
يوسف العزوزي:
إن تأسيس الوجود على أساس فعل الوعي لا يمكن أن يجعل “الأنا” سجينة في عالمها الداخلي و إن كانت أفكارها واضحة و مميزة، لأن وجود “الآخر” l autrui” أمر واقع و ضروري ليمنح للمجتمع معنى .
و سواء كان هذا المجتمع جماعة صغيرة أو قبيلة أو إقليما أو جهة أو دولة أو اتحاد دول أو قارة أو قارات ،تبقى علاقة “الأنا” و “النحن” ب”الآخر” أو “الغير”عاملا محددا في صناعة المستقبل .
علاقة “النحن كثقافة” ب”الغير كثقافة مختلفة” مثلا شكلت جوهر كتاب صدام الحضارات أو صراع الحضارات (بالإنجليزية The Clash of Civilizations ) الذي أصدره المفكر و العالم السياسي و البروفيسور في جامعة “هارفرد” صامويل هيتنتنغ ، و يحمل المؤلف من خلاله تمثلا لعلاقة “النحن” ب”الأخر” لتشكيل النظام العالمي”، و يعتبر الاختلافات الثقافية محركا رئيسيا للنزاعات بين البشر ( الثقافة الغربية (أروروبا)و الثقافة اللاتينية الموجودة بأمريكا اللاتينية و الثقافة اليابانية و الصينية و الهندية و الإسلامية و الإقريقية و البودية و الأرطدكسية) .
إن مسؤولية دق طبول الحرب و النزاعات العقائدية و العرقية و الاقتصادية و السياسية التي ألفنا سماعها في كل أقطار المعمور تعود إلى هذا الصدام اللعين بين “النحن” و “الغير” الذي أوجد طريقه لخلق جيل جديد من الصدام بين القبائل و الأعراق في دولة بعينها، و بتنا نسمع قواميس سياسية تقوم على أساس العرق و المعتقد و الهوية. نحن بحاجة إذن إلى تعاقد اجتماعي جديد يقوم على الحوار و يسمو بالإنسان إلى مكانة تميزه عن الحيوان .
الحيوان يتواصل بلغته الخاصة مع فصيلته لكنه لا يمتلك القدرة الإنسانية على التحاور، و لتحقيق هدف الحوار ينبغي تجاوز نظرة سارتر و مثيلاتها التي ترى أن معرفة الآخر تقتضي بالضرورة تحويله إلى موضوع و تشييئة و جعله فاقدا لكل صفات الوعي و الحرية، أو جعله مصدر منفعة أو سوقا للاستهلاك.
إن معرفة “الغير” تستوجب التعاطف معه و مقارنة حالاته النفسية و الوجدانية و المشاعر المشتركة مع “النحن”. و قدم أفلاطون الصداقة نموذجا بين “الأنا” و “الآخر” فيما ذهب كلود ليفي ستراوس أن العلاقة بين الأنا و الآخر يجب أن تتأسس على التسامح و الاحترام.
و أنزل الدكتور طه عبد الرحمان “الحوار” بين “الأنا” و “الآخر” منزلة “الحقيقة” و أوضح أن للحقيقة الحوارية ثلاثة أوجه أولها أن طريق الوصول إلى الحق ليس واحدا بل متعدد و ثمة حاجة لمتوسلي هذه الطرق إلى الحوار لبلوغ هذا الحق، ثانيا : إن تواصل الحوار بين المختلفين يفضي إلى تقلص شقة الخلاف بينهم ، ثالثا: يسهم الحوار في توسيع العقل و تعميق مداركه ، لأن العقل يتقلب بتقلب النظر في الأشياء من جانب المتحاورين، و على قدر تقلبه يكون توسعه و تعمقه.
الفرق بين التواصل و الجدل و الحوار:
هل يكفي التواصل لتحقيق أهداف الحوار؟ و ما هو الفرق بين الحوار و التواصل ؟ و ما الفرق بين الجدل و الحوار ؟
الحيوانات تتواصل لأنها مستعدة غريزيا لفعل التواصل، و الإنسان يتواصل لأن لسانه قادر على الكلام و هو قادر كذلك على الحوار لأنه كائن سياسي و مفكر و قادر على الجدل لأنه كائن “منطقي “.
التواصل:
إن ” التواصل communication في أصله الاشتقاقي يشيرإلى تعميم رمز أو علامة أو شيء، ما يجعله عاما ومشتركا بين مجموعة من الأفراد، و يدل لفظ ” التواصل ” حول الشيء ، على تداول الألسن له و وروده في قطاعات معرفية مختلفة و ينطلق التواصل من الوصل أي نقل الرسالة ، و الإيصال أي نقل الرسالة من طرف المتكلم و الاتصال أي نقل الرسالة مع اعتبار مصدر الخبر الذي هو المتكلم وقصده الذي هو المستمع معا.
و يفترض في التواصل وجود شخصين على الأقل يتم بينهما التخاطب بحيث يكون الواحد منهما هو ” المرسل ” والثاني “المرسل إليه” وتتوسطهما “رسالة موضوع التواصل” لأجل إخراج الفرد من الذاتية إلى البينذاتية و تعتبر اللغة أرقى أنواع التواصل إذ بفضلها يتم التمييز بين الإنسان و سواه من الحيوانات المتواصلة.و يهدف التواصل إلى تحقيق ثلاثة مهمات هي تبادل:(Echange ) الأراء و الأفكار و المعارف و التبليغ: (Transfert) إلى الآخر والتأثير ( (Impacعلى الاخر
الجدل:
يتضمن أصل كلمة جدل Dialectique معنياه رئيسيان هما الخطاب والحجة أو الكلام و المنطق، و الجدل ليسا كلاما مؤثرا لأن التأثير موضوع البلاغة و لكن الجدل يجعلنا نفهم و نبرهن على المنطق الذي يعتري الكلام نفسه و مدا صحته أو كذبه.
و الجدل فن النقاش و استعمال البرهان و المنطق لدحض كلام الخصم، فالمجادل يدري كيف ينظم معرفته ويضبطها في نظام متماسك و يعرف أن يجد منطقا لآرائه، و يتميز ببراعته في تمييز الصحيح من الخاطئ فيما يثبته الآخرون، وبمقدرته اكتشاف مواطن الضعف في خلفيات نظرياتهم، و إيجاد الحجة القاطعة التي تستطيع أن تضطر المعترض إلى السكوت.
الحوار
الحوار يتجاوز التواصل و إرسال فكرة أو خبر أو رسالة و تلقي أخرى من المرسل إليه و يختلف عن الجدل الموغل في علم المنطق و البرهان لضحد أطروحة الغير، لأن الحوار يتوخى البحث المشترك عن حلول للقضايا المشتركة العالقة تدبيرا للعيش المشترك. و هو مدخل ضروري لنفي العنف والتطرف من العلاقات الاجتماعية والسياسية، أي إنه مدخل ضروري إلى السياسة و إلى التنشئة الاجتماعية السليمة.
ماهي القضايا التي يمكن أن يكون الحوار موضوعا لها؟:
تتعدد مواضيع الحوار بتعدد القضايا الخلافية و مقاماتها بدءا من الأسرة و الجماعة و القبيلة و المدينة و الإقليم و الجهة و داخل المجتمع المدني و المؤسسات السياسية و الحكومية وصولا إلى القضايا الخلافية بين الدول و بين الاتحادات الدولية العالمية .
و يرتبط شكل الحوار بموضوعه و شخصية المتحاورين و مستواهم المعرفي و ووعيهم و تربيتهم ، و إذا كان الحوار دوليا فإن قوة الدول المتحاورة و تحالفاتها تؤثر على مسار الحوار و بنائه .
هذا و يمكن في الحوار على سبيل الاستئناس إثارة المواضيع الثالية:
الحوار من أجل الاعتزاز بالهوية و نبد التعصب العرقي.
الحوار لفظ النزاعات القبلية لفائدة بناء نموذج تنموي مندمج.
الحوار من أجل توزيع الأدوار داخل الأسرة بنفس تشاركي.
الحوار حول تنزيل مبدأ المساواة بين الجنسين .
الحوار حول حقوق الإنسان في الثقافة الغربية و حقوق الإنسان في الإسلام.
الحوار بين الحكومة و النقابات.
الحوار بين العمال و رب العمل.
الحوار داخل الأسرة لتنظيم استعمال فضاءاته.
………