سجين فوق العادة


خولة السليماني
-هيا !استيقظوا .. ! ما هذا الكسل !؟
هكذا استفقت من نومي على صراخ الحارس وهو يفتح عنبر النوم عفوا الزنزانة، استفقت من نومي وأنا خائف من هذا اليوم الجديد وأتساءل : "هل هو يوم كسائر الأيام،هل سنذهب مجددا للعمل الشاق و حمل الأثقال ؟ « لكن الجواب واضح : العمل ثم العمل فالتعب فالجوع….هذا هو السجن المسمى مجازا" إصلاحية"
بعدما استفقنا توجهنا إلى المكان المعتاد، ننظف جميع الحجرات … نغسل الثياب ; كل هذا تحت سياط و كلام الحارس النابي.
لقد أصبح الليل مفضلا عندي لأني على الأقل أرتاح فيه من العمل الشاق بسفح الجبل المحادي للمدينة , حين ألقي بجسدي فوق ذلك الفراش القاسي الصلد،و إن حصل أن غفوت ،تغشاني تلك الذكريات الملآى بالحزن و الألم .
حين عادت أمي من أحد البيوت التي تعمل فيها خادمة , كانت الشمس تميل إلى مغربها , وجدت أبي بالكاد يقف ; وقد أنهكت قواه قنينتا الخمر , فتضع كتفها تحت إبطه لتدخله إلى البيت ; حفاظا على ماء الوجه إذا بقي في الوجه ماء , لان أحاديث الجيران كثرت حول سرقات والدي في السوق الأسبوعي و شربه يوميا للخمر .
هكذا كانت حياتنا نسخة من نسخة مشوهة، ورغم ذلك ، كانت أمي أول من يستيقظ لتعد فطورا من كوب شاي و أرباع الخبز التي يتفضل بها الطلبة الذين تعمل عندهم. وبعد كل فطور تتفحص وجوهنا الشاحبة و كأنها تبحث في عيوننا عن مرض تنتظر ظهوره , ثم ننصرف مرة لبيع أكياس بلاستيكية في السوق ; ومرة لحمل أمتعة المسافرين بمحطة القطار , حتى إذا جن الليل ألقمني أحد المتشردين نرجيلة الحشيش , وهكذا تحولت من مستهلك إلى مدمن ثم ….
لم يمهلني الحارس مرة أخرى و قد وخزني بعصاه " قم ; استيقظ ; استيقظ ."