التي تعتمد على طريقة منتسوري(Montisseri)، تربية الذهن (tools of mind) ، …..)، أبانت عن نجاعتها وعليه ، يظهر أن الوظائف التنفيذية تلعب دورا في تيسير التعلمات ،

7.خلاصة:

يتضح إذن، أن الوظائف التنفيذية مجموعة من السّيرورات الواعية ذات المستوى العالي  تُستدعى في التعلّم باعتباره سيرورة مركبة ومعقدة و غير روتينية و ذلك لتحقيق هدف معين، فتشخيص  الوظائف التنفيذية يعدّ مفتاحا يساعدنا على فهم ميكانيزمات التعلّم لدى المتعلّم ، خاصة في الثلاثة عقود الأخيرة، حيث تمّ الاهتمام بهذه المهارات ذات المستوى العالي، فقد أكدت مختلف الدراسات كما رأينا دور الوظائف التنفيذية في الحياة عامة، و في المدرسة بالخصوص ، فلم يعد نجاح المتعلم يعتمد على مدى قدرته على حفظ المعلومات و المعارف و استرجاعها، بل أصبح نجاح المتعلّم يعتمد على تمكنه من آليات اشتغال الوظائف التنفيذية، أي قدرته على الكبح، و المرونة الذهنية و التحيين ( ذاكرة العمل )، والتخطيط و إنجاز المهام المعقدة . الأمر الذي يستدعي  تبني برامج تعليمية كفيلة بتطوير هذه المهارات ،وذلك بشكل ملح، خاصة عندما يتعلق الأمر بعجز الوظائف التنفيذية (اضطراب فرط الحركة ،أو التوحد ،أو جيل توريت ،…..) . إن تنمية مهارات الوظائف التنفيذية لدى الأطفال، يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية في خفض حدة صعوبات التعلم المعرفية لديهم، حيث يعدّ نمو هذه المهارات أمرا أساسيا في علاج كثير من جوانب القصور المعرفية، ما دام قصور هذه الوظائف يؤثر بشكل كبير في الذاكرة ،و الانتباه، والإدراك، والقدرة على حلّ المشكلات، وتكوين المفاهيم .كما تجدر الإشارة إلى أننا في حاجة ماسّة إلى دراسة هذه الوظائف  بشكل أعمق و ذلك ضمن السياقات الاجتماعية، والثقافية، بعد أن بينت دراسات متعددة تأثر هذه السيرورات بمتغير الثقافة .

IMG-20210212-WA0001

المراجع :

  • الغالي ،احرشاو؛ واحمد ، الزاهر، واسماعيل ،العلوي،و بنعيسى، زغبوش ،و  ومحمد، كجي ،و د.المير محمد ،احمد ،اغبال،و احمد، اوزي ،و عبد الكريم، بلحاج، و عبد الرحمن ،علمي ادريسي... (2008)سيكولوجية الطفل مقاربات معرفية منشورات علوم التربية العدد- 12.
  • دانييل ،غاوناش، وباسكال، لرغودري،  ترجمة محمد، المير (2015) .الذاكرة و الإشتغال المعرفي الذاكرة العاملة.مختبرالأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية.

 

  • Celine, Alvarez.(2016). Les lois naturels de l’enfant . Éditions des Arènes, Paris-
  • Diamond, A. (2013). Executive Functions. Annual Review of Psychology, 64, 135-168.
  • Diamond, A., & Lee, K. (2011). Interventions shown to aid executive function development in children 4–12 years old. Science, 333, 959-964.
  • Diamond, A., Barnett, W.S., Thomas, J., & Munro, S. (2007). Preschool program improves cognitive control, Science, 318, 1387-1388.
  • Davidson, M.C., Amso, D., Anderson, L.C., & Diamond, A. (2006). Development of cognitive control and executive functions from 4–13 years: Evidence from manipulations of memory, inhibition, and task switching. Neuropsychologia, 44, 2037 – 2078
  • Alain , Le Gall.(2008 ).Lobe Frontal,fonctions executives et control cognitif
  • Miyake, A., Friedman, N. P., Emerson, M. J., Witzki, A. H., Howerter, A., & Wager, T. D. (2000). The unity and diversity of executive functions and their contributions to complex “frontal lobe” tasks: A latent variable analysis. Cognitive Psychology, 41, 49–100.
  • Chan et al.(2008).Archives of clinicalneuropsychology:volume23.issue, 201,216
  • Thierry,  Meulemans, et Fabienne Collette , et Martial ,Van, Der, Linden.Neuropsychologie des fonctions exécutives .(2004).Solal
  • Dennis, M. (2006). Prefrontal cortex: Typical and atypical development. In J. Risberg & J. Grafman (Eds.), The frontal lobes: Development, function and pathology (pp. 128-162). New York: Cambridge University Press.
  • Diamond, A. (2013). Executive functions. Annual Review of Psychology, 64, 135-168.
  • Eslinger, P.J., Flaherty-Craig, C., & Benton, A.L. (2004). Developmental outcomes after early prefrontal cortex damage. Brain & Cognition, 55, 84-103.
  • Roy, A., Gillet, P., Lenoir, P., Roulin, J.-L., & Le Gall, D. (2005). Les fonctions exécutives chez l’enfant : évaluation. In C. Hommet, I. Jambaqué, C. Billard, & P. Gillet (Eds). Neuropsychologie de l’enfant et troubles du développement (p. 149-83). Marseille : Solal.